حذر خبراء اجتماعيون واستشاريون نفسيون من تأثير الأزمة الاقتصادية في
مصر على قدرة
الشباب على
الزواج، وما قد يترتب على ذلك من مخاطر اجتماعية، وهو ما دفع البرلمان، للمرة الأولى، في أيار/ مايو الماضي، إلى اعتبار قضية "
العنوسة" قضية أمن قومي.
وذكر الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء أن عدد عقود الزواج بلغ نحو 969 ألف عقداً عام 2015، بزيادة قدرها 1.7 في المئة عن عام 2014، وهي نسبة لا تتناسب مع زيادة عدد السكان بمتوسط 2.4 في المئة سنويا، في حين ارتفع عدد حالات الطلاق بنسبة 10.8 في المئة مقارنة بالعام السابق، لتصل إلى ما يقرب من 200 ألف حالة.
ارتفاع السلع ما بين 150% و200%
وكشف رئيس شعبة المستوردين بالغرفة التجارية في القاهرة، أحمد شيحة، عن ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية "بأكثر من 150 في المئة منذ شهر آذار/ مارس الماضي فقط من العام الجاري، وبالقطع سيؤثر بالسلب على قدرة الشباب والفتيات في تأثيث وتجهيز منزلهم".
وقال لـ"عربي21": "بعد زيادة التعريفة الجمركية 60 في المئة، وبعد قرارات 43، و91 و93 التي أصدرها وزير التجارة والصناعة، بحظر استيراد عشرات السلع، من بينها الأجهزة المنزلية وأدوات المطبخ والأثاث، فلا عزاء للمقبلين على الزواج"، على حد وصفه.
وأكد أن "القرارت الأخيرة التي صدرت تحت مسمى تشجيع صناعات محلية، وهمية، وهي في الحقيقة تصب في صالح رجال أعمال بعينهم، وفجّرت بالونة الأسعار"، مطالبا بإلغاء تلك القرارات، وهو ما من شأنه خفض أسعار السلع بأكثر من 50 في المئة، وفق تقديره.
وأشار إلى أن "الأسر التي ادخرت مبلغا من المال لتجهيز ابنتهم لم يعد بإمكانهم شراء ما كانوا يخططون له إلا بمضاعفة هذا المبلغ"، مشيرا إلى وقوع بعض الأسر في إحراج كبير "نتيجة عدم قدرتها على تجهيز بناتها بالتساوي".
الذهب.. الأزمة والحل
وتعد "شَبْكة العروسة" من أولى المهام الصعبة أمام أي عريس بسبب ارتفاع سعر الذهب، إلا أن رئيس شعبة المصوغات والذهب بالغرفة التجارية، رفيق عباس، يرى أن هذه الشَبْكة من "الأساسيات وليست كماليات".
وقال لـ"عربي21": "الشبكة مثل وثيقة التأمين، فأي أسرة بحاجة إلى الذهب ليس للزواج، ولكن تحسبا لأي ظرف طارئ تتعرض له بعد الزواج"، مشيرا إلى أن "الذهب أهم للأسرة الجديدة من أي شيء، بغض النظر عن سعره لأنه يحتفظ بقيمته على عكس جميع السلع التي تفقد قيمتها بمجرد شرائها"، كما قال.
وأكد أن "أسعار الذهب تأثرت بانخفاض الجنيه أمام العملات الأجنبية، وأدى إلى تراجع المبيعات في أسواق الذهب والمجوهرات بنحو 50 في المئة عن العام الماضي؛ بسبب عزوف وتراجع قدرة المقبلين على الزواج على الشراء بتلك الأسعار".
أمن قومي
من جهته، حذر أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس، إبراهيم مجدي، من تداعيات الأزمة الاقتصادية على المجتمع، وقال لـ"عربي21": "سنرى انتشارا للسرقة والاكتئاب، وزيادة معدلات الانتحار، والانحراف والتحرش الجنسي، والأفكار السوداوية، فوجود ملايين العوانس والعزاب في مصر تستحق أن تكون مسألة أمن قومي"، وفق قوله.
وبين أن "أسباب العنوسة متداخلة ومترابطة، ما بين اجتماعية واقتصادية ونفسية، وترتفع بين الطبقات المتوسة من أصحاب الشهادات الجامعية والوظائف، أكثر من الطبقات الفقيرة؛ بسبب التطلعات المستمرة للأفضل (لدى الطبقات المت وسطة)، دون زيادة في الإمكانيات، ما يؤخر سن زواج الفتيات".
ودعا الدولة إلى المساهمة في حل الأزمة وليس تجاهلها، أو المساهمة في تفاقمها، وقال: "على الدولة توفير مساكن للشباب، وتوفير تجهيزات العروسين في معارض خاصة بأسعار مخفضة، وأن تساهم البنوك في تمويل الزواج، ومنح القروض".
مخاطر ارتفاع سن الزواج
بدورها، أكدت أستاذة علم الاجتماع في كلية الآداب بجامعة المنوفية، إنشاد عز الدين، أن إحجام الشباب عن الزواج هو "نتيجة ضيق ذات اليد، وارتفاع الأسعار".
وأضافت لـ"عربي21": "حالة الغلاء أصبحت عبئا جديدا، أضف إلى ذلك ارتباط الزواج بموروث ثقافي متخلف يثقل كاهل العروسين"، على حد وصفها.
وحذرت من خطورة استمرار ارتفاع سن الزواج؛ "لأن مرحلة الخصوبة والإنجاب عند الطرفين تكون في ذروتها في السن المبكرة، والقدرة على تحمل الأعباء والأطفال تستلزم أعمارا مبكرة قليلا عن التي نشهدها الآن".
ورأت عز الدين أن سن الزواج الطبيعي للفتيات "ما بين 22 و25 عاما، وللشباب ما بين 25 و30 عاما، مع الأخذ في الاعتبار وجود تسعة ملايين عانس، وهو عدد كبير وغير طبيعي"، داعية إلى "تقنين متطلبات الزواج، وتسيير المراكب بأقل التكلفات والإمكانيات".
وكشفت أن "ظاهرة تأخر الزواج في مصر؛ في ارتفاع نسبي منذ عشرين عاما، ولكنها زادت بشكل مطرد في السنوات الأخيرة بسبب العوامل الاقتصادية، والمبالغات في مطالب الزواج، فكلما زادت الطموحات وظلت الإمكانيات على حالها، سيؤدي ذلك إلى تراجع الزواج عاما بعد آخر".