"تمّ رفض ملف لجوئك.. استعدَّ فإن عليك الرحيل".. هذه العبارة التي قوبل بها اللاجئ السوري عبدالرحمن وعائلته من قبل المحاكم الأوربية المعنية باتخاذ قرار منح الإقامة للاجئين السوريين والعراقيين الفارّين من ويلات الحرب.
وبهذه العبارة ذاتها؛ قوبلت أيضا مئات العوائل المتواجدة في البلدان الواقعة غرب قارة
أوروبا، كألمانيا والنمسا والسويد والنرويج.. وغيرها، بهدف ترحيلهم إلى بلدان أوروبا الشرقية الفقيرة، ككرواتيا وبلغاريا وهنغاريا.
وفُجع عبد الرحمن وعائلته برفض النمسا طلب لجوئه الذي قدمه منذ شهر أيلول/ سيبتمبر2015، بحجة أن كرواتيا أرسلت طلب استرداده تحت بند معاهدة "دبلن" التي تنص على ضرورة أن يقدم اللاجئ طلب لجوء في أول دولة أوروبية يصل إليها.
ويروي عبد الرحمن ما حصل معه لـ"عربي21" قائلا: "أنا مواطن سوري، هربت وزوجتي وأطفالي الأربعة من مدينة دير الزور بعد سيطرة تنظيم الدولة عليها، ووصلنا إلى أوروبا السنة الماضية بعدما قطعنا البحر والنهر، وتعرضنا لكل أنواع المصاعب، ودفعت كل ما أملك في سبيل الهجرة، بل وترتبت عليّ ديون بمقدار ثلاثة آلاف يورو".
وأضاف: "بصمتُ في كرواتيا خلال مروري فيها لساعات أثناء رحلتي إلى أوروبا في طريقي إلى النمسا، وهذا يعني أن المتطوعين لمساعدتنا كانوا قد سرقوا بصماتنا عندما قالوا لنا إن هذه فقط بصمة جنائية، لنكتشف فيما بعد أنها بصمة رسمية".
وبقي عبد الرحمن وعائلته في النمسا حتى 4 أيلول/ سبتمبر الماضي، حيث أتاه الرفض من قبل المحكمة النمساوية التي طلبت منه مغادرة البلاد، كما داهمت الشرطة مكان إقامته، ووضعته في الطائرة، وهو "الآن في أسوأ البلدان الأوروبية اقتصاديا، وهي كرواتيا" كما قال، مضيفا أنه "يقيم في مخيم لا يختلف عن مخيمات الزعتري في الأردن، وأطمة بتركيا".
وفي السياق ذاته؛ نظّم مئات الشبّان العرب والأفغان، ومتعاطفون أوربيون، في 14 و19 من الشهر الجاري، عدّة مظاهرات في ولايات مختلفة في ألمانيا، وفي العاصمة النمساوية فيينا، استنكروا فيها المداهمات التي تتم خلال الساعات الأولى من الفجر، وتستهدف الأشخاص والعائلات الذين قد وصلهم رفض اللجوء من المحاكم.
من جانبه، قال المحامي الألماني، شكر يبولوت، المختص بهذا الملف، إن "الكنائس هي المكان الوحيد لنجاة اللاجئ في هذه الحالة"، وقال: لـ"عربي21": "لديّ حاليا أكثر من 57 قضية في هذا المجال، والجميع يعلم أن القوانين ليست بجديدة على محاكم الاتحاد الأوروبي، رغم أنها غير عادلة، لا سيما أنه على اللاجئ الانتظار عاما ونصف العام دون مأوى أو دعم مادي وصحي".
وأضاف: "أنصح اللاجئ الذي حصل على الرفض تحت هذا الداعي (اتفاقية دبلن) أن يلجأ فورا إلى الكنائس، فهي المكان الوحيد الذي يرفع الترحيل عن اللاجئ مبدئيا، ومن ثم عليه الصبر حتى أن يقضي مدة 18 شهرا، فنحن لا نسطيع كمحامين أن نأتي له بالإقامة رسميا".
وأعرب لاجئون من العرب؛ عن عدم رغبتهم بالعودة إلى بلاد في أوروبا الشرقية التي لا توفر لهم أبسط حاجياتهم، ولا تهيئ لهم السكن والمساعدة المالية، مقارنة بأوروبا الغربية.
وتعود معاهدةُ "دبلن" الثالثة بين دول الاتحاد الأوربي إلى عام 2003، وتنص على أنّ "أي لاجئ أجنبي يدخل إلى الاتحاد بطريقة غير شرعية، تكون الدولة العضو المسؤولة عنه هي التي يسجل أو يدون فيها اللاجئ بصمته أولا، وإن كان بخطأ ارتكبه اللاجئ دون معرفة".
ولم تعمل ألمانيا العام الماضي بهذه المعاهدة بسبب تقارير عن معاملة الشرطة في دول أوروبا الشرقية؛ للاجئين، حيث يتعرضون للضرب ويجبرون على البصمة، لكن الحكومة الألمانية أعادت تنفيذ المعاهدة بعد شهر بسبب مخاوفها من الأعداد الهائلة التي أخذت تتدفق على ألمانيا .
ويضطر اللاجئ الذي لا يود العودة حيث بصم لأول مرة؛ للهرب بعيداً عن مكان سكنه ليتجنب المشاكل مع الشرطة في دول أوروبا الغربية، فـإمّا أن يقطن داخل إحدى الكنائس أو أن يعمل بطرق غير شرعية حتى تمضي سنة ونصف على تاريخ طلب الدولة المسؤولة عنه بالاسترداد، وبالتالي يبقى حيث هو.