شعر أنصار "محور المُمانعة" المؤلَّف من إيران وسوريا الأسد و"حزب الله" بالسعادة عندما قالت أميركا دونالد ترامب بلسانه ثم بلسان وزير خارجيّتها ومندوبتها في الأمم المتحدة أن هدفها الأوّل هو ضرب الإرهاب وتنظيماته و"داعش" من ضمنها. أمّا إطاحة الرئيس بشار الأسد فليست هدفاً لها معتبرة أن الشعب السوري هو الذي يُقرّر ذلك. وشعر أعداؤه في المنطقة بالقلق والتوجّس وحتى الخوف. وشعر أنصار المحور نفسه بالسعادة أيضاً عندما سمعوا قائده الوليّ الفقيه السيد علي خامنئي يسأل علانيّة رئيس الجمهوريّة في بلاده: ما فائدة "الاتفاق النووي" الذي وقّعناه؟ ماذا حصّلت منه للبلاد؟ بضعة مليارات من الدولارات الأميركيّة. وبقيت العقوبات". أمّا أعداؤه فقد انتابهم مع بدء الولاية الرئاسيّة لترامب شعور بالسعادة بسبب عدائه لإيران الإسلاميّة واعتبارها الراعية الأولى للإرهاب في العالم، ولاحتمال انعكاس ذلك عملاً عسكرياً ضدّها مباشرة أو ضد حلفائها.
هل المشاعر المُشار إليها أعلاه في محلّها؟
المُتابعون بموضوعية ودقّة للمنطقة وتطوّراتها والمتدخّلين فيها من خارجها يعتقدون أنها بعيدة من الواقعيّة. فأميركا باراك أوباما دعت غير مرّة الرئيس الأسد إلى التنحّي وهاجمته. لكن موقفها بقي نظريّاً لأن خطّة عمليّة سياسيّة – عسكريّة لتنفيذه لم توضع، ولأن قرار رئيسها كان دائماً الابتعاد عن التورّط العسكري المباشر. وأميركا ترامب تفعل الشيء نفسه ولكن في صورة عكسيّة. فهي تُعلن عدم اهتمامها بتنحّيه وتركّز على الإرهاب. ولا يعني ذلك طبعاً أنها تحميه وستفعل ما في وسعها لبقائه في السلطة، أو أنّها ستتعاون وعدوّها الإيراني وخصمها بل منافسها الروسي لوقف الحرب في سوريا بتسوية تبقيه رئيساً وتبقي نظامه حاكِماً. المهم الذي قالته أن الشعب السوري هو الذي سيُقرّر هذا الأمر. وفي رأي الأميركيّين سواء انتموا لترامب أو لأوباما، أي لمنطق كل منهما، الشعب يعني كل الشعب أي القسم الباقي في سوريا منه سواء أيّدوا كلّهم الأسد ودافعوا عسكريّاً عنه أو اختاروا البقاء تحت حمايته لأسباب واقعيّة ومصالح رغم عدم تأييدهم له، والقسم المهجّر منها بالقوّة العسكريّة وخوفاً من الحرب إلى لبنان والأردن وتركيا ودول عربيّة وإسلاميّة أخرى. فضلاً عن الذين وصلوا إلى أوروبا وأميركا وأوستراليا وصاروا يشكّلون عبئاً عليها. وفي رأيهم أيضاً أن الانتخاب يجب أن يشارك فيه الفريقان بحريّة تامّة داخل سوريا وخارجها بضمان من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي ومؤسّساتهما المتنوّعة. وفي انتخاب كهذا يشكّ العاقلون في أن يفوز الرئيس بشّار الأسد بولاية رئاسيّة جديدة. إلّا إذا اعتبر أن شعب بلاده هو الباقي فيها، وأنه قادر على الحصول على غالبيّة كبيرة من أصواته للسببين المذكورين أعلاه. ويدل ذلك في وضوح على أن سعادة أنصار "محور الممانعة" وقلق اعدائه في غير محلّهما.
ماذا عن شعور السعادة الذي يتشارك فيه أنصار المحور نفسه وقائدته إيران وأعداؤهما؟
يُجيب المُتابعون بموضوعيّة وبدقّة أوضاع المنطقة أنفسهم أن سعادة أنصار "المحور" تسبّبت بها "بروباغندا" النظام الإيراني أي إعلامه الدعائي. أمّا قادته أو معظمهم فيعرفون حقائق كثيرة أدّى بعضها إلى الوضع الإقليمي الحالي غير المريح له رغم "الإنجازات" التي حقّقهما بعد تدخّل روسيا عام 2015. لكن "الإنجازات" تبقى موقّتة إذا لم تتحوّل انتصارات. والتحوّل لم يحصل حتى الآن الأمر الذي ربّما يُحدِث بعض التشوّش والإرباك أو على الأقل القلق لأن لا مكان عنده للخوف. علماً أن معرفتهم هذه لا تمنع استمرار "البروباغندا" لأن في وقفها أذىً كبيراً. من الحقائق أن "الاتفاق النووي" نفّذت قسماً منه إدارة أوباما التي وقّعته بعد تفاوض مع إيران قامت به ست دول. لكنّها امتنعت عن تنفيذ الباقي لا إخلالاً بمضمونه ولكن لأن القيادة فيها أخلّت بالتزامات معيّنة قد يكون أبرزها التفاوض بعد النووي مع أميركا على قضايا الشرق الأوسط. فهي أخذت النووي وتابعت تنفيذ مشروعها الاقليمي. وطبيعي في حال كهذه أن تتقيّد واشنطن بحرفيّة النص الموقّع.
أمّا سعادة أعداء "محور الممانعة" فنابعة من عداء ترامب لإيران ومن تمنٍّ أن يترجم عداءه حرباً شرسة عليها مباشرة أو بالواسطة. فهل ستحصل هذه الترجمة؟ وكيف؟ والجواب غير المباشر عن هذين السؤالين وأسئلة كثيرة أخرى متفرّعة عنهما هو أن ما تريده أميركا ترامب وما أرادته أميركا أوباما وغيرهما في المنطقة: "إسرائيل آمنة وإيران مُنضبطة ولا دولة خلافة".