أرجع مراقبون عدم نشر السلطة السياسية بتونس قائمة رسمية بأسماء
شهداء "
ثورة الياسمين"، إلى غياب الإرادة السياسية لدى الحكومات المتعاقبة منذ 14 كانون الثاني/ يناير 2011، رغم انتهاء أعمال اللجنة المُكلّفة بهذا الملف منذ أكثر من سنة.
ورغم أنّ
التونسيين أحيوا، السبت، الذكرى السادسة لثورتهم، فإنهم يجهلون، إلى اليوم، أسماء شهدائهم الذين سقطوا خلال أحداث الثورة.
وبينما أكّد رئيس لجنة شهداء الثورة وجرحاها، توفيق بودربالة، قبل أسبوع، أن لجنته انتهت من تحديد القائمة منذ تشرين الأوّل/ أكتوبر 2015، وسلمتها للرؤساء الثلاثة، فإنّه لم يتمّ الكشف رسميا عن السبب الذي عطّل نشرها.
386 شهيدا
واعتبرت محامية عائلات شهداء الثورة وجرحاها ليلى الحدّاد أنّ الإرادة السياسية غائبة تماما منذ بعث "لجنة بودربالة"، التابعة للهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية.
ولفتت الأستاذة حدّاد في تصريح لـ"
عربي21"، إلى أنّه كان يفترض من السلطة السياسية نشر القائمة بعد أسبوعين على تسلمها من رئيس اللجنة، على أقصى تقدير، لافتة إلى أنّ كل العائلات انتظرت نشر القائمة بالذكرى الخامسة للثورة في 14 كانون الثاني/ يناير 2016.
وتابعت بأنّ ما كان مطلوبا من الرؤساء الثلاثة هو الجانب البروتوكولي فقط؛ "لأنّ اللجنة المكلفة اشتغلت منذ انطلاق عملها الفعلي في 19 تموز/ يوليو 2013، وتوصّلت إلى أنّ 386 شخصا استشهدوا خلال أحداث الثورة".
ورقة للمقايضة
وأشارت الحدّاد إلى أنّ عائلات شهداء الثورة وجرحاها قامت بتحركات احتجاجية للمطالبة بنشر القائمة وتكريم أبنائها، "كما أرسلت عدل منفذ، في هذا الغرض، إلى مقر رئاسة الجمهورية في تموز/ يوليو 2016، لكن للأسف لم يتم الإعلان الرسمي عنها إلى اليوم".
وأضافت المحامية الحدّاد "لا ندري لماذا يتم التعامل مع ملف الشهداء بهذا الشكل.. هل لأنّ السلطة لا تعتقد بحصول ثورة أصلا، أم لأنّ من قتلوا هم من أبناء الشعب البسيط الذي لا مظلة سياسية أو أيديولوجية له، ولم تتبنه الأحزاب السياسية بل بقي ورقة للمقايضة فقط، ووقودا للحملات الانتخابية".
تشكيك في الثورة
ووصف المحلّل السياسي وأستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك، مسألة تحديد قائمة رسمية بأسماء الشهداء بـ"البسيطة جدّا"، مستغربا عدم الإعلان عنها رغم مرور ستّ سنوات على "ثورة الياسمين".
وتابع ابن مبارك في تصريح لـ"
عربي21" أنّ المطلوب ليس تحديد القائمة والإعلان عنها رسميا، بل تكريم الشهداء وإعادة الحقوق لعائلاتهم "فكلّ هذا يتم بشكل متعثر جدا وعلى مراحل متقطعة... ربّما غياب الإرادة السياسية أحد الأسباب، لكن أعتقد بأنّ هناك تشكيكا أصلا في الثورة"، وفق تعبيره.
وقال ابن مبارك: "الثورة إجمالا محلّ تشكيك لدى فئة معيّنة من السلطة السياسية، وبالتالي تصبح (الثورة) في نظر هؤلاء مجرد انقلاب ومؤامرة، وهم يعتقدون أنّ الذين قتلوا خلالها أو أصيبوا ليسوا شهداء وإنّما انقلابيون ومتآمرون، وطبعا مسألة تحديد قائمة بأسماء هؤلاء لا تهم السلطة السياسية كثيرا"، بحسب قوله.
ولفت ابن مبارك إلى أنّ الإعلان الرسمي عن قائمة الشهداء لن يطول كثيرا، "بينما تكريمهم وإجلالهم ومنح حقوقهم لعائلاتهم لا أعتقد بأنه سيحصل في القريب العاجل على الأقل في ظل السلطة السياسية القائمة؛ لأنّ الإرادة غير متوفرة لدى الأخيرة مطلقا"، بحسب قوله.
صعوبات
من جانبه اعتبر القيادي النهضوي عبد اللطيف المكي تساؤلات المراقبين وعائلات الشهداء والجرحى منطقية، مشيرا إلى أنّه لا يجب أن ينسى الجميع أو ينكر الصعوبات التي واجهت الحكومات المتعاقبة بعد الثورة في تحديد قائمة حقيقية بأسماء الشهداء.
وأضاف المكّي في تصريح لـ"
عربي21" أنّ هناك ادعاءات كثيرة من أناس لا علاقة لهم بهذا الملف، قدموا ملفات لأشخاص ماتوا بشكل طبيعي أو في أحداث أخرى، مطالبين بإدراجها ضمن ملف الشهداء والجرحى.
وقال المكي إنّه اكتشف، حين كان وزيرا للصحة في حكومة الترويكا، أكثر من 110 شهادات طبية مزوّرة سُلّمت بإحدى المحافظات، حيث تمّ تقديمها على أنّها لجرحى الثورة، ما اضطر الوزارة آنذاك إلى طرد عدد من الأطباء المتورطين وتحويل ملفاتهم إلى القضاء.
وتابع المكي بقوله: "حتى وإن كان هناك من يقول إن الإرادة السياسية مفقودة، سنحاول الآن التحرّك باتجاه نشر القائمة بشكل رسمي في أقرب الآجال، خاصة بعد أن كشف رئيس اللجنة بودربالة، قبل أيّام، أنّه أودع القائمة بالرئاسات الثلاث".
وكان بودربالة قال قبل أسبوع، "إن كل الأطراف تريد استغلال ملف الشهداء والجرحى سياسيا"، لافتا إلى أن اللجنة تتعرض منذ انطلاق عملها، إلى الضغوطات والصعوبات.
كما صرحت رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين، الجمعة، أن الهيئة ستعمل على إحالة قضايا شهداء وجرحى الثورة على القضاء المختص في 20 آذار/ مارس القادم .