شهدت
السياسة الخارجية للانقلاب العسكري بمصر، خلال 2016، مواقف مغايرة للإجماع العربي في بعض الملفات، مما أدى إلى حالة من الخصام والقطيعة والتوتر مع دول عربية وأفريقية، وتقارب مع دول أخرى.
الملف الفلسطيني
ووجهت سلطات الانقلاب عدة صدمات للأوساط الفلسطينية؛ كان آخرها في 22 كانون الأول/ ديسمبر الحالي، حين طلبت تأجيل التصويت في مجلس الأمن على ملف الاستيطان الإسرائيلي بالأراضي الفلسطينية المحتلة، استجابة لطلبات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب.
وفي "ضربة" للدبلوماسية
المصرية؛ تبنت نيوزلندا وماليزيا وفنلندا والسنغال الملف، وأدان مجلس الأمن سياسات "إسرائيل" الاستيطانية.
وفي 22 آب/ أغسطس؛ رفض وزير خارجية الانقلاب سامح شكري، وصف العمليات العسكرية التي تقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الأطفال الفلسطينيين بأنها عمليات إرهابية.
وكان شكري قد وصل إلى "إسرائيل" في 11 تموز/ يوليو، في زيارة هي الأولى لمسؤول مصري رفيع المستوى منذ زيارة الوزير الأسبق أحمد أبو الغيط عام 2007.
وتوجت علاقات سلطتي الانقلاب والاحتلال بإعادة فتح السفارة الإسرائيلية بالقاهرة في 10 أيلول/ سبتمبر، بعد إغلاقها لأكثر من أربع سنوات، وتعيين حازم خيرت سفيرا لمصر في "إسرائيل" في 3 كانون الثاني/ يناير، بعد سحب الرئيس مرسي للسفير عاطف سالم في أيلول/ سبتمبر 2012.
وعلى صعيد العلاقات الرسمية بين القاهرة ورام الله؛ فقد شهدت توترا بين رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، ورئيس الانقلاب في، عبد الفتاح السيسي، بسبب القيادي المفصول من حركة فتح، محمد دحلان، المدعوم من السيسي.
وحسبما نشر موقع "واللا" الإسرائيلي، في 11 كانون الأول/ ديسمبر، فإن مصادر أمنية إسرائيلية أكدت أن القاهرة تتخذ إجراءات عقابية ضد عباس، وأن السيسي سمح لدحلان بعقد وتنظيم فعاليات سياسية بمصر، للإضرار بمكانة عباس داخل فتح، وفي الساحة الفلسطينية بشكل عام.
وواصلت سلطات الانقلاب في 2016، سياسة غلق معبر رفح، المنفذ البري الوحيد لقطاع غزة على العالم، وأعلنت وزارة الداخلية في غزة، 13 كانون الأول/ ديسمبر، أن مصر أغلقت المعبر 312 يوما، في 2016 وفتحه 35 يوما فقط.
كما واصلت القاهرة سياستها المتبعة منذ الانقلاب العسكري في منتصف 2013، بهدم أنفاق غزة بحجة منع تهريب الأسلحة، حتى أن وزير البنى التحتية والطاقة الإسرائيلي يوفال شطاينتس أكد في 6 شباط/ فبراير، أن نظام السيسي قام بتدمير الأنفاق على الحدود المصرية مع قطاع غزة؛ بناء على طلب إسرائيل.
قطيعة السعودية
وعلى الرغم من دعم السعودية لانقلاب السيسي على الرئيس الشرعي محمد مرسي، وتقديم الدعم المالي والوقود للانقلاب على مدار أربع سنوات؛ إلا أن سياسة السيسي الخارجية أغضبت المملكة، وخصوصا في ما يتعلق بملفي سوريا واليمن.
ففي 8 تشرين الأول/ أكتوبر؛ تفجرت أزمة مصرية سعودية إثر تصويت مندوب سلطة الانقلاب بمجلس الأمن لصالح مشروع قرار روسي حول سوريا، وهو ما دفع السعودية لانتقاد القاهرة على لسان السفير السعودي لدى الأمم المتحدة، والذي اعتبر التصويت المصري خروجا عن الإجماع العربي في الملف السوري.
وردت السعودية بإعلان شركة أرامكو النفطية وقف إمدادات الوقود لمصر، تبعته حملة إعلامية لأذرع الانقلاب؛ قللت من دور المملكة، وادعت عدم حاجة القاهرة لنفط الرياض.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر؛ كشف مصدر عسكري يمني رفيع، في تصريحات إعلامية، عن امتلاك الحوثيين زوارق حربية متطورة وصلت إليهم من مصر، وأن القاهرة فتحت لمليشيات الحوثي المدعومة من إيران في مواجهة السعودية؛ قنوات تواصل مع الاستخبارات المصرية.
وفي كانون الأول/ ديسمبر؛ كشفت مصادر رسمية مصرية النقاب عن أن الرئيس اليمني المخلوع المناهض للسعودية، علي عبد الله صالح؛ زار القاهرة سرا، مما زاد من توتر العلاقات بين نظام الانقلاب والسعودية.
خصام المغرب
وشهدت العلاقات المصرية المغربية خلال 2016 عدة مواقف أدت إلى حالة خصام بين البلدين.
ففي 14 تشرين الأول/ أكتوبر؛ استقبلت سلطات الانقلاب وفدا من جبهة "البوليساريو" المناهض للمغرب؛ للمشاركة في المؤتمر البرلماني العربي الأفريقي بمدينة شرم الشيخ، مما أثار انزعاج الرباط من القاهرة التي رفضت توقيع طلب مغربي بتعليق مشاركة البوليساريو في هياكل الاتحاد الأفريقي.
وفي 23 تشرين الثاني/ نوفمبر؛ أغضب السيسي دولة المغرب بمشاركته في القمة العربية الأفريقية بغينيا الاستوائية، رغم أن السعودية والإمارات والبحرين انسحبت منها تضامنا مع الرباط، ورفضا لمشاركة وفد جبهة البوليساريو التي تطالب باستقلال الصحراء الغربية عن المغرب.
توتر مع إثيوبيا
وعلى الرغم من توقيع قائد الانقلاب على اتفاقية مياه النيل مع إثيوبيا والسودان في 23 آذار/ مارس 2015، إلا أن علاقات القاهرة وأديس أبابا توترت في 2016.
ففي 10 تشرين الأول/ أكتوبر؛ وجهت إثيوبيا اتهامات رسمية لسلطات الانقلاب بدعم مجموعات قامت بموجة من الاحتجاجات والعنف في أديس أبابا، وأكدت الحكومة الإثيوبية أن "لديها أدلة واضحة تثبت تقديم مصر كافة أشكال الدعم المالي والتدريب للعناصر الإرهابية لنسف استقرار البلاد"، واستدعت أديس أبابا السفير المصري لديها، وعلى الفور نفت سلطات الانقلاب تلك الاتهامات.
تقارب مع روسيا
ورغم تراجع علاقات القاهرة وموسكو إثر تحطم الطائرة الروسية فوق سيناء في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2015؛ إلا أن عام 2016 شهد تقاربا كبيرا بين سلطات الانقلاب وروسيا.
وفي 10 تشرين الأول/ أكتوبر؛ أشارت صحيفة "أزفيستيا" الروسية، نقلا عن مصدر في الخارجية الروسية، ومقرب من وزارة الدفاع الروسية، إلى وجود محادثات مع سلطات الانقلاب حول استئجار قاعدة جوية في مدينة سيدي براني شمال غرب مصر، بالقرب من منطقة الضبعة التي سيتم إنشاء المفاعل النووي المصري بها.
وكان الاتحاد السوفييتي يمتلك قاعدة بحرية في مدينة سيدي براني حتى عام 1972، حيث غادرت القوات السوفييتية هذه القاعدة في عهد الرئيس الراحل أنور السادات.
وزار السيسي روسيا أربع مرات، منها ثلاث مرات بعد توليه السلطة، وفي المقابل زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ القاهرة في شباط/ فبراير 2015.
التوتر مع قطر
وسيطر التوتر المستمر منذ الانقلاب في مصر؛ على العلاقات المصرية القطرية خلال 2016، وبرغم أن بداية العام شهدت أحاديث عن تقارب بين القاهرة والدوحة في ظل حلف سعودي، إلا أن العلاقات عادت للتوتر بعد الحكم بالمؤبد على الرئيس محمد مرسي في القضية المعروفة إعلاميا بـ"التخابر مع قطر"، في 18 حزيران/ يونيو، حيث استنكرت الدوحة الزج باسمها في القضية.
وزاد تأزم العلاقات؛ إثر بث قناة الجزيرة فيلم "العساكر.. حكايات التجنيد الإجباري في مصر"، في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر، الذي تبعته حملات شرسة من أذرع الانقلاب الإعلامية بحق قطر وقناة الجزيرة.
ولم يكد 2016 ينتهي إلا بتوجيه القاهرة اتهاما جديدا للدوحة، حيث اتهمت وزارة الداخلية المصرية قادة جماعة الإخوان المسلمين المقيمين في قطر؛ بتدريب وتمويل بالمتهمين بالتفجير الذي استهدف الكنيسة البطرسية بالقاهرة في 11 كانون الأول/ديسمبر، والذي أوقع 25 قتيلا، مع اتهام الدوحة بمحاولة "إثارة أزمة طائفية واسعة" في البلاد، وهو ما دفع الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي لإصدار بيان تدين فيه هذا الاتهام لقطر وتنتقد الزج باسم قطر في هذه القضية، لترد الخارجية المصرية بالتعبير عن "الأسف" تجاه هذا البيان الذي قالت إنه لا يعكس "قراءة دقيقة للموقف المصري".
العلاقات مع تركيا
بدأ 2016، وسط تساؤلات عن احتمال ذهاب السيسي إلى تركيا في 14 نيسان/ أبريل، لتسليم رئاسة منظمة المؤتمر الإسلامي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلا أن وزير الخارجية المصري سامح شكري هو من قام بتسليم رئاسة القِمة لوزير الخارجية التركي مولود جاويش، وقد تجنب أردوغان مصافحة الوزير المصري في القمة، فيما غادر وفد مصر المؤتمر بمجرد انتهاء كلمة شكري في الجلسة الافتتاحية.
وأخذت العلاقات منحى جديدا في حزيران/ يونيو، عندما صرح رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم؛ بأنه لا مانع من تطوير العلاقات الاقتصادية بين تركيا ومصر، وهو ما تُوج بلقاء على هامش قمة عدم الانحياز في فنزويلا، جمع سامح شكري، ومولود جاويش أوغلو، في 17 أيلول/ سبتمبر.
ورغم لقاء شكري وأوغلو، إلا أن التقارب المصري التركي الخجول كان قد قطعه توتر جديد في العلاقات في أعقاب فشل الانقلاب الذي شهدته تركيا الجمعة 15 تموز/ يوليو، وبخاصة إثر وقوف القاهرة في وجه صدور قرار من مجلس الأمن الدولي ضد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا.
وتتهم سلطات الانقلاب بمصر؛ تركيا بإيواء ودعم قادة جماعة الإخوان المسلمين ومناهضي انقلاب السيسي، وتطالب بوقف بث فضائيات المعارضة في اسطنبول، بينما أشارت تقارير صحفية إلى دعم السيسي جماعة فتح الله غولن، وحزب العمال الكردستاني الذي تتهمه أنقرة بارتكاب عمليات إرهابية بتركيا. ونشرت صحيفة "ديلي نيوز" تقريرا استخباراتيا عن استقبال وفد من حزب العمال الكردستاني في القاهرة ثلاث مرات في 2016 كان آخرها في نيسان/ أبريل.
تقارب مصري إيراني
وإثر الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب منتصف 2015، بدأ تشكيل الحلف الإيراني الروسي بالمنطقة والذي ظهر تقارب السيسي معه في الملف السوري، ما فتح باب التقارب بين القاهرة وطهران، وهو ما أكده لقاء وُصف بـ"التاريخي"، جمع سامح شكري بنظيره الإيراني محمد جواد ظريف، في نيويوك، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، في أيلول/ سبتمبر.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر، أصر ظريف على مشاركة مصر في مؤتمر لوزان حول سوريا، بجانب ست دول أخرى.
وإثر وقف الإمدادات النفطية من شركة "أرامكو" السعودية، في تشرين الأول/ أكتوبر، مع توتر العلاقات المصرية السعودية، زادت التكهنات نحو توجه سلطات الانقلاب إلى طهران لاستقدام شحنات نفطية بدلا من السعودية.
وتحدثت وكالة فارس الإيرانية عن عرض فيلم يمجد قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، باسم "البودي غارد"، في عشر دور سينما بمصر، في تشرين الأول/ أكتوبر، كما عُرضت صورة ضخمة للمرشد الإيراني آية الله خامنئي على لوحات إعلانية بالقاهرة في ذات الشهر، ما أثار غضبا خليجيا.