على رغم الحروب والتحالفات التي تشن من الشرق والغرب للقضاء على «داعش»، إلا أنها تزداد توحشا وتغيّرا في استراتيجياتها الإرهابية، كما أننا نجدها في الفترة الأخيرة تستهدف المدنيين في بعض الدول الغربية، مثل حادثة الدهس في فرنسا، إلى حادثة الدهس الإجرامية في مدينة برلين في ألمانيا، وكلنا نعرف أن ألمانيا من أقل الدول مشاركة في التحالف الدولي لمحاربة «داعش»، ومن أكثر الدول الغربية استقبالا للاجئين المسلمين والعرب الذين شردتهم الحروب في منطقة الشرق الأوسط.
مثل هذا التوجه لا يخدم سوى المنادين بالصراع بين الحضارات، و«داعش» أداة في ذلك، قد لا أكون مبالغا إن قلت إن الحركة الشعوبية التي تجتاح الغرب الآن ووصول الأحزاب اليمينية هو نتاج لما تقوم به «داعش» من تفجير وقتل في المدن الغربية.
في المقابل كل من يتابع أعمال «داعش» في العالم العربي يجد أنها تركّز في هجماتها على الوتر المذهبي والطائفي، وكأنها تعمل بالتوازي وتمهد لتمزيق الدول العربية إلى دويلات صغيرة وضعيفة على أساس مذهبي وعرقي، وهي تعمل على هذا الأساس ولا نجد معلومات موثقة حتى الآن أن توجهات «داعش» تلتقي بما نقرأ عنه من مخططات لشرق أوسط جديد، ولكن المتابع لا يمكن أن يربط بين النتائج التي تسعى إليها «داعش» والقوى الدولية في هذا الصدد. وللأسف أننا في العالم العربي والإسلامي الضحية لهذه المخططات الخطرة وكأننا لم نتغير منذ «سايكس بيكو» في بداية القرن الماضي.
ويبدو أن هذه القوى الشريرة على دراية كاملة أكثر من الحكومات عن «الوتر» الذي يمكن اللعب عليه لتمزيق مجتمعاتنا، ألا وهو المكون الديني والعرقي المتجذر في ثقافة المنطقة في ظروف عربية وإسلامية لم تعمل على تطوير وتجديد الخطاب الديني وتأصيل مفهوم دولة المواطنة في دولنا، فالتطرف والحروب الطائفية هي بوابة التمزيق في الحال التي نعيشها الآن، وأدواتها هي «داعش» وما سيعقبها من نسخ تكون أكثر وحشية، والتي قد تتطلبها مرحلة استحقاق النتائج من تطبيق لعصر الدويلات في منطقتنا، وللأسف إن «داعش» تلعب على وتر الدفاع عن المكون السني وما يجري له من مذابح وتصفيات للمكون العربي في بعض الدول العربية، كما حدث في المجازر التي ارتكبها النظام السوري في حلب ضد سكانها المدنيين وانبرت «داعش» في هذا الجو المحموم والمحتقن للدفاع عن المدنيين في المدن السورية والعراقية.
من يتابع الإعلام في الفترة الماضية لا يمكن أن يصدق هذه الأكذوبة، فالمناطق التي كانت تحت سيطرة «داعش» كانت تحكم بنظام دموي لا يحترم الإنسان الذي يدعي الدفاع عنه، فكيف بالمكونات الاجتماعية المختلفة عنه مذهبيا وعرقيا، ولا أبالغ إذا قلت إن «داعش» لا تختلف كثيرا عن مفهوم المافيات العالمية، فهي تخدم عرّابها الذي يمدها بالمال والسلاح، وهذه المافيا للأسف تستتر بغطاء وأيديولوجية دينية مكشوفة في مخطط ذكي لخلط الأوراق وتوريط بعض دولنا وجعلها في موقف الدفاع والتردد والخوف، بسبب الربط بين شكلها الديني وبين أيديولوجيا «داعش» القريب منها شكلا المختلف عنها تطبيقا وفهما.
نلحظ الآن أن «داعش» تنشط بعد كل تطورات على المسرح السوري، ومنها حادثة الدهس في برلين، وقد يكون قاتل السفير الروسي في تركيا متأثرا بخطابها الكاذب، وحادثة التفجير التي استهدفت كنيسة في مصر، وحوادث الإرهاب التي تتعرض لها الأردن وكأنها هي من يدافع عن أهل حلب، وللأسف أن الكثير في منطقتنا ينساق خلفها في ظروف المجازر التي يتعرض لها المدنيين في سورية، وفي الوقت نفسه تعمل على تأزيم العلاقات الروسية - التركية، لأننا يبدو على وشك استحقاقات سياسية تقودها روسيا، خصوصا بالملف السوري، ويبدو أن النظام السوري مستفيد كذلك من هذه الهجمات الداعشية في الغرب والشرق، حتى يؤكد للعالم أنه نظام يحارب الإرهاب الذي تقوده «داعش» كما يدعي، ولمسنا في تسريبات من موسكو أخيرا أن الهدف من حل تسوية الأزمة السورية ليس تغيير نظام الأسد، بل محاربة الإرهاب هناك.
1
شارك
التعليقات (1)
علي أسود
الثلاثاء، 03-01-201710:50 م
يا سعادة الكاتب
ممكن تعطينا حادثة في تاريخنا المعاصر فيه رد بعشر المثل لاعتداء أجنبي على العرب أو المسلمين