كتب المؤرخ والأكاديمي
الفلسطيني رشيد الخالدي وأستاذ كرسي إدوارد سعيد في جامعة كولومبيا، مقالا عن "أسطورة" "العملية السلمية" في الشرق الأوسط.
وجاء مقال الخالدي في صحيفة "الغارديان" تعليقا على تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب في المؤتمر الصحافي المشترك له يوم الأربعاء مع رئيس الوزراء
الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو، الذي رفض فيه حل الدولتين، الذي دعمه أربعة رؤساء أمريكيين من قبله، وكان جوهر العملية السلمية التي رعتها الولايات المتحدة خلال العقدين الماضين أو يزيد.
ويعلق الخالدي في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"،قائلا إن "ترامب كان على ما يبدو يحاول إرضاء ضيفه الواقع تحت حماس المتطرفين في حكومته، ورفض أربعة منهم علانية إنشاء دولة فلسطينية، وهم وزير السلامة العامة غيلعاد إردان ووزير التعليم نفتالي بينت ووزيرة الرياضة ميري ريغيف ونائبة وزير الخارجية تزيفي هوتزوفل".
ويضيف الكاتب أن "إسرائيل تقوم ومنذ عقود وهي تستعمر ما تطلق عليها (أرض إسرائيل)، بتدمير الشروط اللازمة لقيام دولة فلسطينية مستمرة ودائمة وذات سيادة عاصمتها القدس، ومع ذلك فإن أسطورة الدولة الفلسطينية وأن هناك (عملية سلمية) حقيقية استمرت باعتبارها أحد التفكيرات السحرية في الزمن الحديث".
ويعتقد الخالدي أن الأسطورة كانت مهمة وحيوية من أجل استمرار الاحتلال الإسرائيلي والاستعمار الطويل للضفة الغربية والقدس الشرقية وحمتها من الضغوط الدولية.
ويجد الكاتب أن "عملية الدفن النهائي لحل الدولتين، الميت أصلا، ستجبر أي مراقب مخلص لمواجهة ما هو واضح للعيان، حيث ظلت ولعقود دولة واحدة بين نهر الأردن والبحر المتوسط قائمة وبسيطرة أمنية كاملة، وكانت هذه الدولة الواحدة هي إسرائيل، وأيا كانت العلامة التي يمكن للواحد منا استخدامها، فإن هذه النتيجة الوحيدة المقبولة للحكومة الإسرائيلية".
ويرى الخالدي أنه "مهما كانت فكرة (الحكم الذاتي) الثانوية للحكم الفلسطيني فإن هذا هو الواقع، ولم يكن نتنياهو متصنعا في كلامه عندما وقف إلى جانب ترامب وقال إن (اسرائيل يجب أن تحافظ في أي عملية سلمية على الأمن لمنطقة غرب نهر الأردن كلها)، وطالما قال إنه سيمنح الفلسطينيين (دولة ناقصة) تظل فيها المستوطنات الإسرائيلية في مكانها، وتبقى القدس تحت سيطرة إسرائيل، ونسبة ما بين 50 إلى 60% من أراضي الضفة الغربية، بما في ذلك الأرض الخصبة في وادي الأردن".
ويشير الكاتب إلى أنه "بناء على ذلك، فإنه لا يهم إن أطلق على هذه المهزلة، دولة واحدة أو حل الدولتين، وفيما إن كان يحق للفلسطينيين رفع علمهم على هذا (البانتوستان) البائس أم لا".
ويقول الخالدي إن "مؤتمر ترامب نتنياهو، ومصادقة الكونغرس على تعيين ديفيد فريدمان سفيرا للولايات المتحدة في إسرائيل، يقدمان لنا صورة عن الطريقة التي تغيرت فيها العلاقات الأمريكية الإسرائيلية منذ 20 كانون الثاني/ يناير 2017".
ويلفت الكاتب إلى أن "الرؤساء الأمريكيين تمسكوا منذ كلينتون بالدولة الفلسطينية، وشجبوا الاستيطان والتوسع فيه، وحاولوا الحد من تجاوزات الحكومة الإسرائيلية الفاضحة، في الوقت الذي مولوا فيه ودعموا كل النشاطات التي من المفترض أنهم يعارضونها، ومن هنا، فإن هذا الموقف الضعيف يتراجع أو في طريقه إلى النهاية".
ويبين الخالدي أنه "في الوقت الذي وقف فيه ترامب متواطئا، فإن نتنياهو قام بتحديد معالم الحل المطلوب وغير المشروط من الفلسطينيين: فبالإضافة إلى السيطرة الدائمة على دولتهم، فإنه طلب منهم الاعتراف بيهودية الدولة، وهو شرط لا يطلب من أي دولة أخرى الاعتراف به، وهو أمر لم تتبناه إسرائيل بشكل رسمي، وفي الوقت ذاته لم يرد ترامب، الذي طلب من نتنياهو وقف الاستيطان لفترة قصيرة، على حملة التوسع الاستيطاني، التي أعلنت عنها إسرائيل منذ انتخابه".
ويفيد الكاتب بأن "شهادة فريدمان، التي كتبها على ما يبدو المتشددون في البيت الأبيض، حيث وقف مع التصريحات الكاذبة التي أطلقها نتنياهو قبل يوم من شهادته، وهي أن الفلسطينيين رفضوا الاعتراف بإسرائيل أو نبذ العنف، وأنهم يدفعون المال لقتلة الإسرائيليين، وهذا كله مع أن منظمة التحرير اعترفت بإسرائيل ونبذت العنف قبل عقود".
وينوه الخالدي إلى أن "عائلات 35 ألف فلسطيني قتلتهم إسرائيل منذ عام 1967 يتلقون مساعدات، بمن فيهم أؤلئك الذين قاموا بأعمال عنف ضد إسرائيل واحتلالها العسكري، لكن العدد، وهو أكبر من الجنود والمستوطنين الذين قتلوا، يساعد على فهم العنف، وهو الثمن الذي يدفعه الاحتلال الذي ينكر فريدمان ونتنياهو وجوده".
ويقول الكاتب: "كما قال نتنياهو وهو يقف إلى جانب ترامب: (أطلق على اليهود اسم اليهود لأنهم جاءوا من يهودا، وهذه هي أرض أجدادنا، واليهود ليسوا مستعمرين غرباء عن يهودا)، وهذا بالضبط ما يؤمن به فريدمان، الذي جمع ملايين الدولارات المعفاة من الضريبة لبناء المستوطنات على الأراضي الخاصة، التي سرقت من أراضي الفلسطينيين في (يهودا)، ومن الواضح أن إدارة ترامب حركت الأهداف وجعلتها تميل لصالح أكثر الحكومات تطرفا في تاريخ إسرائيل".
ويرى الخالدي أنه "من الضروري في هذا العالم الجديد الشجاع، أكثر من أي وقت آخر، أن يتجاوز الفلسطينيون خلافاتهم الداخلية، وعليهم رفض الضغوط من الأطراف الخارجية التي عملت على تشتيت حركتهم الوطنية، وعليهم أن يتقدموا باستراتيجية واضحة للمستقبل، تدعو إلى مساواة كاملة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فربما قدم لهم ترامب الفرصة ليضعوا الخطوط العامة لما يجب أن تكون عليه الدولة الواحدة أو الدولة ثنائية الجنسية أو الكونفدرالية ككيان عدل ومساواة".
ويخلص الكاتب إلى القول: "على أي حال فإن خروجا من الاستراتيجية الفاشلة للقيادة الضعيفة في كل من رام الله وغزة يمكن أن يقدم بديلا حقيقيا عن المستقبل الغريب من التشريد والاضطهاد الذي يتصوره كل من ترامب ونتنياهو لهم".