نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للصحافي المتخصص بالعلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي لورنس بنتاك، بدأه بوصف جهود تصنيف الإخوان المسلمين "منظمة أجنبية إرهابية"، على أنها الكأس المقدسة بالنسبة لجماعة الضغط المعادية للإسلام.
ويقول الكاتب إن هذا التحرك قد يفتح الباب على مصراعيه ضد المسلمين الأمريكيين، ويشل السياسة الأمريكية في العالم الإسلامي، وقد يؤثر في السياسة الأمريكية المحلية، مشيرا إلى أن المسؤولين في إدارة الرئيس
ترامب يقومون بمناقشة إصدار قرار تنفيذي لإنفاذ هذا التصنيف، في الوقت الذي يقوم فيه المؤيدون في الكونغرس بالدفع نحو إصدار قانون يخدم الهدف ذاته.
ويورد المقال، الذي ترجمته "
عربي21"، نقلا عن السفير الأمريكي السابق في أربع دول عربية، بالإضافة إلى باكستان وأفغانستان، ريان كروكر، تعليقه قائلا إن مثل هذا التحرك سيغذي التوجه القائل بأن عداوة المسلمين متأصلة لدى أمريكا؛ "لأنه في الوقت الذي يبدو فيه ترامب والمقربون منه لا معرفة لهم البتة بكيفية تنظيم الإخوان، وكم من الاستقلالية التي يتمتع بها كل تنظيم محلي، بحيث سيبعث هذا برسالة استخدام فرشاة عريضة: فكل ما تحتاجه هو أن تكون مسلما حتى توضع على القائمة السوداء".
وتشير المجلة إلى أن رئيس المعهد العربي الأمريكي جيمس زغبي، يعلق قائلا إنه "قد ينظر إلى مقترح تصنيف الإخوان المسلمين محليا "على أنه رصاصة فضية، لكنه في الواقع أقرب إلى كونه قنبلة عنقودية ستتسبب بأضرار في كل مكان".
ويجد بنتاك أن هذا التحرك يهدد بإدخال لعبة إسلاموفوبيا محلية على الثقافة الأمريكية تزيد من الشكوك حول أي شخص وبعده أو قربه من مؤيدي الجهاد.
ويحاول الكاتب إيضاح ذلك، بالقول إن "حركة الإخوان المسلمين هي الجد لمعظم الحركات الإسلامية السياسية الموجودة المسالمة منها والعنيفة، ومعظم الناشطين السياسيين الذين هاجروا إلى أمريكا، وأوجدوا المؤسسات المدنية الإسلامية كانوا إما أعضاء في الإخوان المسلمين، أو لهم أصدقاء في جماعة الإخوان المسلمين، وكما هو في لعبة كيفين بيكون، (لعبة قائمة على فيلم 6 درجات، الذي يقوم على نظرية أن هناك 6 درجات من العلاقات الشخصية تفصل بين أي شخصين في العالم)، فلو أمعنت النظر في أي مؤسسة إسلامية في أمريكا ستجد فيها على الأقل رابطا عابرا يربطها بالإخوان المسلمين".
ويضيف بنتاك: "يعرف عضو الكونغرس عن الحزب الديمقراطي كيث أليسون، وهو أحد عضوين مسلمين، كيف يمكن تشويه سمعة شخص بسبب علاقاته، ولطالما اتهمته شبكة مواقع معادية للمسلمين بكونه يعمل لصالح الإخوان المسلمين، خاصة عندما أعلن عن ترشحه لرئاسة لجنة اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي، حيث اتهم بأنه (متعاون مع الإخوان المسلمين)".
ويتابع الكاتب قائلا: "قال لي أليسون في مقابلة العام الماضي: (تبدو مصابا بجنون العظمة عندما تقول إن هناك حركة ممولة جيدا ومنظمة لترويج العداء للمسلمين.. لكن الحقيقة إن ذلك صحيح وموثق بشكل جيد)، وإن تم وضع الإخوان على قائمة
الإرهاب وفاز أليسون بزعامة الحزب الديمقراطي، فإن ذلك سيعطي الجمهوريين حجة أخرى لمهاجمته ومهاجمة الحزب الديمقراطي، وقد تحسنت نظرة الأمريكيين للإخوان المسلمين بشكل كبير خلال حملة الانتخابات الرئاسية، لكن هذا التحول كان على مستوى الأحزاب، وكله تقريبا بين المستقلين والديمقراطيين، حيث تصل نسبة الذين يتبنون نظرة إيجابية للإسلام بينهم إلى 81%، بحسب استطلاع لمعهد بروكنغز".
ويقول زغبي: "تحصل على نقاط عندما تهاجم المسلمين في الجانب الجمهوري، ولا تحصل على تلك النقاط في الجانب الديمقراطي",
وتلفت المجلة إلى أن إدارة ترامب تملك السلطة للقيام بتصنيف الإخوان المسلمين منظمة إرهابية أجنبية من جانب واحد، فبحسب القانون المعمول به الآن، فإنه يتم التنسيب من مكتب مكافحة الإرهاب التابع لوزارة الخارجية، فإن وافق وزير الخارجية بعد مشاورات مع المدعي العام وسكرتير وزارة المالية، يتم الإدراج، ويمنح الكونغرس 7 أيام ليعارض، وإن لم يعارض الكونغرس تلتحق المنظمة بالقائمة، التي تضم 61 منظمة، من تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة وحتى أوم شنريكيو في اليابان.
ويقول بنتاك: "أخبرتني مصادر من وزارة الخارجية بأن خبراء الشرق الأوسط يجادلون ضد إدراج الإخوان على قائمة الإرهاب؛ وذلك بسبب أثر مثل هذه الخطوة في السياسة الخارجية من ناحية، وعدم وجود ما يكفي من الأدلة بأن المجموعة تورطت في أنشطة إرهابية أو تهديد أمن مواطنين أمريكيين من ناحية أخرى، لكن وزير الخارجية الجديد ركس تيلرسون، قام بوضع الإخوان مع مجموعات ارتكبت هجمات مباشرة ضد مصالح أمريكية".
وينقل المقال عن تيلرسون قوله الشهر الماضي في شهادته أمام جلسة استماع التعيين: "إن نهاية تنظيم الدولة ستساعدنا على زيادة تركيزنا على وكلاء الإسلام الراديكالي الآخرين، مثل تنظيم القاعدة والإخوان المسلمين وبعض العناصر في إيران".
وتنوه المجلة إلى أن السيناتور تيد كروز والنائب دياز بالارت، قدما مشروع قانون يمنح وزير الخارجية 60 يوما لتقديم تقرير للكونغرس إن كان يعتقد بأن الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، مشيرة إلى أن هذا سيعطي غطاء سياسيا لإدارة ترامب إن هي احتاجت لذلك، خاصة بعد فشلها في حظر الهجرة.
ويورد الكاتب نقلا عن دياز بالارت، قوله في تقديمه لمشروع القانون: "سيفرض هذا القانون عقوبات صارمة على مجموعة بغيضة نشرت العنف، ونتجت عنها حركات متطرفة في أنحاء الشرق الأوسط.. وتصنيف الإخوان المسلمين حركة إرهابية خطوة مهمة لهزيمة المتطرفين العنيفين".
وتستدرك المجلة بأن الخبراء يختلفون مع هذه النظرة المبسطة للإخوان المسلمين، حيث يقول مدير برنامج دراسة التطرف في جامعة جورج واشنطن لورينزو فيدينو: "هناك حمض نووي مشترك، أي هناك مجموعة أفكار ومعتقدات مشتركة.. لكن هناك مجموعات مختلفة جدا وكيانات مختلفة جدا، وإن كانت للإخوان في اليمن علاقات حالية مع الإرهاب وتورطوا في العنف، فإن الإخوان في تونس كائن مختلف تماما، تصرف بطريقة مختلفة تماما".
وينقل المقال عن ريان كروكر، قوله إنه عندما كان سفيرا في العراق كان الإخوان المسلمون هم الحلفاء الرئيسيون لأمريكا بين سنة العراق، وفي حال وضع الإخوان على قائمة الإرهاب فإن بناء مثل هذه التحالفات لن يكون خيارا في أي مكان.
ويبين الكاتب أن "هذا التحرك سيعرقل في سوريا مقدرة أمريكا على العمل مع معارضة رئيس النظام السوري بشار الأسد، وسيجد الدبلوماسيون الأمريكيون أنفسهم ممنوعين من الحديث للبرلمانيين من تونس إلى الكويت، حيث يتضمن الأعضاء معارضة من الإخوان".
ويعتقد كروكر بأن ذلك سيعيق الدبلوماسية الأمريكية، ويخلق تطرفا أكبر، ويقلق من أن ذلك سيشل إمكانية أمريكا من العمل مع المجموعات السنية المعتدلة المعارضة للمتطرفين، مثل تنظيم الدولة.
وتشير المجلة إلى أن كلا من الإمارات والسعودية صنفتا الإخوان منظمة إرهابية، مستدركة بأن السعودية تدرس اتخاذ خطوات لشطب اسم الحركة من قائمة الإرهاب، خاصة أن القرار اتخذ لأسباب سياسية وليست أمنية.
ويذهب المقال إلى أنه على المستوى المحلي في أمريكا، فإن تصنيف الإخوان منظمة إرهابية سيؤثر في الحريات المدنية للمسلمين الأمريكيين، حيث يقول كوري سيلر من مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية: "نظرية المؤامرة تعد أن كل مؤسسة إسلامية في الولايات المتحدة هي واجهة للإخوان المسلمين، وأن كلنا جزء من خطة لتقويض الولايات المتحدة من الداخل"، لافتا إلى أنه عادة ما يتهم المجلس بكونه واجهة للإخوان المسلمين، وهو ما ينكره المجلس بشدة.
ويورد بنتاك نقلا عن مؤلف كتاب (صناعة الإسلاموفوبيا) ناثان ليان، قوله: "إن الهدف ليس إغلاق الإخوان المسلمين، بل الهدف هو شن حرب ضد المسلمين والمؤسسات المرتبطة بهم"، ويقول العميل السابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي مايكل جيرمان، الذي أصبح زميلا في مركز برينان للعدالة التابع لجامعة نيويورك، إن تجربة المجموعات التي اتهمت بالإرهاب تحت إدارة جورج بوش الابن كانت مأساوية، حيث استخدمت الحكومة ما يسمى "ملفات الأدلة السرية"، ما عنى أن تلك المجموعات لم تستطع الدفاع عن نفسها؛ لأنها لم تعرف ما هي متهمة به، وما هي الأدلة على ذلك، وتم تجميد أموال الكثير من المجموعات التي اتهمت بأن لها علاقة بالإرهاب، لكنها لم تدن بارتكاب أي جريمة.
وترى المجلة أن "الفرق بين الجهود الماضية لإدراج اسم الإخوان على قائمة الإرهاب والجهود الحالية، هو أن مؤيدي نظرية المؤامرة الإخوانية يتبوأون أو تبوأوا، كما هو حال مستشار الأمن السابق مايكل فلين، مواقع حساسة في البيت الأبيض، وعدا فلين، الذي وصف الإسلام بالسرطان، هناك كيلياني كونوي، التي قامت بنشر دراسة لفرانك غافني المعادي للمسلمين، ادعى فيها أن ربع المسلمين في أمريكا يرغبون في معاقبة الكفار، بالإضافة إلى أن مستشار البيت الأبيض ستيفن ميلر، مؤلف حظر هجرة المسلمين، وتتلمذ علي يد ديفيد هورويتز، الذي أطلق عليه مركز (سوذرن بوفيرتي لو سنتر): (عراب حركة معاداة المسلمين الحديثة)، وحذر المدعي العام جيف سيشنز من مخاطر التطرف بين (أطفال المهاجرين في أمريكا)".
وبحسب المقال، فإن المعادين للإسلام ادعوا لسنوات عديدة أن الإخوان المسلمين اخترقوا إدارة باراك أوباما، حيث تم ترديد هذه الادعاءات على موقع "بريتبارت" الذي كان يديره ستيف بانون.
ويبين بنتاك أن من ضمن المخترقين، بحسب هؤلاء مستشارة هيلاري كلينتون "هما عابدين"، بالإضافة إلى غروفر نوركويست وسهيل خان، ومن الناس الذين يرددون مثل هذه الدعايات المدير السابق لشركة "بلاكووتر" إريك برنس، شقيق وزيرة التعليم بيتسي دي فوس.
ويقول الكاتب إنه "يمكن العودة بتهمة أن 6 مسؤولين كبار في إدارة أوباما هم من الإخوان المسلمين، إلى قطعة من المعلومات الكاذبة نشرتها مجلة (روز اليوسف) المصرية قبل 7 أشهر من انقلاب الجيش على حكومة الإخوان المنتخبة ديمقراطيا، ويبدو أن ذلك التقرير كان من فعل الدولة العميقة".
وينوه المقال إلى أن أحد أهداف الحملة هو اتحاد الطلبة المسلمين، الذي له فروع في الجامعات الأمريكية، ويصف نفسه بأنه "منظمة غير ربحية تسعى إلى تسهيل التواصل والتعليم، وتمكين طلاب اليوم ليكونوا مواطني الغد"، مستدركا بأن ديفيد هورويتز يقول بأن فروع الاتحاد في الجامعات ما هي إلا "أذرع للإخوان المسلمين، التي هي رأس نبع الجهاد الإرهابي ضد الغرب".
وتلفت المجلة إلى أن "هناك أفراد معدودين على أصابع اليد كانوا في الاتحاد، ووجهت لهم تهم بالإرهاب، منهم العقل المدبر لهجمات 11 أيلول/ سبتمبر خالد شيخ محمد، وأنور العولقي، الذي كان رئيسا لفرع كولورادو في الاتحاد، لكن النسبة العظمى من المسلمين في الجامعات ينضمون إلى الاتحاد الذي ينظم أنشطة اجتماعية وبعثات، وينظم أنشطة خيرية.. فهل كلهم متهمون بسبب ذلك الانتماء؟ أكثر من أن يكون كل ضباط الشرطة مشتبه بهم لأن عددا من ضباط الشرطة الفاسدين يدانون كل عام؟".
ويحذر الكاتب في نهاية مقاله من العودة إلى المكارثية، بحيث يتم التعامل مع الإسلام، كما تم التعامل مع الشيوعية قبل ستة عقود.