بدأ رئيس الجمهورية التركي رجب طيب
أردوغان، جولته
الخليجية مساء الأحد الماضي، وكانت المنامة محطته الأولى، حيث استقبله العاهل
البحريني حمد بن عيسى الخليفة في مطار الصخير العسكري، وقلَّده وسام الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة من الدرجة الممتازة.
ووقع البلدان خلال الزيارة مذكرات تفاهم في مجالات الصناعة العسكرية والتربية والتعليم والإعفاء المتبادل من رسوم تأشيرات السفر.
من جهته، أكد أردوغان، في محاضرة ألقاها في المنامة، وقوف بلاده إلى جانب البحرين في مكافحة الإرهاب والقضايا الأمنية كافة، مشيرا إلى سعي
تركيا لتعزيز علاقاتها مع البحرين في مختلف المجالات الدفاعية والعسكرية والصناعية والتجارية.
وذكر أن البلدين وصلا لمرحلة مهمة جدا في نمو العلاقات.
ولعل الرسالة الأهم في محاضرة رئيس الجمهورية التركي، كانت تلك التي أرسلها إلى شطري الخليج العربي في آن واحد، حين لفت إلى أن العنصرية الفارسية التي تستغل الطائفية تحاول تقسيم العراق وسوريا، داعيا إلى التصدي لها.
وجددت هذه الكلمات تأكيد القيادة التركية، أن أنقرة تقف إلى جانب دول الخليج ضد التمدد الإيراني الذي يهدد أمنها واستقرارها.
وفي المحطة الثانية للجولة، استقبل العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز الرئيس التركي بحفاوة في مطار قاعدة الملك سلمان الجوية، في العاصمة
السعودية الرياض.
والتقى أردوغان في مقر إقامته في الرياض كلا من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف وولي ولي العهد السعودي ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، بالإضافة إلى جلسة مباحثات رسمية جمعته مع العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز في قصر اليمامة.
وتشهد العلاقات السعودية التركية تطورا ملحوظا في الآونة الأخيرة، لشعور البلدين بالمخاطر ذاتها التي تهدد المنطقة برمتها، كما أن هناك تطابقا في موقفي أنقرة والرياض من ملفات إقليمية عديدة، ما يفرض عليهما التنسيق والتعاون لمواجهة التحديات.
ولا شك في أن هذا التطور، بالإضافة إلى العلاقات التركية القطرية المتميزة، يشكلان عاملا مهما يدفع العلاقات التركية الخليجية باتجاه العودة إلى طبيعتها.
واستضافت العاصمة التركية قبيل جولة أروغان الخليجية، اجتماعا للجنة المشاورات السياسية الأولى بين
الإمارات وتركيا، وبحث فيها الجانبان سبل تطوير العلاقات الثنائية، واستضافت قبل أيام الدورة التاسعة للجنة الاقتصادية التركية الإماراتية المشتركة.
وتشير هذه الاجتماعات، إلى الجهود المبذولة لتطبيع العلاقات التركية الإماراتية، بالتوازي إلى تحسن العلاقات التركية الخليجية.
وهذه الجهود الحثيثة، وإن لم تؤد في المستقبل المنظور إلى تطبيع العلاقات بين أردوغان ومحمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي والحاكم الفعلي للإمارات، فإن المأمول منها، خليجيا وتركيا، أن تجعل العلاقات التركية الإماراتية تتماشى قدر الإمكان مع العلاقات التركية الخليجية الاستراتيجية.
الانقلاب العسكري الذي قام به الجيش المصري للإطاحة بالرئيس الشرعي المنتخب محمد مرسي، كان أكبر عامل في تدهور العلاقات الخليجية التركية، بسبب اختلاف موقفي الطرفين منه.
وكانت تركيا ترغب آنذاك في استمرار هذه العلاقات التي تخدم كلا الطرفين، بغض النظر عن اختلاف وجهات النظر إزاء الملف المصري، إلا أن الطرف الخليجي، باستثناء قطر، بادر بمعاداة تركيا، بناء على قاعدة "من لم يقف إلى جانب السيسي فليس منا"، التي أعلن عنها العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، في برقية تهنئة بعثها إلى قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي بمناسبة فوزه برئاسة مصر وقال فيها: "من يتخاذل عن دعم مصر لا مكان له بيننا".
وبناء على القاعدة ذاتها، سحبت ثلاث دول خليجية سفراءها من الدوحة.
السياسة الخارجية المبنية على تصنيف الدول في خانة الأصدقاء أو خانة الأعداء، وفق مواقفها من الانقلاب المصري، تخلت عنها السعودية لمجرد جلوس الملك سلمان بن عبد العزيز على عرش المملكة.
وكان ذلك أول خطوة باتجاه تطبيع العلاقات التركية الخليجية لمكانة الرياض في البيت الخليجي، كما أدَّى إلى تطبيع العلاقات السعودية القطرية.
تركيا ترى أن علاقات دول الخليج مع الدول الأخرى شأن يخص تلك الدول، ولا ترى في العلاقات الخليجية المصرية أو غيرها، عائقا أمام تحسن العلاقات التركية الخليجية لخدمة المصالح المشتركة في الظروف الإقليمية المضطربة.
وهذا المنطلق، كان من أهم العوامل التي شكلت أرضية لعودة المياه في العلاقات التركية الخليجية إلى مجراها الطبيعي، وهو الذي سيساعد جميع الأطراف للحفاظ عليها في المستقبل.