شهدت مناقشة مجلس النواب
المصري، الأسبوع الماضي، لموازنة العام المالي 2014-2015، مفاجأة من العيار الثقيل، حيث كشفت عن عدم تضمين الحساب الختامي للموازنة نحو 32 مليار جنيه من المنح والمساعدات الخارجية التي تلقاها نظام قائد الانقلاب عبدالفتاح
السيسي.
وكان أحد تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات، أيام رئاسة المستشار هشام جنينة له، قد أكد في تشرين الأول/ نوفمبر 2015 اختفاء عشرات مليارات
الجنيهات من
موازنة الدولة، وهو ما دفع السيسي -الذي كان يملك سلطة التشريع في ذلك الوقت لعدم وجود برلمان- إلى رفض اعتماد الموازنة، وإعادتها مرة أخرى إلى وزارة المالية لتعديلها.
ولكن وزارة مالية الانقلاب لم تعدل الحساب الختامي للموازنة، وتباطأت في الانتهاء منه لأكثر من عام كامل، في مخالفة للدستور الذي ينص على ضرورة عرض الموزانة على البرلمان خلال 6 أشهر من إقرارها كحد أقصى، بحسب مختصين.
وبعد أن عقد مجلس النواب أولى جلساته في العاشر من كانون الثاني/ يناير 2016، تقدم النائب محمد أنور السادات ببيان عاجل؛ يطالب فيه وزير مالية الانقلاب بإعادة عرض الموازنة -التي رفض السيسي اعتمادها- على البرلمان مرة أخرى، مشددا على أن مجلس النواب أصبح هو صاحب الحق الأصيل في اعتماد الحساب الختامي للموازنة، وليس رئيس الجمهورية.
وبعد مماطلة لنحو 10 أشهر؛ اضطرت "المالية" لعرض الموازنة على البرلمان، وعند مناقشة لجنة الخطة والموازنة لها؛ اكتشفت اختفاء هذه المليارات بالفعل، وطالبت "المالية" بتوضيح مصيرها.
مليارات تائهة!
وأكدت صحيفة "الفجر" أن الإيرادات الموضحة بموازنة 2014-2015 لم تتضمن إيرادات بقيمة 32.5 مليار جنيه، والتي تمثل جزءا من المنح التي حصلت عليها مصر من دول عربية وأجنبية، حيث لم تظهر تلك المليارات في الحسابات المخصصة لسد عجز الموازنة، كما أعلنت الحكومة من قبل.
وكان وزير المالية عمرو الجارحي، قد صرح في حزيران/ يونيو 2016، أن المنح التي حصلت عليها مصر من الدول العربية وحدها تبلغ 128.1 مليار جنيه، وأنها تم استخدامها في خفض عجز الموازنة.
وبحسب بيان للجنة الخطة والموازنة البرلمانية، الأسبوع الماضي؛ فإن وزارة المالية لم تتمكن من تفسير هذا الأمر عندما ردت على ملاحظات أثارها النائب السادات، ولم يوضح تقرير الوزارة المبهم كيفية إثبات هذا المبلغ في الموازنة العامة للدولة، وهو ما دعا اللجنة إلى إصدار مطالبة "المالية" بتوضيح المعالجة المحاسبية التي اتبعتها بالتفصيل، حتى تتمكن اللجنة من التقييم المناسب للحساب الختامي للموازنة العامة.
وأشارت اللجنة إلى أنها اكتشفت العديد من التجاوزات الأخرى لوحدات الجهاز الإداري للدولة تجاه المال العام؛ تمثلت في استيلاء الحكومة على أموال الحسابات والصناديق الخاصة بالمخالفة للقانون.
تعتيم برلماني
وفي تشرين الأول/ نوفمبر 2016 اكتشفت لجنة الخطة والموازنة أثناء مناقشتها الموازنة، عدم ورود 17 تقريرا من تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات ضمن التقارير المرفقة بالحساب الختامي للموازنة، في مخالفة أخرى للائحة الداخلية للبرلمان، والتي تنص على إرفاق هذه التقارير مع الموازنة، وعرضها على البرلمان.
وعندما تقدم وكيل اللجنة، النائب مصطفى سالم، بطلب كتابي لرئيس البرلمان علي عبدالعال، بعرض هذه التقارير على اللجنة؛ رفض عبد العال طلبه، ما دفع سالم للانسحاب من الجلسة.
من جانبه؛ قال عضو لجنة الخطة والموازنة، النائب طلعت خليل، في تصريحات صحفية، تعقيبا على اختفاء عشرات المليارت من موازنة الدولة، إن الملاحظات التى أبدتها اللجنة لم تردّ عليها وزارة المالية، مشيرا إلى أن الوزارة أكدت أن هناك ملاحظات "ما زالت قيد البحث حتى الآن".
نفي حكومي
من جهته؛ نفى نائب وزير المالية، الدكتور محمد معيط، اختفاء 32 مليار جنيه من موازنة الدولة، موضحا أنه حضر مناقشة تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات حول الحساب الختامي للموازنة، ممثلا عن وزارة المالية، ولم يرد في هذا التقرير أي ملحوظة حول اختفاء أية موارد من الموازنة.
وأضاف معيط في تصريحات صحفية، أن "الوزارة تلقت ملاحظات الجهاز المركزي للمحاسبات في وقت سابق، وردت عليها وفقا للإجراءات المتبعة، مبينا أن القانون ينص على أن يناقش الجهاز هذه الملاحظات داخل مجلس النواب أثناء عقد جلسات مناقشة الحساب الختامي للموازنة".
وكان السيسي قد أصدر تعديلا قانونيا في تموز/ يوليو 2015؛ يمنح فيه لنفسه الحق في إقالة رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم، وهو القانون الذي استخدمه لاحقا في آذار/ مارس 2016، حينما أقال هشام جنينة بتهمة إصدار تقارير غير دقيقة عن الفساد في البلاد بهدف إثارة الرأي العام.
وسخر المحامي الحقوقي طارق العوضي من تبرير مالية الانقلاب؛ فقال عبر حسابه في "تويتر": "وهم بيعملوا الموازنة العامة للدولة؛ اكتشفوا حوالي 32 مليار جنيه مش عارفين راحوا فين.. عادي ممكن تكتبوا جنبها: مليارات أتلفها الهوا".