ما هي التناقضات والتحديات التي أحبطت جزئيا علاقة الولايات المتحدة بالدول العربية في الخليج، التي دفعت الكثير من أمريكيين، كان ترامب منهم، إلى نسيان عقود من التعاون معها، وهو ما أظهره "الموقف هذا النهار" يوم السبت الماضي؟
هي كثيرة في رأي باحث أمريكي جدّي شغل مواقع ذات صلة في الشرق الأوسط، أولاها أن التعامل بين أمريكا ودول الخليج الست لم يكن بين فريقين. بل كان ثنائيا، أي بين أمريكا وكل واحدة منها، وليس بين أمريكا و"مجلس
التعاون الخليجي" الذي يضمّها.
وثانيتها، أن سجل هذه الدول في التصرّف كتحالف عسكري موحّد لم يكن يوما إلا مُرعبا. وفشل "مجلسها" والمنظمة الأمنية التي أسّست عام 1981 في إنجاز أي اندماج عسكري ذا معنى مَثَل صارخ على ذلك.
وهو لا يعود إلى عدم حثّ أمريكا إياها للذهاب في هذا الاتجاه، بل إلى فقدان الثقة، ووجود تباينات بينها، أي بين أعضاء "مجلس التعاون".
وثالثتها، الدعم الخاص السعودي والإماراتي للإيديولوجيا الجهادية المتشدّدة، وللمجموعات التي تسعى واشنطن إلى إلحاق الهزيمة بها.
وفي هذا المجال، يمكن القول إن إدارة ترامب لن تحصل من السنّة العرب على ما تطلبه إذا لم تعدّل بعض سياساتها. فالبيت الأبيض الحالي على ما يتردّد يريد تكوين حلف عسكري مناهض لإيران.
وقد بدأ التشاور في ذلك مع حكومات عربية سنّية. وهو يعتبر المساعدة الأمريكية العسكرية للحملة التي تقودها
السعودية في
اليمن دليلا على الشراكة الجديدة التي يسعى إليها.
وهذا الأمر لا يطمئن أحدا، بل على العكس، فإنه يتسبّب بدُوار. فالحملة السعودية- الاماراتية الهادفة إلى هزيمة المتمرّدين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن كانت كارثية، جرّاء الدمار الهائل الذي أحدثته، والضحايا المدنية التي أوقعتها، فضلاً عن العذاب الإنساني الكبير.
فضلاً عن أن الجهود الديبلوماسية للرياض وأبوظبي للتوصل إلى تسوية متفاوض عليها في اليمن أخفقت على نحو كامل.
وهذه كلها مشكلات لا تريد أمريكا أن يكون لها أي دور مركزي فيها.
ورابعة التناقضات والتحديات، هي عدم امتلاك الدول العربية السنّية (في الخليج) نفوذا في العراق، أو مدخلا إليه، أو حلفاء فيه، لتقديم المساعدة إليهم في الحرب الدائرة فيه على "الدولة الإسلامية" (
داعش)، وللمساهمة في إضعاف سلطة مجموعة المليشيات الشيعية التي تعمل بالوكالة عن إيران، والمساعدة في استقرار العراق، وإعادة بنائه بعد طرد "الدولة الاسلامية" من الموصل.
ربما تحقّق دول الخليج العربية نجاحا في منع توسّع النفوذ الإيراني في البحرين، لكن ذلك مرهون بممارستها الضغط اللازم على البحرين، لتخفيف ضغطها القمعي على المعارضين في هذه المملكة الصغيرة، وكلّهم شيعة.
علما بأن الضبط المذكور هو الذي يزوّد إيران فرصا كثيرة وكبيرة لإثارة البحرانيين الشيعة قبلها، وهذا أمر لم يبدُ يوما أن السعوديين في وارد ممارسته أو دعوة حكّام البحرين إلى تنفيذه، خوفا من أن تؤدي أي تسوية فيها إلى مطالبات بتسوية مماثلة في السعودية الجارة. وذلك قد يهدّدها نظاما وعائلة.
وخامسة التناقضات والتحديات، تلقّي دول الخليج اقتراحات أمريكية بالعمل معا للدفاع البحري عن "الخليج الفارسي" بكثير من الفتور.
في اختصار، لا يمكن صد ورد وإضعاف النفوذ الإقليمي لإيران من دون تعريض أهداف أمريكية أخرى للأخطار والمخاطر.
ذلك أن الايرانيين والعاملين معهم يتمتعون بميزات بل بأفضليات مهمّة على الأرض.
وسادسة التناقضات والتحديات، تتعلّق بسوريا والحرب المتنوّعة الدائرة فيها.
وفي هذا المجال، فإن "تجنيد" الدول العربية للعب دور أكبر في السياسة الأمريكية حيال سوريا يبقى مجرّد اختبار فكري، ولا يرقى إلى مرتبة الحقيقة الواقعية.
فدول الخليج سترحّب بتعهّد ترامب محو "الدولة الإسلامية"، لكنها لن تتجاوز ذلك إلى الترحيب بإرادته التعامل مع روسيا كشريك رئيس لتمرير ما يحدث داخل هذه الدولة، خصوصا إذا أدى ذلك إلى بقاء نظام الأسد وإلى قطع الدعم عن المعارضة السورية العربية.
ماذا عن سابعة التناقضات والتحديات هذه؟
(عن صحيفة النهار اللبنانية)