شكك سياسيون وخبراء قانونيون واقتصاديون، في حقيقة تصريحات رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات بمصر، المستشار
هشام بدوي، الذي قال فيها إن "رئاسة الجمهورية والقوات المسلحة ووزارة الداخلية والمخابرات العامة وهيئة الرقابة الإدارية، يخضعون جميعا لرقابة الجهاز".
وزعم بدوي في مقابلة مع صحيفة "الأخبار" القومية، نُشرت الثلاثاء الماضي، أن هناك إدارة مستقلة ضمن الهيكل التنظيمي للجهاز، منوطا بها الرقابة على تلك الجهات في المجالات المحددة بقانون الجهاز.
وكان قائد الانقلاب بمصر عبدالفتاح
السيسي، كلف بدوي بمباشرة اختصاصات رئيس الجهاز السابق المستشار
هشام جنينة، الذي صدر قرار رئاسي بإعفائه من منصبه في آذار/ مارس 2016، بعد تصريحات الأخير بأن تكلفة الفساد في مؤسسات الدولة بلغت 600 مليار جنيه عن عام 2015.
وعمل بدوي محاميا عاما لنيابة أمن الدولة العليا، وباشر التحقيقات في العديد من قضايا جماعة الإخوان المسلمين، من بينها قضية "سلسبيل الثانية" التي تم الحكم فيها بسجن نائب المرشد العام للجماعة خيرت الشاطر، وعشرات من قياداتها، بتهمتي غسيل الأموال، وتمويل مليشيات مسلحة.
فساد.. إلا في الأجهزة السيادية
واعتبر رئيس المركز العربي للبحوث السياسية والاقتصادية، أحمد مطر، أن ما تصريح بدوي بشأن خضوع مؤسسات الدولة للمراقبة "لا يمكن الاعتداد به بأي حال من الأحوال".
وقال لـ"
عربي21" إن "هذه رسالة خادعة لا تستحق عناء قراءتها؛ فيها استخفاف بالقارئ، واستهزاء بالمتلقي"، مضيفا أن "مناقشة مثل هذا الهراء إضاعة للوقت، ولا يتوافق مع احترامنا لأنفسنا" على حد تعبيره.
ومنذ تولي بدوي رئاسة الجهاز؛ لم يصدر عنه أية تقارير بشأن وجود مخالفات، في مؤسسات الدولة، في حين يعلن جهاز الرقابة الإدارية، الذي يتولى مصطفى نجل السيسي منصبا قياديا فيه، عن ضبط قضايا فساد مالي بشكل يومي في العديد من مؤسسات الدولة، باستثناء الأجهزة السيادية.
"العسكري" هو من يراقب
من جهته؛ استبعد الخبير القانوني، السيد أبو الخير، أي دور للجهاز المركزي للمحاسبات في الرقابة، سواء على مؤسسة الرئاسة، أو المؤسسات السيادية الأخرى.
وقال لـ"
عربي21": "لا أعتقد بصحة هذه التصريحات، والعكس هو الصحيح؛ لأن المؤسسة العسكرية هي التي تراقب جميع أجهزة الدولة".
وأضاف أبو الخير أن "المؤسسة العسكرية توحشت واستحوذت على جميع مؤسسات الدولة، بما فيها الرئاسة"، مشيرا إلى أن "تصريحات رئيس الجهاز لا تعدو كونها أكثر من شو إعلامي، ودعاية للنظام على أنه يمثل دولة ديمقراطية، ودولة مؤسسات".
وتابع: "لو أراد بدوي أن ينفذ ما صرح به؛ فلن يمكث في منصبه أكثر من مدة تصريحه، وسيكون إما مطرودا أو معتقلا".
واجتمع السيسي مع بدوي في كانون الثاني/ يناير الماضي، في حين لم يلتق سلفه جنينة الذي ظل في منصبه زهاء عامين، بالرغم من وجوده على رأس أهم وأكبر جهاز رقابي مستقل في
مصر؛ تخضع جميع مؤسسات الدولة قانونيا لرقابته.
الجميع تحت الرقابة
وفي المقابل؛ قال رئيس حزب الجيل الديمقراطي، ناجي الشهابي، إن "للجهاز المركزي للمحاسبات الحق في الرقابة على مؤسسات الدولة، بما فيها مؤسسة الرئاسة، وفقا للدستور المصري، حيث إنه يشرف على ميزانيات تلك المؤسسات".
وأضاف لـ"
عربي21": "الرأي العام في مصر يتصور أن هناك أجهزة مصرية سيادية بعيدة عن رقابة الأجهزة الدستورية المنوط بها مراقبة ميزانياتها، وتأتي تلك الرسالة لتنفي تلك التصورات الخاطئة".
وأكد أنه "في الوقت الذي يراقب فيه الجهاز المركزي للمحاسبات ميزانيات مؤسسات الدولة للكشف عن أي مخالفات تتعلق بعمليات الإنفاق؛ يقوم جهاز الرقابة الإدارية بضبط الفاسدين، وكشف الفساد في تلك المؤسسات".
ربيب جهاز أمن الدولة
من جهته؛ قال المتحدث باسم حزب الحرية والعدالة السابق، أحمد الحوفي، إن "بدوي ربيب جهاز أمن الدولة الذي عمل فيه لفترة طويلة، والجميع يعلم ما هي مواصفات من يعملون في هذا الجهاز إبان عهد مبارك".
وأضاف لـ"
عربي21" أن "قول بدوي بأن المؤسسات السيادية تخضع لرقابته؛ لا يساوي قيمة الحبر الذي كتب به، إذ إن المقعد الذي يجلس عليه أقيل منه سلفه هشام جنينة على غير مقتضى مواد ما يسمى بدستور 2014، التي زعمت أن هذه الهيئات الرقابية محصنة ضد العزل".
وتساءل الحوفي: "ما قيمة أن يمارس بدوي الرقابة على من يملك أن يعزله؟".