مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية
الصومالية نهاية هذا الشهر، تبقى قضية "أرض الصومال" عالقة، حيث لم تتوصل الحكومات المتعاقبة على حكم الصومال منذ انهيار نظام سياد بري حلولا جذرية للمعضلة السياسية لمناطق شمال الصومال المعروفة حاليا بـ"أرض الصومال"، وهو كيان انفصالي يطالب بفكّ الارتباط، والقيام كدولة مستقلة عن الصومال.
من جهتها، ترى الحكومة الفيدرالية، برئاسة حسن شيخ محمود، أن "أرض الصومال" جزء أساسي من الصومال ولا تتجزأ عنه، وأنها تتمتع بحكم ذاتي، ولها كامل حقوقها في تقاسم السلطة والثروة، وتعتبر أن هذه القضية تحتاج إلى معالجات سياسية ومصالحة شاملة.
في هذا الحوار الذي أجرته "عربي21" في نيروبي، يتحدث عبد الرحمن محمد عبد الله "عِرّو"، رئيس مجلس نواب "أرض الصومال" ورئيس الحزب الوطني لـ"أرض الصومال"، عن التحديات التي تواجهها "أرض الصومال" في ظل عدم الاعتراف بها من قبل المجتمع الدولي، ومعوّقات الحوار معهم مع الحكومة الفيدرالية، فيما وصف الحكومة الاتحادية بأنها "غير جادّة، وتطيل أمد المفاوضات".
كما يتحدث "عرّو" عن ميناء "بربرة" في "أرض الصومال"، الذي تتولاه شركة
موانئ دبي، بعيدا عن أي دور للحكومة الصومالية المركزية.
كما تطرق رئيس مجلس نوّاب أرض الصومال، الذي عمل لفترة طويلة سفيرا للصومال في روسيا الاتحادية، عن علاقات "أرض الصومال" مع الخارج، ونفى بشدة علاقاتهم مع "إسرائيل"، واعتبر ما تردّد بهذا الصدد مجرد "دعاية مغرضة لا أصل لها من الصحة"، بحسب وصفه.
وينوي "عِرّو" خوض سباق الانتخابات الرئاسية لـ"أرض الصومال"، المزمع إجراؤها عام 2017، خلفا لأحمد محمد محمود سيلانيو، الذي تسلم مناصب سياسية وعسكرية مهمة في عهد الرئيس الصومالي الأسبق، محمد سياد بري.
وفيما يلي نص الحوار:
* إلى أي أين وصلت المفاوضات الجارية بين أرض الصومال والحكومة الاتحادية؟
- المحادثات بدأت عام 2012 في العاصمة البريطانية لندن فترة حكم الرئيس الشريف شيخ أحمد، وعند وصول الرئيس حسن الشيخ محمود إلى سدة الحكم في جمهورية الصومال، بدأ من جديد المفاوضات بوتيرة أسرع من الأولى. انعقدت في الخارج جولات كثيرة ومتتالية جرت فعالياتها في إسطنبول التركية، لكنها لم تسفر عن نتائج ملموسة. لم تحقق الحكومة الصومالية الحالية إنجازات ملموسة فيما يتعلق بالحوار الجاري بيننا. فشلت في إدارة المفاوضات، والدفع بها نحو الأمام، والسبب هو تعنت الحكومة الصومالية الحالية في تلبية مطالبنا، المتمثلة في
الانفصال عن الصومال، ووقوفنا إلى جانبها كدولة جارة تشترك معها الجوار الجغرافي. ضربت (الحكومة) بعرض الحائط كل ما يتعلق بالمصالح المشتركة، وهي غير جادة في إدارة الملفات العالقة بين الطرفين. مساعي المفاوضات لم تتكلّل بالنجاح، وتتحمل الحكومة الحالية ذلك الفشل.
* ما أسباب تعثر المحادثات الجارية؟
- هناك عدة أسباب لتعثر المحادثات الجارية بيننا، يأتي في مقدمتها غياب أجندة التفاوض من كلا الطرفين. محادثاتنا جاءت بعد محاولات كثيرة من كلا الطرفين، كانت تتأجل لأسباب لا نعرفها في السابق، وعندما استضافتنا بريطانيا، الكل هرول للجلوس إلى طاولة المفاوضات. من جانبنا كٌنا نود -ولا زلنا- التعايش معهم كدولتيْن جارتيْن، وهم أرادوا ما يُعد من المستحيلات عندنا، وهو عودتنا إلى ما كان يعرف بالجمهورية الصومالية.
ويكمُن الفشل في إطالة أمد التفاوض. هناك ما لا يقل عن 10 جلسات للحوار بين الطرفين. شاركتُ إحدى تلك الجلسات المنُعقدة في إسطنبول، عامل الزمن لم يكن في الحسبان. كُنا نختلف كثيرا في وضع الأجندات، وما هي الأولويات، وجلّ تركيزنا كان ينصب في هذا الإطار، ما ضيّع علينا الزمن، وأطال كثيرا أمد المفاوضات الجارية.
* ما هو سقف مطالبكم السياسية؟
- مطالبنا السياسية واضحة كوضوح الشمس، ولا تخفى عن الصوماليين ولا عن المجتمع الدولي. بإرادتنا قمنا عام 1960، كبادرة لحسن النية، بالاتحاد مع الصومال الجنوبي (الذي كان يخضع للاستعمار الإيطالي) والصومال الشمالي -وهو ما يُعرف حاليا بجمهورية أرض الصومال- الذي كان يخضع للاستعمار البريطاني. الشعب هو الذي يملك مصيره، وليست مجموعة سياسية من تستطيع إملاء وفرض الأجندات. تنفيذا لمطالب شعبنا، ونزولا عند قراره السياسي والمصيري، قمنا بفك الارتباط بعد تعرضه للتهميش والقتل الممنهج من قبل نظام سياد بري، الذي قام بقصف هرجيسا عام 1988، وقتل الشعب الأعزل، وشرّد مئات الأسر، وسجن الأبرياء بتهم واهية، أقلّها الانضمام إلى جبهة "إس إن إم" وهي جبهة تأسست للدفاع عن مكتسبات شعب أرض الصومال، أمام الحكومة التي كشّرت أنيابها للانقضاض على شعب أرض الصومال بلا هوادة.
هناك استفتاء أجريناه عام 2001، كانت نتيجته فكّ الارتباط والانفصال عن الصومال، بنسبة تصل إلى 97 في المئة. ثلاثة في المئة فقط هي من قالت نتحد مع الصومال.
القرار ليس بيد الأحزاب السياسية في جمهورية أرض الصومال. الشعب وحده هو من يقرر ويحدد مصيره بنفسه، ونحن لا نمثل سوى هذا الشعب، الذي ذاق المرارات في الاتحاد مع الجنوب، والعمل معه ضمن منظومة سياسية انتهت مع قصف الأبرياء، والتمادي في رفض مطالبهم العادلة.
* بالنسبة لمشروع ميناء "بربرة" مع هيئة موانئ دبي، هل تمّ بالتنسيق مع الحكومة الاتحادية كما يُشاع من قبل البعض؟
- لا، لم يتم بالتنسيق مع الحكومة الاتحادية، ولسنا طرفا فيها ليتم التنسيق معها. وقّعنا الاتفاقية مع هيئة موانئ دبي العالمية بامتياز لمدة 30 عاما قادمة لإدارة وتطوير ميناء "بربرة" في أرض الصومال، باستثمار قيمته 442 مليون دولار أمريكي. نهدف من خلال هذه الاتفاقية الموقعة مع مجموعة موانئ دبي العالمية لجعل المنطقة سوقا تجارية مزدهرة، خاصة أن لنا حدودا مع إثيوبيا التي تُعدّ دولة حبيسة، ولا تملك منفذا بحريا.
لا يهمنا ما يشاع في وسط الأوساط السياسية الصومالية، ولا نرهن مصيرنا بمصير دولة جارة مشغولة بمشاكلها الداخلية. الحكومة الاتحادية ليس لها دور في الاتفاقية الموقعة، ولا نسمح لها بالتدخل؛ لأنه شأن داخلي يخصنا نحن في المقام الأول.
* لماذا لم تحظ جمهوريتكم باعتراف من قبل المجتمع الدولي؟
- الاعتراف لا يأتي كهدية، إنها عملية تتطلب بذل الجهود والدبلوماسية المكثفة. العالم سيعترف بجمهورية أرض الصومال عاجلا أم آجلا، هي مسألة وقت سيحسمها عامل الزمن. حاليا لنا مكاتب في كل من كينيا وإثيوبيا ولندن وألمانيا، وهناك قنصليات تزاول نشاطها في هرجيسا (عاصمة أرض الصومال)، مثل القنصلية الإثيوبية والتركية، ومكتب للجالية اليمنية. مساعي الاعتراف جارية على قدم وساق، وهناك تحديات جمّة نواجها في الوقت الراهن حيال مساعي الاعتراف. يحدونا الأمل فيما يتعلق بالعلاقات مع الخارج، وزيارتي الحالية لكينيا تأتي في إطار تعزيز التعاون الدولي. التقيتُ أثناء وجودي في نيروبي مع العديد من السفارات الغربية والأفريقية؛ للتنسيق معها حول التعاون الدولي مع جمهورية أرض الصومال.
* ما أسباب انفصالكم عن الصومال؟
- كثيرا ما تردد وسائل الإعلام العالمية والمحلية بأن أرض الصومال انفصلت عن الكيان الوطني الجامع، وتصورنا أمام الرأي العام العالمي والمحلي وكأننا خونة باعوا القضية، وانسلخوا عن المبادئ، والواقع هو عكس ذلك. انخدعنا بالشعارات الجوفاء مثل: الصومال الكبير، ونضالات أبطال الصومال ضدّ قوى الاستعمار الأجنبية، ونشوة الوطنية والكراهية ضدّ الأجانب المستعمرين.. انجررنا وراء تلك الشعارات الوطنية التي كان ظاهرها رحمة وباطنها عذاب، وبين ليلة وضحاها تحوّل النظام الحاكم في الصومال إلى عدو يتربص بالأذى ضدّ شعب مناطق شمال الصومال، يزجّهم في السجون بالمئات، ويقصفهم بالطائرات. فكّ ارتباطنا كان عام 1988، لكن تمّت العملية بالفعل بعد انهيار نظام سياد بري. سنوات من المعاناة الاتحادية عاشها شعبنا، ولا نريد مرة أخرى أن نرتكب الخطأ التاريخي بالاتحاد مع المناطق الجنوبية.
* كما هو معلوم، سيشهد الصومال نهاية الشهر الجاري انتخابات رئاسية، هل أنتم طرف فيما يجري؟
- لسنا طرفا مشاركا فيما يجري في جنوب الصومال. لا ننكر أن هناك شخصيات تنحدر من شمال الصومال (أرض الصومال) تتولى مناصب سيادية في الحكومة الصومالية الفيدرالية بمختلف مستوياتها التنفيذية والتشريعية والقضائية، وكل مرافق الدولة، ولا يعني ذلك أنهم يمثلون شعب أرض الصومال، هم شخصيات تمثل نفسها، ولا تأثير لها فيما يجري داخليا في أرض الصومال.
* ما حقيقة ما دار في الأوساط الصومالية والعالمية حول علاقاتكم مع "إسرائيل"؟
- ليست لنا علاقة مع الكيان الصهيوني المغتصب، لا نؤمن بتطبيع علاقاتنا مع هذا الكيان الذي يقتل الأبرياء. سرت شائعة أيام حكم محمد إبراهيم عقال، مفادها أن هناك علاقة مع "إسرائيل"، لكنها لم تخرج عن كونها دعاية مغرضة تستهدف سمعتنا في المقام الأول، واتهامات لا أصل لها من الصحة. غايتنا واضحة، وهي الحصول على اعتراف من قبل المجتمع الدولي.