وصفت صحيفة "الغارديان" في افتتاحيتها التحرك الذي قامت به الإدارة الأمريكية في الساعات الأخيرة، في موضوع النزاع
الإسرائيلي الفلسطيني، بأنه يحمل علامات اليأس، ومع ذلك فهو يستحق تحليل وتقييم ميزاته.
وتشير الافتتاحية، التي ترجمتها "
عربي21"، إلى موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو ورموز الحركة الاستيطانية من خطاب وزير الخارجية الأمريكي جون
كيري، الذي رفضوه، وعدوه عدوانيا تجاه إسرائيل، لافتة إلى أنه الموقف ذاته الذي أبدوه من قرار مجلس الأمن الدولي الذي أدان الاستيطان في الضفة الغربية، وطالب إسرائيل بوقفه باعتباره معوقا للسلام.
وتقول الصحيفة إن "هذا الأمر غير عادل، صحيح أن هناك من هم معادون للمستوطنين والاحتلال في الخارج، وكما في خطاب كيري يوم الأربعاء عداء لنتنياهو، لكنه داعم لإسرائيل، فكما لاحظ وزير الخارجية كيري، فإن نمو المستوطنات يؤثر في منظور حل الدولتين، الذي يعد الطريقة الوحيدة للدفاع عن إسرائيل".
وتلفت الافتتاحية إلى أن "خطاب كيري، الذي هاجم أيضا القيادة الفلسطينية، يعد الأكثر وضوحا في نقده لإسرائيل الذي يقوم به مسؤول بارز في إدارة أمريكية منذ سنوات عدة، وهذا لا يعني تحولا في موقف الإدارة الحالية عن الموقف المعلن، فهو على خلاف أسلافه من الرؤساء الأمريكيين، تردد في السماح بصدور قرارات ناقدة لإسرائيل في مجلس الأمن، وتعهد بـ 38 مليار دولار مساعدات عسكرية على مدار 10 أعوام، لكنه يعكس التحول في الائتلاف الإسرائيلي، الذي وصفه كيري بأنه (الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل)".
وتورد الصحيفة أن "كيري قال إن الوقت قد حان للوقوف مع ما هو حق وعادل ومع المبادئ العقلانية للمفاوضات، التي رسمها في آذار/ مارس 2014، وكان يعتقد بضرورة تقديم المبادئ بشكل رسمي، والتفاوض عليها، وكان راغبا في إلقاء خطابه منذ عام، ولو فعل لكان أكثر صراحة وجرأة؛ لأن تصريحات تصدر عن إدارة في طريقها للخروج من السلطة لا تحمل الوزن ذاته عندما تكون في مركز صناعة القرار".
وتستدرك الافتتاحية بأنه "مع ذلك، تظل هذه التصريحات مهمة في ظل تغير الوضع على الأرض وتوسيع المستوطنات، حيث إن التزام كيري بالسلام وصناعته يمكن قياسه بالرحلات الجوية والأميال التي قطعها، والساعات التي قضاها في لقاء الأطراف المتنازعة، لكن الإدارة كانت مترددة في هذا المجال، وركزت على الملف النووي، بصفته أولوية، وكانت تخشى من الضرر الذي قد يتسبب به نتنياهو لها داخل الولايات المتحدة، بالإضافة إلى أن الحكومة الأمريكية اهتمت بمتابعة تداعيات الربيع العربي، الذي أخذ الكثير من وقتها، خاصة سوريا، التي لم يعط اتفاق وقف إطلاق النار يوم الخميس فيها إلا أملا قليلا في تسوية دائمة".
وتفيد الصحيفة بأنه "في الوقت ذاته، فإن نتنياهو لم يعط إلا كلاما لحل الدولتين، الذي تدعمه الولايات المتحدة، وطموح نتنياهو كئيب، على خلاف سلفه بن غويورن، الذي يعد من أطول رؤساء الوزراء خدمة، الذي حاول تسوية حدود إسرائيل، وربما ارتبط رد فعل نتنياهو الغاضب بالتحقيق الجنائي الذي يواجهه في إسرائيل، وفي الوقت ذاته وعد رئيس السلطة الفلسطينية بالرد على مقترحات عام 2014، لكنه لم يفعل ذلك أبدا".
وتنوه الافتتاحية إلى رد مبعوث الشؤون الخارجية لمجلس "يشع"، الذي يمثل المستوطنات، ومؤسس "إلكترونيك انتفاضة"، على خطاب كيري، حيث وصفاه بأنه تأبين لحل الدولتين، لافتة إلى أن الاستطلاعات تظهر أن غالبية ضئيلة من الفلسطينيين والإسرائيليين لا تزال تدعم حل الدولتين، فهناك عدد متزايد يرى أن تحقيقه لم يعد ممكنا.
وتشير الصحيفة إلى رد الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد
ترامب، الذي دعا في تغريدة له، إسرائيل للصمود حتى 20 كانون الثاني/ يناير، وذلك بعد خطاب كيري بقليل، منوهة إلى أن ترامب وعد بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ورشح سفيرا معروفا بتأييده للمستوطنين وضم الضفة الغربية، بالإضافة إلى أن الشخصية التي اختارها ترامب لمنصب وزير خارجيته، وهو ريكس تيلرسون، ليس لديه سجل بمعرفة القضية، وله علاقة بالدول المنتجة للنفط في الخليج وروسيا.
وتورد الافتتاحية أن "الرئيس المنتخب يتعامل مع صفقة سلام في المنطقة باعتبارها (أم الصفقات جميعها)، وسيشعر بالنشوة لو حقق انتصارا بهذا الاتجاه، مع أن العملية السلمية العبثية تحتاج إلى أشهر من الصبر والتصميم، ولا يتمتع ترامب بأي من هاتين الصفتين، فتاريخه السياسي قائم على التخريب لا التصالح".
وتختم "الغارديان" افتتاحيتها بالقول إن "خطاب كيري أفضل من لا شيء، وأثره الرمزي أفضل من العدم، وعلى المجتمع الدولي أن يعيد تأكيد التزامه بحل الدولتين عندما سيلتقي وزراء خارجية 70 دولة في مؤتمر للسلام في العاصمة باريس، في 15 كانون الثاني/ يناير، ولا يملك أحد خطة واضحة أو يتوقع إحياء العملية السلمية، وكل ما يريدون عمله هو منع تدهور الوضع للأسوأ، فمن المهم القيام بعملية إنقاذ في مرحلة ما بعد ترامب".