رأى محللون ومراقبون أن رفض هيئة كبار العلماء في
الأزهر؛ الانصياع لطلب قائد الانقلاب عبد الفتاح
السيسي بحظر "
الطلاق الشفهي"؛ لن يمر دون توابع، وأن موقف الأزهر قد يدفع بالسيسي لاتخاذ إجراءات وقرارات.
ومن بين الخطوات التي يمكن للسيسي اللجوء إليها؛ التخلص من الشيخ أحمد الطيب، أو تغيير القوانين الحاكمة والمنظمة لعمل المؤسسة.
وأقرت هيئة كبار العلماء، الأحد، بوقوع الطلاق الشفوي، المستوفي شروطه وأركانه، دون اشتراط توثيق أو إشهاد، وحذرت مما وصفتها بـ"
الفتاوى الشاذَّة" التي يُنادي بها البعض، وهو ما اعتبره نشطاء ومحللون، تصعيدا خطيرا وتحديا قويا لرئيس الانقلاب، الذي كان قد دعا في 24 كانون الثاني/ يناير الماضي، إلى إصدار قانون يحظر إيقاع الطلاق الشفوي دون توثيق لدى المأذون، أو الجهات الرسمية.
وهو ما دفع الأذرع الإعلامية للنظام للمطالبة بإقالة شيخ الأزهر، فيما دعا علماء ودعاة للوقوف بجانب الأزهر، ومنهم المفكر الإسلامي الدكتور محمد عباس، الذي قال عبر حسابه على تويتر إن "بيان الأزهر ضد محاولة الاجتراء على الدين بإلغاء الطلاق الشفهي: ليس حازما وحاسما فقط؛ بل وعنيف ومتحد وصادم وشجاع لذا وجبت التحية والمؤازرة".
لن يصمد طويلا
لكن المفكر الإسلامي وأستاذ الفقه وأصوله والسياسة الشرعية، الدكتور عطية عدلان، لا يرى الأزهر في صورة القادر على مواجهة النظام، وقال: "لا أعتقد أن الأزهر سوف يصمد طويلا أمام ضغوط قائد الانقلاب، الذي لا أتصور أنه سيرجع عن وجهته".
وأوضح عدلان، في حديث لـ"عربي21"، أن "الأمر لا يحتاج إلى إقالة السيسي لشيخ الأزهر"، متوقعا أن "أحمد الطيب سوف يرضخ للانقلاب، ويحل هيئة كبار العلماء ويستبدلها بأخرى تنفذ الأوامر دون جدل"، حسب قوله
واستبعد عدلان تكوين جبهة رفض للنظام داخل الأزهر؛ تكون ملتقى للثوار ورافضي حكم العسكر، معتبرا ذلك "ضربا من الخيال".
لي الذراع
من جانبه، أشاد عضو المكتب السياسي للجبهة السلفية، الداعية والباحث مصطفى البدري، بموقف هيئة كبار علماء الأزهر، وقال: "بالرغم من سقوط شيخ الأزهر والعديد من المشايخ في منزلق المداهنة للسلطة في أمور كثيرة؛ إلا أن الهيئة رفضت أن ينحدر الأزهر كمؤسسة لهذا المستنقع الآسن".
وأكد البدري لـ"عربي21" أن "السيسي عنده من الكِبْر وجنون العظمة ما يؤهله لرفض حكم هيئة كبار العلماء بقضية الطلاق الشفهي والسعي لتغييره أو الالتفاف عليه، وليس أدل على ذلك من ردة فعله على الحكم القضائي الجازم بمصرية تيران وصنافير".
وتوقع البدري ألا يمرر السيسي الأمر دون الضغط على الأزهر، وقال: "لعله يلجأ لبعض الأساليب الملتوية ولي الذراع للضغط على الهيئة (هيئة كبار العلماء) من أجل تغيير قرارها أو تعديله بما لا يتعارض مع رغبته".
وأضاف: "وإذا لم يجد بُدّا من السعي لتغيير شيخ الأزهر نفسه من خلال أذرعه المخابراتية داخل المؤسسة؛ سيفعل ذلك، ولو وقف القانون عقبة في طريقه فلعله يجبر أحمد الطيب على الاستقالة".
الضرب تحت الحزام
من جهته، يشير المحلل المختص في شؤون الجماعات الإسلامية، ماهر فرغلي، أنه دستوريا لا يجوز أن يُعزل شيخ الأزهر، مستدركا: "لكن السلطة تستطيع ممارسة ضغوط تجبر أحمد الطيب على الاستقالة"، وقال إن ذلك حدث بالفعل حيث فكر الشيخ في الاستقالة أكثر من مرة.
وأضاف لـ"عربي21"؛ أنه "برغم أن الصدام موجود بالفعل، والسلطة غير راضية عن أداء المؤسسة في ملفات عديدة، ويرى البعض أن الأزهر مجتزأ ومخترق لصالح دول وجماعات، إلا أنه لن تحدث مجابهة علنية بين نظام السيسي ومؤسسة الأزهر"، حسب قوله.
وأشار فرغلي إلى أن "النظام سيحاول احتواء الأزمة، ولن يجعلها تصل لمرحلة الصدام المباشر، وسيكتفي بالضرب تحت الحزام، وسيعتمد على سياسة النفس الطويل في تغيير الأمور داخل المؤسسة لصالحه".
واعتبر فرغلي أنه مع استمرار حالة الغضب المتواصل من الطرفين، فإن أية إجراءات قد تتخذها سلطات الانقلاب بحق الأزهر قد تغضب بعض المشايخ وتدفعهم للصف المقابل للسيسي.
مواجهات لن تنتهي
وخلال عمر الأزهر الشريف (972 ميلادية- 361 هجرية)، قام الجامع الأزهر بوظيفته الدينية، ولم ينفصل عن واقع العالم العربي والإسلامي والدولة
المصرية سياسيا، وشهد مواجهات ومعارك سياسية مع الحكام والمحتلين الغزاة.
لكن الأزهر، وحسب المؤرخ المستشار طارق البشري، جمع بين وظيفتيْن متناقضتيْن، هما دعم السلطة الحاكمة وتجميع التمرّد الشعبي من الرأي العام المثقّف على السلطة نفسها، الأمر الذى جعله هدفا لضربات موجعة من السلطة، استهدفت تحجيم دوره، وتقليص نفوذه، وإخضاعه لرغبات الحكّام.
وإثر ثورة 1952، قضى النظام العسكري الحاكم على استقلالية الأزهر الإدارية والاقتصادية، وقام جمال عبد الناصر بتأميم مؤسسة الأزهر بعدة خطوات بدأها بالسيطرة على الوقف التابع للمشيخة، ثم إلغاء نظام الوقف الأهلي بالكامل عام 1952، والذي تبعه بإلغاء نظام المحاكم الشرعية عام 1955، وأخيرا أصدر قانون تطوير الأزهر عام 1961 والذي قضى بتعيين رئيس الجمهورية لشيخ الأزهر كموظف حكومي بدرجة رئيس وزراء، بدلا من اختياره من قبل هيئة كبار العلماء.