تشهد العلاقات التركية الألمانية في الآونة الأخيرة أزمة غير مسبوقة بسبب دعم برلين للتنظيمات الإرهابية التي تستهدف أمن تركيا واستقرارها، مثل حزب العمال الكردستاني والكيان الموازي، وانحيازها السافر للجبهة المعارضة للتعديلات الدستورية التي سيصوت عليها الناخبون الأتراك في السادس عشر من الشهر القادم.
ألمانيا تحتضن منذ سنين قادة حزب العمال الكرستاني، وتمنح لمؤسساته وجمعياته حرية التحرك وإقامة فعاليات مختلفة. وتقوم المنظمة الإرهابية هذه الأيام بتنظيم مسيرات ومظاهرات وندوات في أنحاء ألمانيا، تحت أعلام حزب العمال الكردستاني وزعيمه عبد الله أوجلان، لحث أبناء الجالية التركية على رفض التعديلات الدستورية. وفي مقابل ذلك، لا تسمح السلطات الألمانية للمؤيدين للتعديلات الدستورية بتنظيم فعاليات للدعوة إلى التصويت لصالح حزمة التعديلات في الاستفتاء الشعبي.
انحياز برلين لتنظيمات إرهابية تستهدف أمن تركيا واستقرارها ليس مقتصرا على حزب العمال الكردستاني، بل أصبحت ألمانيا ملاذا آمنا لأعضاء الكيان الموازي، التنظيم السري لجماعة كولن، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي قام بها ضباط موالون للجماعة في 15 يوليو / تموز 2016. وأشارت وسائل الإعلام التركية والألمانية، إلى أن 40 ضابطا تركيًّا ينتمي إلى الكيان الموازي ويعمل خارج البلاد في مؤسسات حلف الشمال الأطلسي، رفضوا العودة إلى تركيا بعد فشل محاولة الانقلاب، وتقدموا بطلب اللجوء إلى ألمانيا، كما ذكرت صحيفة "قرار" التركية أن 280 تركيًّا من العسكريين والأكاديميين والدبلوماسيين ورجال القضاء والصحفيين المنتمين إلى جماعة كولن تقدموا إلى السلطات الألمانية بطلب اللجوء.
رئيس جهاز المخابرات الخارجية الألماني برونو كال، في مقابلة مع مجلة دير شبيغل الألمانية، السبت الماضي، أدلى بتصريحات مثيرة شكَّك فيها وقوف الجماعة التي يتزعمها فتح الله كولن وراء محاولة الانقلاب الفاشلة، وادَّعى أن جماعة كولن لا يمكن اعتبارها جماعة إسلامية متطرفة أو تنظيما إرهابيا، وقال إنها جماعة مدنِيَّة تقوم بأنشطة تعليمية دينية وعلمانية.
هذه التصريحات أثارت موجة غضب في تركيا. وقامت وزارة الخارجية التركية باستدعاء القائم بأعمال السفارة الألمانية في أنقرة، للاحتجاج على تصريحات رئيس جهاز المخابرات الخارجية الألماني، كما ذكر الناطق باسم رئاسة الجمهورية التركية، إبراهيم كالين، أن ألمانيا تدافع عن تنظيم الكيان الموازي الإرهابي، مؤكدا أن هذه التصريحات تشير إلى أن برلين سوف تقف إلى جانب جماعة كولن كما وقفت إلى جانب حزب العمال الكردستاني. وأضاف كالين قائلا: "يبدو أنهم وجدوا أدوات صالحة للاستعمال وسيستخدمونها ضد تركيا".
الكاتب الصحفي التركي، مراد يتكين، في قراءته لتصريحات كان وكالين وتطورات الأزمة الأخيرة بين أنقرة وبرلين، لفت إلى أن رئيس جهاز المخابرات الخارجية الألماني لا يمكن أن يدلي بمثل هذه التصريحات دون علم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وموافقتها عليها. وذكر يتكين، في مقاله المنشور بصحيفة "حرِّيت" التركية، الاثنين، أن أنقرة تشتبه بأن برلين قررت حماية جماعة كولن واستغلال الشبكة الواسعة التي أسَّستها الجماعة في أنحاء العالم. ونقل الكاتب التركي عن مصادر أمنية قولها إن برلين ترى أن الجماعة يمكن أن توفر للمخابرات الألمانية معلومات استخباراتية غنية من خلال الضباط والدبلوماسيين الذين طلبوا اللجوء، بالإضافة إلى كوادرها المنتشرة في أكثر من مائة دولة.
جماعة كولن بذلت منذ 40 سنة جهودا حثيثة للتغلغل في أجهزة الدولة في تركيا، وأسَّست شبكة واسعة تشبه شبكات الاستخبارات والتجسس، وتحولت خلاياها إلى كيان موازي داخل الدولة، إلا أن جهودها لم تكن مقتصرة على تركيا فقط، بل نجحت في اختراق دول وحكومات عديدة من خلال أنشطتها التعليمية والاقتصادية وعلاقاتها الوثيقة مع اللوبيهات والجهات الغربية، بالإضافة إلى ارتباطها المشبوه بأجهزة استخبارات كوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي إيه". إلا أن رجال الجماعة التي تملك كما هائلا من الكوادر المؤهلة أصبحوا بعد فشل محاولة الانقلاب مطاردين وبلا وطن. ولذلك، من الطبيعي أن يعرضوا على أعداء تركيا خدماتهم من أجل الاسترزاق وحماية أنفسهم والنكاية بحكومة تركيا وشعبها الذي تصدى لدبابات الانقلابيين ولم يسمح لجماعة كولن بالسيطرة على البلاد.