أعلنت الفصائل الفلسطينية المشاركة في اجتماعات موسكو في وقت متأخر من الثلاثاء الموافق 17 يناير 2017 أنها اتفقت على تشكيل حكومة وحدة وطنية قبل تنظيم الانتخابات، حيث ستتوجه إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس لبدء المشاورات لتشكيل هذه الحكومة. جاء ذلك بعد أيام من اجتماع اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني الفلسطيني في بيروت التي اتفقت على ضرورة عقد مجلس وطني يضم القوى الفلسطينية كافةً، وفقاً لإعلان القاهرة (2005)، واتفاق المصالحة الموقّع في 4/5/2011 من خلال الانتخاب، إن أمكن، والتوافق إن تعذّر إجراء الانتخابات. كما وافقت على تشكيل حكومة وطنية.
ورغم أن هذه الاتفاقات تبدو إيجابية في الشكل إلا انها لا تعدو اجترارا لاتفاقات سابقة لم تر النور على أرض الواقع حتى الآن، وذلك بسبب التباعد السياسي بين برنامجين يعملان بشكل متضارب مع بعضهما، والشكوك التي لا تزال تهمين على نظرة حركة فتح إلى غريمتها ومنافستها على الساحة، وهي حركة حماس التي هزمتها بأول انتخابات نزيهة في فلسطين عام 2006.
كما أن اللافت أن تطبيق ما ورد أعلاه يتطلب قرارات من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وهو الذي كانت له اليد الطولى في تعطيل تطبيق اتفاقات المصالحة وخصوصا اتفاق 2011 الذي تضمن آليات تنفيذية للاتفاقات التي سبقته.
الخلافات أولا وأخيرا
فهل ستغير هذه الاتفاقات الجديدة من الواقع الفلسطيني، وتشكل تحولا في مسلك السلطة الفلسطينية باتجاه إعادة اللحمة الفلسطينية والاتفاق على برنامج وطني موحد لمواجهة المرحلة القادمة الشديدة الصعوبة، أم أنها ستمثل رزمة جديدة من الاتفاقات التي تستغلها السلطة الفلسطينية لشراء الوقت والتلويح بتطبيقها لإسرائيل والولايات المتحدة للحصول على مكاسب سياسية محدودة وآنية؟
يقتضي ذلك العودة إلى الوراء قليلا، حيث واجه عباس محاولات إسرائيلية لإيجاد بديل له في حركة فتح من خلال دعم خصمه الرئيسي المفصول من الحركة محمد دحلان والذي بات يحظى بغطاء من ما يسمى الرباعية العربية الجديدة لخلافة عباس، على اعتبار أن دحلان سيقدم التنازلات التي عجز عنها عباس وتتمثل بالاعتراف بيهودية إسرائيل والقبول بدولة فلسطينية مقلصة تستثني المستوطنات المفروضة إسرائيليا بقوة الأمر الواقع.
وتمكن عباس من إثبات قوته بسيطرته على فتح في مؤتمرها السابع الذي انعقد برام الله والذي أعاد تعيينه على رأس الحركة وعزز سلطاته وثبت رؤيته الرافضة للمقاومة، قاطعا بذلك الطريق على دحلان وتجميد أنصاره وقطع الرواتب عنه.
وهكذا انشغلت فتح التي قادت النضال الفلسطيني ردحا من الزمن، بخلافاتها الداخلية وانقسمت إلى تيارات وقوى متصارعة. ورغم صعوبة المرحلة الحالية وحساسيتها، لم يدفع ذلك قيادات هذه الحركة لإجراء جردة حسابات للمسيرة السياسية الفلسطينية وفشل عملية التسوية في انتزاع حقوق الشعب الفلسطيني والتفكير بالعودة للمقاومة ضد الاحتلال والالتحام مع قوى الشعب الفلسطيني ضمن برنامج وطني موحد.
ولم تتمكن هذه الحركة من وضع خطط حقيقية للتعامل مع التحولات الإقليمية والدولية التي لا تعمل لصالح الفلسطينيين، وشعور العدو بأنه يمر بمرحلة ذهبية في مشروعه الاستعماري في ضوء تركز الجهود الدولية على التعامل مع الصراعات الإقليمية. ووصل الأمر إلى أن القوى اليمينية داخل الكيان الصهيوني باتت تطالب بإلغاء اتفاق أوسلو وإعطاء الفلسطينيين نحو 40% من الضفة المحتلة لإقامة كيان لا يتمتع بصفات الدولة ومشتت جغرافيا تصل بين مدنه الرئيسية طرق تخضع للعدو الصهيوني.
حسابات والتزامات
وما جرى في بيروت وموسكو من اتفاقات لا يمكن اعتباره اختراقا حقيقيا على صعيد التوافق الوطني، إذ لا يوجد حتى الآن مؤشرات على جدية عباس الذي يملك مفاتيح فتح والمنظمة والسلطة في جمع القوى والشخصيات الفلسطينية ضمن مشروع وطني موحد لمواجهة إسرائيل، والاحتماء بالشعب الفلسطيني للتصدي للضغوط الخارجية عليه. ولا يمكن اعتبار.
فانعقاد اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني الفلسطيني ليس مؤشرا على تغيير في سياسة عباس، إذ إن المنظمة التي أنشئت بقرار عربي لا يمكن لها أن تعيد تشكيل نفسها من دون قرار عربي. وهذا القرار لا يزال يضع الفيتو على إشراك حماس في قيادة المنظمة، إذ تخشى الأنظمة العربية ومعها الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل تكرار 2006 التي اكتسحت فيها حماس الانتخابات التشريعية.
وإذا أضيف لذلك تخوف قيادات فتح من هيمنة حماس على منظمة التحرير وتأثير ذلك على دور هذه القيادات التي ربطت وجودها بالعدو الإسرائيلي وانفصلت عن جماهيرها وشعبها، فإن إمكانات دمج حماس بالمنظمة تظل ضعيفة وربما منعدمة.
مصالحة رهن التكتيك
وترتبط مسألة تشكيل حكومة وحدة بقرار من الرئيس عباس الذي يبدو أنه سعى لتحريك هذا الملف تكتيكيا لإظهار قوته وسيطرته على الساحة الفلسطينية بما في ذلك حماس بعد أن أكد هيمنته على حركة فتح، في مواجهة اتهامات إسرائيلية له بأنه لا يمثل الشعب الفلسطيني كله.
وعلى المدى القريب، وبصرف النظر عن قراره النهائي في موضوع الحكومة، فإنه سيعمل على تفريغها– إن شكلها- من أي مضمون سياسي لأنه يريد التحكم بمخرجات الموقف السياسي تجاه العدو والاحتفاظ بالموقف السياسي للسلطة لنفسه ومجموعة محدودة حوله، كما أنه سيحسب ألف حساب للموقف الإسرائيلي الراغب أصلا في استبداله وعزله، ولن يقدم على أي خطوة من شأنها أن تثير مزيدا من استعداء حكومة نتنياهو المتحالفة مع اليمين الإسرائيلي.
أما إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، فتلك مسألة تستدعي من عباس التوقف عندها كثيرا، إذ إنه اضطر إلى إلغاء الانتخابات البلدية بعد أن شعر أن حماس قد تحقق نتائج متقدمة فيها، واستجاب لضغوط دول الإقليم التي طالبته بوقف هذه الانتخابات مخافة أن يشجع فوز حماس فيها مجموعات الإسلام السياسي في هذه الدول.
وما لم يتمكن الرئيس الفلسطيني المنتهية ولايته من تأمين فوز حركة فتح بالحصة الأكبر من مقاعد المجلس التشريعي الجديد، بحيث يتم تمرير قراراته الداخلية والسياسية بكل سلاسة مع تحجيم دور حماس إلى كتلة معارضة غير معطلة لقرارات عباس في المجلس، فإن هذا الأخير لن يقدم على خطوة الانتخابات.
وفي ضوء هذه المؤشرات والمعطيات، يمكن القول إن فتح كتنظيم وعباس كزعيم هو المتحكم الأول في تحقيق مصالحة ناجزة تقوم على أساس تبني مشروع وطني يستند إلى مقاومة الاحتلال، وأن بقية القوى الفلسطينية وإن تحملت جزءا من المسؤولية عن المصالحة فإن دورها يمكن اختباره في مرحلة لاحقة إذا قرر عباس المضي فيها بشكل جدي وهو أمر لم يثبت حتى الآن!
وحتى الآن لا يبدو أنه يلوح في الأفق اختراق حقيقي على مستوى المصالحة، إذ تستمر السلطة في برنامجها السياسي وفي التنسيق الأمني مع الاحتلال وملاحقة المقاومين، كما أنها تشارك العدو في تشديد الحصار على قطاع غزة لإسقاط حركة حماس فيه وضرب مقاومتها، وهو أمر تجلى واضحا في أزمة الكهرباء الأخيرة في قطاع غزة، إذ إنها أكدت أن السلطة تسعى لإسقاط حماس ولا تريد استلام قطاع غزة بعد أن تنازلت حماس عن السلطة فيه لصالح تمهيد الطريق للمصالحة الفلسطينية.
وفي المقابل يستمر التشدد الإسرائيلي ومحاولات تصفية القضية عربيا وعالميا، فيما يظهر بصيص أمل في فلسطين باستمرار انتفاضة القدس ومحاولات تعزيز قدرات المقاومة في كل من غزة والضفة على أن أمل أن لا يكون الشعب الفلسطيني لقمة سائغة للاحتلال ولا منقادا لإرادة سلطة غدت حارسا لأمن الاحتلال.