المحقق: انت ايلي زورتها، وتم ضبط جهاز الكومبيوتر والطابعة وألواح الطباعة في شقتك النهار ده وأقرت زوجتك بكده.
الضابط نبيل: انت ازاي تتهمني بكده؟ انت اتجننت؟
المحقق: انت ايلي اتجننت.. انت قدام النيابة، يعني تحترم نفسك وتكلم كويس. بتتعنطز على ايه؟ مش كفاية أنك اعترفت أن الفلوس ده بتاعتك. كل الأدلة ثابتة عليك. طب ايه رأيك أنه مفيش شركة كومبيوتر بالاسم ده ولا في العنوان ايلي قلت عليه.. انت لازم تقول لنا جبت معدات التزوير ده منين. بلاش.. لو مكنتش انت ايلي زورت تقدر تقول لي جبت الفلوس منين؟ انت عارف من ساعة ما اتقبض عليك فيه كم بلاغ أتقدم ضدك؟ واضح أن حبايبك كثير. لازم تعرف ان زمايلنا في الداخلية حاطين عينيهم عليك من زمان.. من أيام حادثة الجراج.. قررنا حبس المتهم 21 يوم على ذمة التحقيق.
في الحجز يتحدث الضابط نبيل في الهاتف.
الضابط نبيل: انتم مش حاسين بايلي أنا فيه. دول مسلطين عليا المساجين علشان يذلوني. سليم.. أنا لو وقعت مش ح أوقع لوحدي.
سليم المحامي: متقلقش يا نبيل.. احنا أبدا مبننساش رجالتنا.. حأطلعك منها في الاستئناف.
والنتيجة جسد الضابط نبيل في زنزانة حبس انفرادي متدلية من نافذة الغرفة بحبل أشبه بالكوفية أو الكرفاطة ورجلية بعيدتين على الأرض بما يقارب الأربعين سنتمترا كما حددها أحمد موسى بالضبط في برنامجه (على مسؤوليتي) وهو يقدم الرواية الرسمية ل"انتحار" المستشار وائل شلبي. والمشاهد من فيلم واحد من الناس – 2006 للمخرج أحمد نادر جلال.
في ظرف أقل من أسبوع تمكنت سلطات الانقلاب من "نحر" واحد من أكثر أبواقه الدعائية تأثيرا ممثلا في إبراهيم عيسى وبرنامجه على فضائية رجل الإعلان طارق نور. وقبل أن يجف "دم" إبراهيم سقط نجيب ساويرس، إمبراطور الإعلام والاتصال ومتعهد الأحزاب المؤيدة لانقلاب الثالث من يوليو، صريعا لإعادة "ترتيب" البيت الانقلابي، قبل أن تصل يد "الغدر" إلى الأمين العام لمجلس الدولة في وقت ينظر فيه المجلس في قضية جزيرتي "تيران وصنافير" الذي قيل إنه وضع حدا لحياته على طريقة الضابط نبيل الدسوقي معلقا بكوفية أو كرافاتة بعد أن اتصل بعائلته قبلها بلحظات ربما شاكيا وضعه أو مهددا بأنه لن يقبل التضحية به كبش فداء.
لم تعد أبواق الدعاية والإعلام ولا "رموز" الاستثمار والقضاء منتمية لصف "الفئات الآمنة" في عهد الانقلاب حيث لا صوت يعلو على صوت العسكر وتحليلات طبيب الفلاسفة التي قالها يوما بكل حزم "اسمعوني أنا ولا أحد غيري". هكذا لن ينفع في قضية "نحر" أو "انتحار" المستشار وائل شلبي صراخ شقيقه في وجه الصحفيين " أخويا مشنقش نفسه.. ده مات لسبب تاني.. أخويا كان كويس...". ستتضارب الروايات وتكثر التفسيرات لحادثة "الانتحار" من الاستعانة بالقانونيين أو الأطباء النفسيين وربما تسريب بعض المقاطع من التحقيقات وغيرها من أساليب التضليل المعتادة. لكن لا أحد سيصدق أن الرجل "انتحر" ولو كان فعلا كذلك.
بعد الهجوم على سوق عيد الميلاد ببرلين قبل أيام، انتهى المطاف بالمتهم الرئيسي في العملية مقتولا بميلانو الإيطالية. وبالرغم من بعض علامات الاستفهام المتعلقة بتمكن المطارد الأول بأوربا من اجتياز الحدود الأوربية دون مساءلة، فقد صدق الجميع الرواية وانتهى المطاف بأنس العامري حاملا وزر ما وقع ببرلين. قبله قضى اللاجئ السوري جابر البكر نحبه وهو محتجز لدى الأجهزة الأمنية الألمانية على خلفية الاشتباه في التخطيط لهجوم على مطار برلين. وبالرغم من أنه كان تحت الرقابة على مدار الساعة، فقد تمكن من "الانتحار". انتهت القصة هنا ولم يشكك أحد في الرواية الرسمية مرة أخرى.
ذاك كان في دولة مؤسسات ديمقراطية يمكن للمواطن أن يثق فيها بالرواية الرسمية دون خوف من أن تطالها أدوات الدجل والنصب. فهناك يدري الساسة وبقية المسؤولون أن حبل الكذب قصير وأن فاتورته عند التجديد الانتخابي كارثية لا محالة. أما في جمهوريات الموز والعصا الغليظة وتكميم الأفواه فالشعار: إن نفوا فاعلم أنهم أكدوا. لا ثقة في "المؤسسات" ولا في الدولة وأجهزتها لأن في التاريخ علامات وسير للذكرى والاعتبار. كما أن كثيرا من القصص إما انتهت ب"الانتحار" فدفنت معها علب الأسرار، أو بالزج بأبرياء اعتبروا السجن فرصة للربح المادي السريع في انتظار انتهاء المحكومية أو على الأقل تأمينا لمعيش الأهل ولو كان المقابل حكما بالمؤبد أو تحويلا لأوراق القضايا للمفتي. وتلك كانت قصة العسكري سليمان في نفس الفيلم المعنون (واحد من الناس). المفارقة أن من دفعه للاعتراف على نفسه في قضية قتل كان "بطلها" ابن أحد الأثرياء كان الضابط نبيل الدسوقي.
واحد من الناس...
محمود: ايه ايلي بتقوله سعاتك ده يا باشا؟
الضابط نبيل: ايلي سمعته. تحب اعيده لك تاني؟
محمود: ايوه يا باشا.. بس ده محصلش.
الضابط نبيل: محدش يعرف أنه محصلش غيرنا.
محمود: يعني ساعدتك عايز تشيلها لي أنا؟
الضابط نبيل: عيب يا محمود.. ده أنا معجب بيك، وحتى لو فكرت أني اعمل كده فأنا متأكد أنك مش حتوافق.
محمود: انت عايز مني ايه يا باشا؟
الضابط نبيل: تكمل بطولتك.. انت أنقذت وحدة من القتل.. طبعا مش حتجيب سيرتها بس انت أنقذتها. برافو عليك.. وكمان حاولت تنقذ المجني عليه بس أمر الله نفذ. المهم دلوقتي ما نأذيش ناس ثانية.
محمود: ناس ثانية؟
الضابط نبيل: يعني لا نأذيك ولا نأذي مروان بيه.
وفي غرفة الحجز تتكشف خيوط المؤامرة.
العسكري سليمان: محدش ضغط عليا يا محمود.. أنا غلط ولازم أتحمل غلطتي.. غلطت لما سيبت مكان خدمتي وجيت علشان أجيب لصاحبي شاي.. لما دخلت لقيت صاحبي واقف مع المرحوم ايلي كان في يده مسدس.. صرخت فيه يرمي السلاح مسمعنيش.. كان سكران.. مكنتش أعرف أنه كان بيتخانق مع الباشا الثاني.. أنا كنت بأدي واجبي..
محمود: ليه يا سليمان؟
سليمان: علشان أهلي يا محمود.. أبوس يدك متضيعش الفرصة.. أنا مصدقت جات لي..
محمود: عاوزني أكذب ووديك في داهية وأدي ايلي قتل براءة.
سليمان: انت مكبرها ليه عاد.. هما ناس ولاد كلب في قلب بعضيهم.. احنا مالنا؟ وبعدين تفتكر الحكاية حتوقف علي وعليك.. حيخلصوها من غيرنا ومش بعيد تلبسك انت..
محمود: يعني ايه يا سليمان؟
سليمان: يعني نعمل ايلي يقول عليه الباشا. انت أولى بالفلوس تأمن مستقبل ابنك وأنا السجن أحسن لي من وجع القلب ايلي أنا فيه. أعالج أمي وكلها تلت أربع سنين وأخرج اشتري لي كم قيراط حأزرعهم وأعيش ملك.. ده فرصة عمرنا يا محمود.. أبوس رجليك متضيعهاش علينا.
ماتت والدة العسكري ولم تتحمل أن يسجن ابنها فقرر الأخير تغيير أقواله. وكان لابد من التخلص منه بنفس الطريقة التي انتهت بها حياة نبيل الدسوقي.
سليمان: انت واخذني فين يا باشا؟ هو فيه نيابة بالليل؟
يرمي به في زنزانة انفرادية بعيدا عن السجناء. وفي الصباح وُجِد معلقا بحبل متدل من نافذة زنزانته مشنوقا ب"كوفيته".
ولأننا في فيلم، فالأبطال كثر والمدافعون عن الحق أكثر. ينتقم محمود لصديقه بالاعتراف أمام النيابة بما حصل ليلة الواقعة ويجتمع "أهل الشر" للاتفاق على طريقة لإسكاته.
الضابط نبيل: هو صحيح محود غير أقوله في النيابة بس ممكن نغيروا شخصيا لو حبيت يا باشا..
سليم المحامي: مينفعش يا باشا.. ساعتها حنقول ايه؟ لا عنده عربية يسوقها ولا عنده سبب ينتحر علشانه.. ده لسه جاي له ولد.
النظام الانقلابي بمصر لا يهمه ما سيقوله الناس وما سيعتقدون ومعهم منظمات حقوق الإنسان أو الهيئات الدولية. وائل شلبي مجرد رقم في لائحة الجرائم التي ارتكبها، دون محاسبة، منذ الثالث من يوليو بل قبلها. ولأن "النحر" أو "الانتحار" عنده لا يفي بالغرض، فحظر النشر وسيلته لإنهاء أي جدل أو مطالبة بتحقيق.
داخل الجراج حيث قتل مروان كمال أبو العزم غريمه وهم يتنافسون على فتاة، تحاور إحدى الصحفيات المسؤول عن الأمن محمود.
الصحفية داليا: محمود انت قلت لي ايلي ارتكب الجريمة كان اسمه ايه؟
محمود: مروان كمال أبو العزم.
الضابط نبيل: مين ايلي خلى دول يخشوا هنا (وهو يمنع المصور من استكمال التصوير) أكيد حد فيكم اتصل بيهم زي كل مرة.. جاتكم القرف. حد يجيب لي الشرايط..