في آذار/ مارس 2015 أعلن قائد الانقلاب في
مصر، عبدالفتاح
السيسي، خلال المؤتمر الاقتصادي الذي عقد بشرم الشيخ، عن مشروع ضخم لإنشاء عاصمة إدارية جديدة يتم نقل المباني الحكومية والوزارات والسفارات الأجنبية إليها، لتخفيف الضغط عن
القاهرة؛ العاصمة التاريخية للبلاد.
لكن المشروع الذي مر على الإعلان عنه نحو عامين؛ تلقى ضربة قوية الأسبوع الماضي، بعد انسحاب
الشركة الصينية المكلفة بتنفيذ مباني الوزارات؛ بسبب عدم التوصل إلى اتفاق بشأن السعر.
وجاء انسحاب الشركة الصينية بعد عام تقريبا من انسحاب شركة إماراتية من المشروع؛ عندما أعلنت حكومة الانقلاب رغبتها في تمويل الأعمال باستثمارات خارجية، وليس عبر البنوك المحلية.
وأعلن رئيس شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية، التي أنشأتها حكومة الانقلاب لإدارة المشروع، أيمن إسماعيل، أنه سيتم تنفيذ الحي الحكومي بواسطة الشركات المصرية، بمشاركة وزارة الإسكان والقوات المسلحة.
مشروع فاشل كسابقيه
وألقت هذه الانسحابات المتكررة شكوكا كثيرة حول نجاح المشروع، وتوقع مراقبون أن ينضم هذا المشروع إلى ما سبق من مشروعات أثبتت الأيام أنها غير واقعية، وغير قابلة للتطبيق.
وبحسب تقارير صحفية؛ فإن الشركات الصينية والإماراتية انسحبت من المشروع بعدما تأكدت من فشله، لكن رئيس الاتحاد المصري لمقاولي البناء حسن عبدالعزيز؛ أكد أن سبب انسحابها هو الخلاف مع الحكومة المصرية على شروط التعاقد، حيث طلبت الحصول على مستحقاتها بالدولار وليس بالجنيه المصري، وهو ما يمثل عبئا على الحكومة المصرية في توفير المبالغ المطلوبة بالعملة الأجنبية.
وفي هذا السياق؛ قال المهندس الاستشاري ممدوح حمزة، في تصريحات صحفية، إن العاصمة الإدارية الجديدة بلا جدوى، مثل بقية المشروعات الكبرى التي تبناها السيسي، كتفريعة قناة السويس، والمليون ونصف المليون فدان، موضحا أن الشركات الأجنبية انسحبت من المشروع لعدم جدواه الاقتصادية، الأمر الذي سيعطي إشارة سلبية إلى العالم؛ بأن مصر غير قادرة على توفير التمويل اللازم لتنفيذ المشروعات في ظل عدم مشاركة شركات أجنبيه بها.
وتقدم النائب في برلمان الانقلاب، محمد أنور السادات، بسؤال لرئيس وزراء الانقلاب شريف إسماعيل، حول أسباب فسخ التعاقد مع الشركة الصينية، وكيفية تنفيذ المشروع بالاعتماد على شركات مصرية، وتأثير ذلك على اقتصاد البلاد، وهل يمثل المشروع أولوية ملحة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد.
مشروع لخداع الشعب
من جهته؛ قال الخبير الاقتصادي عماد مهنا، إنه رفض منذ البداية فكرة العاصمة الإدرية الجديدة، واصفا إياها بأنها مشروع بدون أي دراسة جدوى، وتم الإعلان عنه "لخداع الشعب وإلهائه بمشروع قومي كبير يصعب اكتماله على أرض الواقع".
وأضاف لـ"
عربي21" أن "هذا المشروع مكلف ماليا بشكل كبير، وحتى قبل انسحاب الشركة الصينية كانت الحكومة تعاني في تمويله، وبطبيعة الحال تفاقمت المشكلة بعد انسحاب الصينيين، حيث أصبحت الدولة في حيرة أكبر، ولا تعرف كيف تدبر التمويل اللازم لاستكماله".
وأوضح مهنا أن الهدف من المشروع في الأساس؛ هو نقل كل الوزارات الموجودة في القاهرة لعاصمة جديدة، متسائلا عن مصير الوزارات والمباني القديمة التي أنفقت مليارات الجنيهات لبنائها وتطويرها في السنوات الأخيرة، مثل وزارت الداخلية والمالية وغيرها، خاصة أن جزءا كبيرا من هذه الوزارات وزارات خدمية يتعامل معها ملايين المواطنيين يوميا.
وتابع: "حتى لو تم نقل هذه الوزارات خارج القاهرة؛ فإن ذلك لن يقلل من الأزمة المرورية؛ لأن القاهرة ستظل مزدحمة بملايين الأشخاص الذين يأتون إليها من الأقاليم كي ينجزوا أعمالهم ومصالحهم بسبب المركزية الشديدة التي تحكم البلد".
وتعليقا على انسحاب الشركة الصينية؛ قال مهنا إن "هذه الخطوة ستؤثر كثيرا على المشروع؛ لأن احتمالات عدم اكتماله كانت قائمة مع وجودها، وبعد انسحابها زاد الغموض حول المشروع، خاصة أن هذا الانسحاب سيترك أثرا سلبيا لدى شركات أخرى تريد الاستثمار في مصر، وسيجعلها تتردد كثيرا قبل وضع أموالها في هذا الاقتصاد المتردي".
الشركات المصرية ستنفذه "غصبا عنها"!
وفي المقابل؛ قلل خبير التخطيط مدحت نافع من مسألة انسحاب الشركة الصينية، قائلا إنه لن يؤثر على استمرار ونجاح المشروع.
وأوضح نافع لـ"
عربي21" أن الشركة الصينية "كان مرحبا بها؛ لأنها كانت ستجلب استثمارات من الخارج لإنجاز الأعمال المطلوبة، وعلى الرغم من انسحابها؛ فهناك بدائل كثيرة أمام الحكومة، متمثلة في الشركات المصرية العملاقة التي نفذت من قبل أعمالا مماثلة بكفاءة عالية".
وأضاف أن "إسناد الأعمال للشركات المصرية سيحل مشكلة التمويل؛ لأن هذه الشركات لا تعاني من مشاكل مالية، كما أنها تريد أن تكسب ثقة عبدالفتاح السيسي؛ لأنها تعرف اهتمامه بالمشروع، وبالتالي فإن الشركات المصرية ستنجز المشروع غصبا عنها، وهذا ما يهمنا في النهاية" على حد قوله.
ولفت نافع إلى أن الحكومة بدأت، الأحد، في بيع أراض بالعاصمة الإدارية، ومن المتوقع أن توفر هذه الخطوة تمويلات جديدة تمكن المشروع من الوقوف على قدميه، دون أن يتأثر بانسحاب الشركة الصينية.
وبدأت حكومة الانقلاب، الأحد، في بيع كراسات الشروط لحجز أراض بمساحات ألف و500 فدان في العاصمة الإدارية الجديدة، لكن مصادر مطلعة بوزارة الإسكان؛ كشفت عن بيع 74 كراسة فقط خلال أول يوم من فتح باب طرح كراسات الشروط، وهو ما يعكس -بحسب مراقبين- عدم إقبال الشركات العقارية والمطورين على الاستثمار في هذا المشروع، على الرغم من أن السيسي أعلن منح الشركات المتقدمة للحصول على أراض في الطرح الأول خصما يصل إلى 25 بالمئة من قيمة الأرض.