نشرت مجلة "ذي أتلانتك" تقريرا للصحفي سيدهارثا ماهانتا، حول تعاملات
ريكس تيلرسون، مرشح دونالد
ترامب لمنصب وزير الخارجية، الذي لا يملك أي تجربة في الحكومة، لكنه كان مديرا لشركة "
إكسون موبيل" لمدة 11 عاما، التي وصفها الصحفي ستيف كول مرة بأنها "شركة ضخمة تعد دولة داخل دولة"، وهي شركة قوية كانت أرباحها 32 مليار دولار عام 2014.
ويورد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، نقلا عن تيلرسون، قوله للصحفي تشارلي روس عام 2013، إن وظيفته هي إدارة المخاطر، خاصة أن "إكسون" تعمل "في أكثر من بلد، حيث السياسة الجغرافية معقدة"، وفعل ذلك يحتاج إلى نوع من الدبلوماسية، مشيرا إلى أن تيلرسون وصف عمله بالقول: "مسؤوليتي في إدارة المخاطر تتضمن ... تطوير علاقات مهمة... عندما تريد أن تقدم التزامات مهمة فإنه يجب عليك أن تنظر إلى رئيس تلك البلد في عينه، وتقول له إنك ستقوم بذلك الالتزام وسأعتمد عليك في أن تقوم أيضا بالتزاماتك تجاه (المشروع)؛ لأنني سأكون هنا لفترة طويلة".
ويقول ماهانتا إن "تم تأكيد تسليم منصب وزير الخارجية لتيلرسون، فإنه سيكون عليه مثل رئيسه المنتخب، الذي تحول من رجل أعمال إلى سياسي، أن يخطو بحذر، آخذا بعين الاعتبار الفروق بين القطاع الخاص والقطاع العام، ففي الوقت الذي كان فيه على المدير العام تيلرسون إبقاء أصحاب الأسهم في شركة أكسون سعداء، فإن الوزير تيلرسون عليه أن يدير بيروقراطية مشحونة بالسعي لتحقيق الاستقرار العالمي، وحماية المصالح الأمريكية حول العالم، وستكون هذه نقلة كبيرة، وقال لي علي خضيري، الذي عمل مع تيلرسون: (عليه أن ينتقل من إدارة شركة شبه مستقلة عمليا، ميزانيتها 400 مليار دولار، إلى بيروقراطية ميزانيتها 66 مليار دولار)، وهذا بالإضافة إلى ما سماه خضيري: (الحروب الدائرة بين مختلف المؤسسات الحكومية.. وإشراف الكونغرس وغير ذلك)، ومع ذلك فإن تيلرسون رجل الأعمال، يعطي فكرة كيف سيكون تيلرسون الدبلوماسي، فبالإضافة إلى الشرق الأوسط، يقول خضيري إن (هناك روسيا وقطر وأوروبا وآسيا ووسط وجنوب أمريكا، كلها عملت إكسون فيها، وأظن أن هذا ما يأمله ترامب منه بصفته وزيرا للخارجية)، وأضاف خضيري في رسالة إلكترونية، إن ترامب (يريد من رجال حكومته أن يعقدوا صفقات حول العالم لخدمة المصالح الأمريكية، ضمن نموذج نيو- مركانتيلي بدأ يتشكل)".
وتشير المجلة إلى أن "أعضاء الكونغرس أبدوا، من بين آخرين، مخاوفهم حول تاريخ تيلرسون التجاري مع روسيا، وعلاقته الحميمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكن هناك منطقة أخرى مهمة في الأجندة الأمريكية، حيث جرب تيلرسون شبه- دبلوماسيته في
العراق وكردستان، وفي عام 2011 حصلت إكسون على صفقة نفط قد تكون رفعت تطلعات الأكراد للحصول على دولتهم دون قصد، وهي النتيجة التي تعارضها أمريكا وحليفتها تركيا".
ويلفت التقرير إلى أن الخضيري عراقي أمريكي، كان "الأمريكي الأطول خدمة في العراق" عندما انضم إلى تيلرسون وإكسون عام 2011، كونه عمل مساعدا خاصا ومستشارا لعدة سفراء وجنرالات أمريكيين، من عام 2003 وحتى عام 2010، وقال إنه ترك العمل عندما تبين أن أمريكا تستمر في دعم رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، الذي شعر الخضيري بأنه يجر العراق أقرب إلى إيران، ويحكم بصفته "ديكتاتورا طائفيا سيعطي الحياة لتنظيم القاعدة ثانية".
ويبين الكاتب أنه "عندما عمل خضيري مستشار إكسون للشرق الأوسط، فإنه دُهش عندما وجد أن ثقافتها تقوم على الابتعاد عن المخاطرة، على عكس الثقافة السائدة عندما عمل مع الحكومة الأمريكية في العراق، بالرغم من أن الشركة تعمل في عشرات البلدان، بعضها غير مستقر، مثل نيجيريا، ونشأت هذه الثقافة بشكل جزئي نتيجة تسرب النفط من ناقلة تابعة لإكسون فالديس عام 1989، ولذلك عندما علم خضيري بأن الشركة وقعت عقدا قيمته 25 مليار دولار لتطوير حقل نفط في جنوب العراق قبل انضمامه إليها بأشهر فقط كان قلقا، حيث يقول: (هذه الشركة الحريصة على تجنب المخاطرة، كانت تقوم بمخاطرة كبيرة، قد تصل إلى 50 مليار دولار على مدى الثلاثين سنة القادمة في بلد أنا أعرف أنها تمر في جحيم، وأنها ستتحول ضد الأمريكيين أكثر مما هي عليه الآن، وقلت إن هذا غير معقول)".
وتذكر المجلة أنه "بدلا من ذلك، فإن خضيري أقنع تيلرسون بالاتجاه نحو منطقة
كردستان الغنية بالنفط في شمال العراق، التي كانت تنظر إليها معظم شركات النفط الغربية منذ سقوط صدام، ولم تشجعهم الصفقات السيئة، التي كانت تعرضها الحكومة العراقية لشركات مثل إكسون، لإحياء الحقول المنتهية، وكثير منها في الجنوب، وقام الأكراد بالمصادقة على قانون يفتح باب العقود النفطية عام 2007".
وينوه التقرير إلى أن المشكلة كانت أن الحكومة في بغداد حذرت شركات النفط الأجنبية من أنها ستمنع من العقود في حقول الجنوب أي شركة تعقد صفقات منفصلة مع الأكراد، مشيرا إلى أنه بحسب الدستور العراقي الفيدرالي، فإن الحكومة تسيطر على حقول النفط الموجودة، أما الحقول الواقعة تحت الاستكشاف فإن من حق الأقاليم المحلية تطوير تلك الحقول، "أما موضوع توزيع دخلها فهو قضية شائكة أكثر".
ويفيد ماهانتا بأن "الحكومة العراقية خشيت أيضا أن تؤدي أي صفقات مع الأكراد إلى تشجيعهم على السعي للحصول على دولة خاصة بهم، وكانت هذه قضية حساسة بالنسبة لواشنطن، بحسب ما قال تيلرسون لروس في 2013، حيث قال: (لا نمثل الحكومة الأمريكية عندما نسافر في أنحاء العالم، ولا نتظاهر بذلك، بالإضافة إلى أننا لا نطلب من الحكومة الأمريكية أن تفعل لنا شيئا، ونحن مستعدون، ونفضل أن ندخل البلدان ونوقع عقودا، ونجري مفاوضاتنا بين (إكسون موبيل) والبلد المضيف)".
وبحسب المجلة، فإن "الخضيري وأكثر من 20 مديرا تنفيذيا قدموا خطة لتيلرسون حول استكشاف ستة حقول في كردستان في أراض تطالب بها حكومة كردستان الإقليمية، وبعضها لا تعترف بغداد بتبعيتها للأكراد، وركز العرض على النواحي الهندسية والجيولوجية، وقليل مهم عن السياسية، (شريحة واحدة من 10 شرائح بوربوينت)، لكن خضيري قال إن أسئلة تيلرسون كلها كانت حول الجانب السياسي، وكان فقط يسأل ولا يبدي رأيا، وهذا ما يعرف عنه، بأنه لا يفصح عما يفكر فيه، حتى لأقرب نوابه في إدارة الشركة".
ويكشف التقرير عن أن "الصفقة كانت تنضج بسرعة، فمع منتصف تشرين الأول/ أكتوبر، كانت إكسون تضع اللمسات الأخيرة على ستة عقود استكشاف، تساوي مليار دولار، مع إقليم كردستان، ما أزعج المالكي، الذي طالب أوباما بإلغاء الاتفاقيات، وربما كان لا يعلم أن ذلك خارج عن سلطات الرئيس، ويقول خضيري إن المالكي، الذي يصفه بأنه (شخصية شريرة نيكسونية طائفية مسببة للخلاف)، كان قد أخبر بالصفقات، وأن الأموال الناتجة عنها ستجنيها بغداد قبل قيام وزارة المالية بتوزيعها، وستساعد في خلق وظائف جديدة، وجلب دخل جديد للعراق".
وينقل الكاتب عن جيمس جيفري، الذي كان سفيرا لأمريكا في العراق، والذي عمل مستشارا مع إكسون، قوله إنه بالرغم من الأثر السياسي المتوقع للصفقة، "فلم تكن نية شركات النفط الدولية" أن تضفي الشرعية على طموحات الأكراد، وكانت صفقة الاستكشاف تمت بحسب القانون، بالإضافة إلى أن تطوير مصادر جديدة للنفط "كان له معنى اقتصادي، وجهز الأكراد لسيناريو انقسام العراق المحتمل".
وتجد المجلة أنه "كما هو الحال بالنسبة لأي صفقة استكشافية، فإن مصير مشروع إكسون في كردستان على المدى الطويل غير واضح، وقد انسحبت إكسون من ثلاثة من المواقع؛ بسبب النتائج الضعيفة للاستكشاف، لكن الواردات المتوقعة من الصفقة لم تكن الشيء الوحيد المهم بالنسبة للأكراد.
ويورد التقرير نقلا عن الخبير في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية جوست هلترمان، قوله إنه من وجهة نظر الأكراد فإن الصفقة كانت لها علاقة بالأرض، واستخدام شركات النفط لمساعدتهم ضمان مطالبتهم بها، وأضاف أن الخطر يكمن في رغبة الأكراد في العمل مع إكسون لتطوير ثلاثة حقول في ست مناطق متنازع عليها، لافتا إلى أن شركات أخرى قد وعدت بألا تعقد أي صفقات تتعلق بتلك المناطق، "لكن إكسون لم تهتم وهذا كان مفرحا للأكراد"، بحسب هيلرمان.
وينقل ماهانتا عن المتحدث باسم إكسون، قوله: "بخصوص حدود إقليم كردستان العراق، فإن قضايا الحدود تتعامل معها الحكومات من خلال القنوات المناسبة... ومن الطبيعي للشركات إعادة النظر وزيادة أو الإبقاء على أو إنقاص الحصص في أي مشروع أو منطقة، ونحن ملتزمون بتحمل الالتزامات التعاقدية كلها في العراق كله".
وتقول المجلة إنه "بغض النظر عن أولويات إكسون، فإن هناك مضاعفات سياسية لقرارها، ودروسا محتملة حول التداعيات غير المقصودة لوزير الخارجية المقبل، فمجرد أن وضعت إكسون يدها على المناطق نيابة عن إقليم كردستان العراق، فقد خلقت ما سماه هلترمان (حقائق على الأرض)، وهي شعور بحتمية وقوع تلك الأراضي في أيدي الأكراد، بالرغم من كونها متنازعا عليها، وقريبا سيشعر الأكراد أنهم غير ملتزمين بالخط الأخضر الذي يرسم حدود كردستان العراق، وإلى الآن يقوم الأكراد بأخذ المزيد من الأراضي، عن طريق مقاتلة البيشمركة لتنظيم الدولة، ويقول هلترمان: (لقد أخذوا أراضي إضافية على مدى العامين الماضيين في المناطق المتنازع عليها)".
ويضيف هلترمان أنه لا مشكلة له مع الشركات التي تريد أن تعمل في المناطق الكردية، ويستدرك قائلا: "لكن ما يقلقني هو المناطق المتنازع عليها؛ لأنها ليست مناطق كردية، والأكراد يتخذون خطوات من طرف واحد لضم هذه المناطق، ويسخدمون شركات، مثل إكسون، مستعدة لأن يتم استخدامها لتحقيق أهدافهم"، بحسب المجلة.
وكتب جيفري: "صحيح أن الأكراد يريدون إبقاء خيار الاستقلال مفتوحا، وليكون هذا الخيار ذا مصداقية يجب أن يكون لديهم اقتصاد فعال، ولا يعتمدون فقط على 17% من دخل النفط على مستوى العراق، الذي من المفروض أن تدفعه بغداد لإقليم كردستان العراق، ولذلك فإن خطوة منطقية اقتصاديا تخدم هدفا سياسيا".
ويشير التقرير إلى أنه عندما سأل روس تيلرسون عام 2013، عما إذا كانت إكسون تأخذ مصالح أمريكا بعين الاعتبار، فإنه أجاب قائلا: "أي خطوة نأخذها لتطوير مصادر جديدة، وتشجيع العلاقات التجارية، ودعم استقرار البلدان، من نواح اجتماعية واقتصادية وجيوسياسية، فإن ذلك كله يصب في مصلحة أمريكا".
ويعلق الكاتب قائلا: "السؤال هو إن أصبح تيلرسون وزيرا للخارجية، فكيف سيتطور مفهومه لمصالح أمريكا الوطنية، أحد الاختبارات سيكون في سياق الشرق الأوسط المشحون، حيث اعتمدت أمريكا على الأكراد في حربها ضد تنظيم الدولة، في الوقت الذي تنازل فيه عن رغبات العراق وتركيا، اللذين يعارضان التمدد الكردستاني، فإن صفقة أبرمها تيلرسون قبل خمسة أعوام ستجعل لعبة التوازن هذه أكثر تعقيدا".
وتختم "ذي أتلانتك" تقريرها بالقول: "في المحصلة، لا يعتقد هلترمان بأن صفقة إكسون مع الأكراد جيدة من ناحية سياسية للعراق، ولم تكن جيدة للأكراد، لكن (الناس في إكسون سيقولون إنها براعة في التجارة)".