لم تكلل كل محاولات "
إسرائيل" الحثيثة في الحصول على جزء من
مياه نهر
النيل بالنجاح حتى الآن، بالرغم من اقترابها من تحقيقها في عام 1979 واعتبارها جزءا من اتفاقية السلام مع
مصر، إبان عهد الرئيس الأسبق أنور السادات؛ الذي أعطى إشارة البدء في مشروع "ترعة السلام" إلا أنه توقف بسبب الرفض الشعبي.
لكن لم تنقطع المحاولات الإسرائيلية للحصول على مياه النيل منذ ذلك الوقت وحتى اليوم، حيث كشف موقع "ميدل إيست أوبزرفر" في 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، اعتزام نظام عبد الفتاح السيسي تزويد "إسرائيل" بالمياه من خلال بعض الأنفاق الستة الصخمة التي يجري حفرها أسفل قناة السويس لربط شبه جزيرة
سيناء بالدلتا.
يجعلها دولة مصب
في هذ السياق، قال الخبير الدولي في السدود والموارد المائية، أحمد الشناوي، لـ"
عربي21"، إن "إسرائيل ما زالت تأمل في تزويدها بمياه النيل"، مذكرا بأن "الرئيس الراحل أنور السادات كان على وشك تحقيق حلمهم في عام 1979، لكنه واجه معارضة شديدة في الداخل، وقد تصدى والدي، نقيب المهندسين آنذاك، للمشروع، وعارضه بقوة في نقابتي المحامين والصحفيين بالقاهرة"، كما قال.
واتهم "إسرائيل" بالوقوف وراء مشروع سد النهضة الإثيوبي، وأكد أن من دعم المشروع "هو وزير خارجية إسرائيل السابق (ووزير الدفاع حاليا) أفيجدور ليبرمان اليميني المتشدد، من أجل الضغط على مصر".
وحذر الخبير الدولي من خطورة تزويد "إسرائيل" بمياه النيل، قائلا: "في هذه الحالة ستصبح إسرائيل دولة مصب، وهو ما يعني أن حقها القانوني وقف أي مشروع في دولة قبلها، وهي مصر، من شأنه أن يمنع عنها المياه، أو يقللها، أو يؤخر موعدها، ومن حقها أيضا أن ترفض أي مشروع مائي ترغب مصر في إقامته على نهر النيل"، وفق تقديره.
وأضاف أن وقوف "إسرائيل" إلى جانب إثيوبيا في مشروع سد النهضة "هو ما يشجعها على استكمال بنائه، في حين أن من حق مصر قانونيا، وفق اتفاقات 1902 و1929، أن تمنع بناء هذا السد"، مشيرا إلى أن "المفاوضات مع الجانب الإثيوبي لن تفضي إلى نتيجة تذكر"، واصفا إياها بأنها "مفاوضات هزلية، ومضيعة للوقت".
"سحّار سرابيوم"
أما أستاذ السدود بجامعة تناجا بماليزيا، محمد حافظ، فلم يستبعد قيام السيسي بنقل المياه إلى "إسرائيل" بطريقة أو بأخرى، وقال لـ"
عربي21": "هناك سحّارة ضخمة شرق قناة السويس، تدعى سحارة سرابيوم فيها أربع بيارات بعمق 60 مترا وقطر 20 مترا، تحت ادعاء توصيل المياه لشرق القناة"، على حد قوله.
وتابع: "هذه السحارة الهدف منها نقل المياه إلى إسرائيل، وليس الأنفاق التي يتم العمل فيها الآن"، متوقعا "أن تتعاظم أزمة المياه في مصر خلال السنوات المقبلة، وسيتم خصخصة مياه النيل، لتديره إحدى الشركات الأجنبية التي ستبيع المياه للمصريين والإسرائيليين"، كما قال.
وبدأ العمل في تلك السحارة في آب/ أغسطس 2014 لتوفير مياه الري والشرب لسيناء في نطاق شرق البحيرات وشرق السويس، علاوة على معالجة مشكلة نقص المياه بشرق قناة السويس.
وحذر أستاذ السدود من حلول عام 2024 على مصر والمصريين؛ في حال استمرت الأوضاع على ما هو عليه، قائلا: "سيكون عام حياة أو موت لمصر؛ لأن إثيوبيا ستكون قد انتهت من بناء ثلاثة سدود على نهر النيل، وقامت بتخزين المياه خلفها، وتعلن عن امتلاكها أكبر بنك لبيع المياه بعد أن تتحكم في جميع مصادرها ومساراتها واتجاهاتها".
ولفت إلى أن "مشروع ترعة السلام المتوقف، والذي أنفق عليه مليارات الجنيهات في عهد (الرئيس المخلوع حسني) مبارك، يعتبر جزءا من الحل لتنمية سيناء، وتوفير مياه الري للأراضي الزراعية التي يراد استصلاحها".
شكوك تعززها سلوك النظام
من جهته، قال الكاتب الصحفي أبو المعاطي السندوبي، لـ"
عربي21": "تظل مسألة استخدام الأنفاق الستة لتزويد إسرائيل بالمياه مجرد شكوك، وليس لدينا معلومات تثبت صحتها".
ولكنه أشار إلى وجود "ما يعزز من منطقية تلك الشكوك، خاصة في أعقاب زيارة رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتناياهو إلى إثيوبيا في تموز/ يوليو الماضي، التي أعقبتها زيارة سريعة لوزير خارجية مصر، سامح شكري، إلى إسرائيل ولقاء نتنياهو، وليس وزير خارجيته، في القدس العربية وليس في تل أبيب"، على حد قوله.
وأردف قائلا: "في حال قرر نظام السيسي إمداد إسرائيل بالمياه سواء عن طريق الأنفاق أو الترع أو السحارات، فسوف يخالف كل قواعد المنطق التي تفرض على مصر عدم التفريط في قطرة مياه في ظل حالة الفقر المائي التي تعاني منها البلاد، وسيخلق موجة غضب شعبي هو في غنى عنها الآن".
وأضاف: "في تقديري الخاص؛ ليس هناك قواعد منطقية تحكم أفعال هذا النظام، فهو نظام خارج نطاق التوقعات والتحليلات المنطقية بسلوكياته المفاجأة وسياساته الحمقاء التي تتسم بالغشم السياسي الذي قل نظيره، ومن الصعب إخضاعه لأي معايير أو مقاييس"، كما قال.