أثار عرض ولي ولي العهد السعودي، الأمير
محمد بن سلمان، على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إرسال قوات سعودية لمحاربة تنظيم الدولة في
سوريا والعراق، تساؤلات حول جدية هذا العرض وإمكانية حدوثه بالفعل.
فالسعودية تقود حلفا عربيا في الحرب في اليمن ضد الحوثيين منذ 2015. ومنذ خوضها المعركة دعما للرئيس عبد ربه منصور هادي، فقد طرأ تغير على الدور السعودي في سوريا، لا سيما مع اقتراب رحيل إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في حينها، وبدا التأثير السعودي بالملف السوري خافتا مقارنة بدور غريمتها في الإقليم إيران، وكل من روسيا وأمريكا وتركيا.
وتراجعت سوريا في أجندة السياسة الخارجية
السعودية، حتى مجيء الإدارة الأمريكية الجديدة، وقرأ باحثون في حديثهم لـ"
عربي21"، أن السعودية كانت تنتظر الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة دونالد ترامب.
وكان الأكاديمي والمحلل السياسي السعودي حمدان الشهري، قال في وقت سابق لـ"
عربي21"، إن السعودية تنتظر ما ستقدمه الإدارة الجديدة للقضية السورية وغيرها من القضايا".
وأوضح أنه "إذا كان الأمريكان جديين في مثل هذه الملفات، فإن الرياض ستتحدث معهم بملفات المنطقة بشكل جدي أيضا".
وعلق رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشورى السعودي، زهير الحارثي، على ذلك بالقول، إن زيارة الأمير محمد بن سلمان الأخيرة للولايات المتحدة أوضحت أن الإدارة الأمريكية الجديدة لديها تفهم جديد، وأنها تريد إعادة صياغة سياستها في المنطقة بما يخدم مصالح المنطقة واستقرارها.
وعن العرض السعودي الذي قدمه الأمير محمد بن سلمان لترامب، قال الحارثي لـ"
عربي21"، إن "السعودية سبق أن طرحت هذه الأفكار للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، ولكنه لم يتحمس لها".
وقال: "كان هناك تقاعس أمريكي للإدارة السابقة التي خذلت جميع الحلفاء، وساهمت في إرباك المشهد السياسي في المنطقة".
اقرأ أيضا: هل تراجعت سوريا في أجندة السياسة الخارجية السعودية؟
وأضاف في معرض حديثه عن العرض السعودي، أن موقف الرياض واضح ومعلن، حتى إن مستشار الأمير محمد بن سلمان العسكري أشار إلى هذا مسبقا، بأن السعودية مستعدة لمثل هذا السيناريو، طالما أن الأمر يأتي تحت مظلة التحالف الدولي وبتنسيق مع الولايات المتحدة، مشيرا إلى أنه "إذا تم الترتيب لهذه الأمور، فإن السعودية مستعدة بالفعل".
وعن مسألة مشاركة قوات سعودية ميدانيا، أكد أنه إذا كانت هناك نية للتحالف الدولي ودعت الحاجة إلى وجود هذه القوات على الأرض السورية، فستشارك السعودية انطلاقا من قناعتها بأنها جزء من المجتمع الدولي.
وحول قدرة السعودية على تحمل تكلفة مشاركتها ميدانيا في سوريا في الوقت الذي تقود فيه حلفا عربيا في اليمن ضد الحوثيين، قال إن هناك "مبالغات"، موضحا أن "العملية ستكون مشتركة، تجمع أكثر من دولة، وسيتم طرح ما يمكن أن تقدمه هذه الدولة أو تلك".
وقال: "نحن نتكلم عن تعاون مشترك بين دول وليس اجتهادا فرديا، فالسعودية ليست وحدها، بل إن هناك دولا أخرى".
وشدد على أن "السعودية ليست تتحمل تكاليف هذا الأمر وحدها، فهي تحاول أن تقدم جهدا حقيقيا كعضو في المجتمع الدولي، ودولة معتدلة تحاول أن تكرس مفهوم الأمن والاستقرار في المنطقة"، وفق تعبيره.
كلفة التدخل السعودي ميدانيا
ولم يوافق الخبير العسكري، الدكتور فايز الدويري، الحديث عن تحمل السعودية كلفة التدخل ميدانيا في سوريا والعراق، ولفت إلى أن السعودية "منغمسة" بالفعل في عاصفة الحزم في اليمن، وقال إن أي مشاركة في جبهة ثانية، يصعب الأمور عليها عسكريا.
وقال لـ"
عربي21"، إن "القدرات السعودية لا تسمح بإنشاء عاصفة حزم في الشمال كتلك التي في الجنوب، أي فتح جبهتين، واحدة في اليمن وأخرى في سوريا"، مضيفا أن "هذا أمر صعب، فالسعودية منذ 2015 في اليمن، ولم تحسم المعركة هناك، والأمر ما زال يحتاج إلى سنوات لحسمه هناك".
واعتبر الدويري أن تصريح الأمير محمد بن سلمان "ليس أكثر من تسجيل موقف سياسي".
وأوضح أن "الحديث عن مشاركة سعودية ودول عربية في محاربة داعش، سبق الحديث عنه، ولكن العراق رفض العرض، ولم تكن هناك استجابة من النظام في سوريا".
وقال إن هذا الأمر لن يتحرك لسبب بسيط، أن الدور السعودي في العراق يتوقف على محاولة استعادة العلاقات من أجل الحد من النفوذ الإيراني، ومحاولة إعادة العراق للصف العربي، وهذا أقصى ما تطمح إليه السعودية اليوم هناك.
أما في سوريا، فإن الدور السعودي، إلى الآن، ليس أكثر من أن يستضيف الهيئة العليا للتفاوض، إلى جانب محاولة الرياض الإبقاء على نفسها ضمن المشهد، فالمشهد السوري الآن أصبح متنازعا عليه بين أمريكا وروسيا وتركيا وإيران.
اقرأ أيضا: الرياض عرضت على واشنطن المساعدة في الحرب على "الدولة"
وتابع الدويري بأن "الموقف العربي نفسه أصبح في أضعف حالاته، لأن المعارضة المسلحة المدعومة من الدول العربية أصبحت في أضعف حالاتها".
إلا أن عضو مجلس الشورى السعودي، رأى أن "هناك عدوا موحدا لكل المجتمع الدولي، والسعودية إحدى تلك الدول، وإن مسألة الإرهاب الذي يهدد العالم كله، تحتم أن يكون هناك تعاون، وهذه هي رسالة السعودية، بأن تكون هناك جهود دولية لمجابهة الإرهاب"، بحسب قوله.