كتب نائب رئيس تحرير صحيفة "الغارديان" سايمون تيسدال مقالا، يعلق فيه على قرار الرئيس الأمريكي باراك
أوباما، عدم استخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي، بشأن الاستيطان
الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن قرار أوباما جاء متأخرا، ولن يفعل الكثير لوقف الاستيطان، مشيرا إلى الطبيعة الشخصية في الرد الإسرائيلي، التي اتسمت بموقف رئيس الوزراء بنيامين
نتنياهو.
ويقول تيسدال إن "كلا من أوباما ونتنياهو يستحقان بعضهما، فقد وعد كلاهما بفعل أمور عظيمة، وكانا بارعين في مجالهما السياسي، ومع ذلك أسهما كل بطريقته في تدهور العلاقات الدبلوماسية بين بلديهما، وفي الاضطرابات في الشرق الأوسط بشكل عام".
ويضيف الكاتب أن عملية الاستقطاب والنفور وصلت ذروتها في الجمعة الماضية، عندما تم تمرير قرار مجلس الأمن، وبدعم من أوباما، الذي يدين الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويعده خرقا صارخا للقانون الدولي، ويهدد بحل الدولتين.
ويتابع تيسدال قائلا إن "الرد الإسرائيلي، الذي جاء وسط حديث عن الخيانة، ودفع به نتنياهو، كان حاسما وغاضبا، وتمت دعوة 14 سفيرا لدول دعمت القرار 2334 في مجلس الأمن لوزارة الخارجية الإسرائيلية في يوم عيد الميلاد، حيث تم عرضهم وتعنيفهم، وسحبت إسرائيل سفيريها من نيوزلندا والسنغال، وقطعت الدعم عن الأخيرة، وتم إلغاء التبادل الثنائي بين هذه البلدان، وتعليق التعاون المستقبلي مع مؤسسات الأمم المتحدة، بالإضافة إلى التعاون المدني مع السلطة الوطنية، وقال نتنياهو إنه سيفعل ما يستطيع حتى تخرج إسرائيل سالمة من هذا القرار المخجل".
ويجد الكاتب أن "كل ما صدر عن إسرائيل هي أفعال رمزية ردا على قرار رمزي؛ لأن قرار 2334 لا يمكن تطبيقه، ولن يقوم أي شخص، خاصة الأمريكيين، بإخراج 430 ألف مستوطن من الضفة الغربية، أو حتى 200 ألف ممن يعيشون في القدس الشرقية، بالإضافة إلى أن لا أحد يمكنه إجبار إسرائيل على تبني حل الدولتين، كما عبر عنه وزير الخارجية جون كيري، وينضم قرار 2334 إلى قراري (242) 1967 و(338) 1973، فكلها تتحدث عما يجب عمله، لكنها لا تقول كيف".
ويعلق تيسدال قائلا إن "قرار واشنطن الامتناع عن التصويت ليس مهما في النهاية، وما برز من رد لنتنياهو، وأن عليه الانتظار حتى يصل الرئيس المنتخب دونالد
ترامب إلى السلطة مضلل في حد ذاته، ومن المرجح أن يصل ترامب ويصغي له ويتعاطف معه، وربما نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، الأمر الذي سيكون خطوة مثيرة للاستفزاز، إلا أن العلاقة بين ترامب ونتنياهو ستكون مختلفة، وتتسم بعدم الشعور بالأمن والعدوانية وجنون العظمة، وهي صفات يشتركان بها، ولكن حديث ترامب الغامض عن كونه الرجل الذي سيحل الأزمة الإسرائيلية الفلسطينية ليس جوهريا، وقد يكون مثل وعوده الأخرى في السياسة الخارجية".
ويرى الكاتب أن "إدارة ترامب لن تكون قادرة على إلغاء قرار حظي بدعم الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن، وهي الصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا، بالطريقة ذاتها التي لا تستطيع فيها إلغاء الاتفاق النووي، الذي تم توقيعه العام الماضي مع إيران".
ويلفت تيسدال إلى تداعيات القرار، الذي قد يؤدي إلى تسريع عمليات تقديم إسرائيل للمحكمة الجنائية، بالإضافة إلى أن تفريقه بين أراضي إسرائيل والأراضي المحتلة قد يدفع نحو مقاطعة وعقوبات، مشيرا إلى أن "قرار مجلس الأمن أظهر مدى العزلة الذي وصلت إليها إسرائيل في ظل نتنياهو، فلم يكن قادرا على رفض الموقف الإجماعي لدول متعددة، مثل اليابان وأوكرانيا وماليزيا وفنزويلا وأنغولا وإسبانيا، ويحتاج نتنياهو الكثير ليستعدي دولة مثل فنزويلا، لكنه فعل هذا".
ويذكر الكاتب أن "نتنياهو أخبر العالم وبصوت واحد أن الاستيطان، الذي دعمه وشجعه، كان خطأ، من الناحية القانونية والأخلاقية والسياسية، وخطأ من ناحية أمن وسلام إسرائيل في المستقبل".
ويذهب تيسدال إلى أن "المشكلة أن نتنياهو يعرف هذا الأمر، ففي عام 2009، وبعد انتخابه بفترة، تحدث عن رؤيته لسلام تاريخي، (عن شعبين حرين، يعيشان جنبا إلى جنب في هذه الأرض الصغيرة، وبعلاقات جوار جيدة، واحترام متبادل، وكل لها علمها ونشيدها الوطني، دون أن يؤثر أي منهما في أمن جاره ووجوده)، ومع أنه بدا وكأنه يتراجع عن هذه الرؤية، إلا أنه في انتخابات العام الماضي قال إنه لا يزال يدعم حل الدولتين، أما الآن فرسالة المجتمع الدولي لا لبس فيها: كنت محقا عام 2009، وتوقف عن تقويض السلام، ولا تتخل عن وعدك".
وينوه الكاتب إلى أن "أوباما لم يكن مساعدا في هذا الشأن، فهو نفسه، ألقى عام 2009، خطابا كبيرا، بعد توليه المنصب بفترة قصيرة، ووعد ببداية جديدة للشرق الأوسط، لكن خطاب أوباما لم يكن مقدمة للتحول والتقدم، لكن لفك ارتباط الولايات المتحدة بالمنطقة، فانسحابها من العراق ترك فراغا في بغداد ملأته إيران وحلفاؤها الشيعة، وأدى أيضا إلى ظهور الجهاديين وتنظيم الدولة، وفاجأ الربيع العربي عام 2011 واشنطن، التي ارتبكت حول كيفية التعامل مع مصر، لكنها رحبت في النهاية بالإطاحة بالرئيس حسني مبارك، الذي استبدل بديكتاتور جديد موال للولايات المتحدة، وفي سوريا توقعت أمريكا متعجلة نهاية رئيس النظام السوري بشار الأسد، لتتراجع عندما أصبحت الحرب معقدة، وتركت روسيا وإيران (مرة أخرى) لملء الفراغ، وتخلت عن نفوذها".
ويرى تيسدال أن "أوباما لم يكن يفهم منطق إجبار نتنياهو المتهور، في وقت كانت فيه جارات إسرائيل تعيش حروبا أهلية وثورات، وفي الوقت الذي تراجعت فيه الولايات المتحدة عمليا ودبلوماسيا قوي حزب الله، ولهذا السبب فشلت خطة أوباما-كيري الشاملة للسلام عام 2014، في ظل هذا الوضع الفوضوي، وإذا أضفنا ليبيا واليمن إلى هذا كله، فلن يكون إرث أوباما في الشرق الأوسط مدعاة للفخر".
ويفيد الكاتب بأن "وعد أوباما عام 2009 ظل دون تحقيق، ولم يدفع الرئيس بالقدر الكافي لتحقيق السلام عندما كانت ظروف المنطقة مواتية لذلك، ففي عام 2011 صوت أوباما ضد قرار مماثل، حيث أكد ان العملية السلمية، التي ترعاها الولايات المتحدة، ستدفع بالسلام قدما، وسمح أوباما لنتنياهو في العلاقة العاجزة للأخير بأنه يحبط جهوده، خاصة في خطابه أمام الكونغرس عام 2015، وحتى موقفه في الأمم المتحدة كان مترددا، فلو كان أوباما يعتقد أن
المستوطنات تمثل عقبة أمام السلام، فلماذا امتنع عن التصويت إذا؟ ولماذا لم يذهب بعيدا ويشجبها؟ ولماذا انتظر سبع سنوات؟".
ويخلص تيسدال إلى القول إن "ما سيحدث في عهد ترامب مدعاة للقلق: استمرار لانسداد الأفق حول مستقبل الدولة الفلسطينية، واستمرار في الاستيطان، وربما ضم أراض، كما يدعو حلفاء نتنياهو من اليمين المتطرف، فكم سننتظر من الوقت حتى يندلع رد فعل عنيف من الجانب الفلسطيني؟ وكم من الوقت سيحتاج نتنياهو ليقنع ترامب المندفع بضرب إيران؟".