محامي خلع – 2002 للمخرج محمد ياسين
على كرسي بحديقة عامة، يجلس سامح يحتسي خمرا وهو في حالة يرثى لها بعد أن خلعته زوجته، فلم يجد غير مشرد شاءت الصدفة يوما أن يقع على هاتف زوجته بعد أن رمته وهي تخاطبه، فصار سامح يشكو له متاعبه من حين لآخر.
المشرد: طب وايه ايلي خلاك توصل للحاله ده؟
سامح: هي ايلي عملت فيا كده.. بس أنا مش حاسكت.. أنا حقلب الدنيا
المشرد: قشطة يا سموحة.. قشطة.. اسخن كده.. بعدين انت من غير ما تقلب الدنيا، اشرب والدنيا حتتقلب منها فيها كده
سامح: أنا تبهدلت أوي يا ...
المشرد: سرمبار
سامح: ايه؟
سرمبار: أستاذ سرمبار. فيها حاجة ده؟ وبعدين على رأي المثل ايلي بيقول: تصاحب راجل تعيش راجل تموت راجل. تصاحب ست تخسر كل يوم راجل.
سامح: أنا مصحبتهاش.. أنا تجوزتها
سرمبار: أنيل.. يا ريتك كنت صاحبتها.. وبعدين ولا يهمك. روق يا سموحة.. انت كده حتخليني أعيط.. انت حتقابلها ثاني ايمتا؟
سامح: ليه؟ عايزني أشوفها ثاني ليه؟
سرمبار: عايزك لما تشوفها تروح بارك على ايدها وبايسها لي وش وظهر وتشكرها لي ع النعمة ايلي أنا فيها وعلى أنها كمان مالغتش الخط لغاية دلوقتي.
عودة للواقع..
وخُلع
بنكيران من رئاسة الحكومة
المغربية، وهو الذي بقي خمسة أشهر يُمني النفس بولاية ثانية، ويلعب على حبل "الدفاع على الاختيار الشعبي"، في وقت كان يراهن فعليا على أن تقف "الإرادة" الملكية في صفه باعتباره "رقما صعبا" لا غنى عنه لاتقاء شر عودة "الربيع" وهو الذي تحول خريفا في بلدانه الأصلية أو يكاد. هذه هي السلطة في بالمغرب وهذا مصير "خدام" الدولة إن هم تمردوا أو ظنوا أنهم بصوت "الشعب" صاروا محصنين من "سوطها".
جبنا لقرع يونسنا عرى على راسو وهوسنا..
هو مثل شعبي مغربي ترجمته (أتينا بالأقرع ليؤنسنا فعرى على رأسه وأزعجنا) وهو نفسه بصيغة أخرى تقول: نوضوها تشطح، دارتها بصح. والمعنى (طلبوا منها الرقص فصدقت نفسها)..
وصول السيد عبد الإله بنكيران لرئاسة الحكومة بالمغرب، جاء في فترة كان فيها سقف المطالب في الشارع مرتفعا وحجم التحديات أمام الدولة كبيرة بالنظر إلى المحيط الإقليمي وقتها أكثر من قوة الشارع نفسه. كان لزاما للدولة توجيه الأنظار بعيدا عن مجالها السلطوي الحيوي، فاختارت بدهاء الإتيان بكائنات سياسية من شاكلة بنكيران وشباط ولشكر والعماري، المعروفين بخطاباتهم الشعبوية وميلهم للفرجة أكثر منه لنقاش المضمون، وأشعلت بينهم الحروب الصغيرة لإلهاء النخبة والعامة عن التحديات الفعلية التي تحول دون تطوير النموذج المغربي، فكان لها ما أرادت.
المفاجأة أن الجمهور المستهدف استحلى الفرجة وكرس بنكيران نجما بلا منازع، لا يحاسبه عن حصيلة ولايته الحكومية بقدر اشتياقه لقفشاته وهجوماته، التي برع فيها، ضد أشباه الخصوم. تحول رئيس الوزراء عند أنصاره، على الخصوص، إلى أيقونة لم تعدم من ينفخ فيها ويصبغ عليها صفات الاستثنائية والفرادة في ساحة سياسية حزبية عقيمة لم تسطع إنجاب قرين. من هنا، صدق الرئيس كونه صار رقما صعبا وعلما من أعلام الحكم بالمغرب، فتحول في السنتين الأخيرتين إلى الإغارة على المحيط الملكي والتشكيك في بعض توجهات الدولة ومؤسساتها لدرجة أن الملك شخصيا أشار للموضوع في خطاب رسمي وكرره وزيره في الداخلية ليلة الإعلان عن نتائج اقتراح السابع من اكتوبر الماضي. هنا، بدت "القطيعة" واضحة وتأكد أن حبل الثقة الذي "جاهد" الحزب وأمينه العام على ترسيخه مع المؤسسة الملكية قد انقطع، وكان واضحا أن عبد الإله بنكيران تحول إلى فعل ماض في حاضر تريد له السلطة أن يؤسس وفق منظورها وثوابت سياساتها، المبنية على الانفتاح على مراحل، مهما أرخت الحبل للاختيار الشعبي أن يتكرس في صندوق الاقتراع.
دابزوا يا الفيران على خميرة الجيران..
مثل شعبي مغربي آخر تمكن ترجمته كالآتي: تعاركوا أيها الفئران على بقايا خميرة (أو طعام) الجيران.
تعلم الطبقة الحزبية بالمغرب أن للدولة مجال محفوظ في السلطة بالبلد لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تتنازل عنه. فالملك له يد طولى في كثير من المجالات السيادية والتدبيرية باعتباره سيدا وحاكما وحكما بين السلطات. لأجل ذلك تراها تصطف وراء القرارات الملكية التي تحدد الخيارات الاستراتيجية وتبتعد كلية عن مجالات مخصوصة للقرار الملكي كالخارجية مثلا. من هنا، تصبح الحكومة مجرد أداة تنفيذية للخيارات الكبرى دون أدنى مشاركة في "الحكم"، بل إن التحكيم الملكي أصبح مطلوبا حتى في الأمور الحزبية وصراعات "المعارضة" والحكومة على التشكيل وبعده التدبير.
في "أزمة" تشكيل الحكومة الحالية، ظل رئيس الحكومة المعين عبد الإله بنكيران يتنقل من موقع إلى آخر، وظل "حلفاؤه" يبتدعون الشروط تلو الأخرى حتى توقفت حجرة التشكيل عند دخول "الاتحاد الاشتراكي"، وهو حزب أوهن من أن يؤثر في مسار التشكيل، لكنها إرادة الدولة ومعها بنكيران، الذي ظل مختبئا وراء الحفاظ على الإرادة الشعبية، وعينه الحقيقية على الإرادة الملكية التي كان يتمناها تقوية لموقعه التفاوضي، لكن السلطة شاءت غير ذلك، وانتهى الكلام.
وبعد تعيين بديله، سعد الدين العثماني، بدأت معالم تشكل المشهد السياسي على غير ما كان عليه أيام عبد الإله، بل انطلقت من داخل حزبه أصوات بعضها يستكثر على الآخرين الحديث عن أخطاء ارتكبها الرجل في تدبير التفاوض، وآخرون اعتبروا أن "الاختلاف في الموقف السياسي لا يعني القطيعة"، والكلام عن حزب الأصالة والمعاصرة الذي بنا الحزب خمس سنوات من تاريخه على "معاداته" واعتباره خطا أحمر كعقيدة سياسية لا محيد عنها. اليوم، لم يعد حزب "التحكم" خطا أحمر للعدالة والتنمية، ولا بقي حزب "الظلامية" خطا أحمر للأصالة والمعاصرة، ودخل إلياس العماري المقر المركزي للبيجيدي واستقبل هناك بالأحضان، والنتيجة نوع من التأكيد على أن المشكلة كانت في شخص عبد الإله بنكيران.
اعتبر البعض الأمر استجابة لتعليمات ملكية للرئيس المكلف يوم تعيينه بما يؤشر على رغبة لإعادة تشكيل المجال الحزبي المغربي يقضي على بعض من رموز مرحلة سابقة سواء أكانت مصطلحات من قبيل التحكم أو "زعماء" على شاكلة بنكيران وشباط وربما لشكر والعماري، في مرحلة لاحقة، مقابل إدماج وجوه من طينة أخنوش ونزار بركة (بديلا منتظرا لشباط)، وهم أبناء "شرعيون" للسلطة أقرب إليها من حبل الوريد. أما آخرون، فاعتبروا الأمر كله خطة مدروسة من حزب العدالة والتنمية لتفكيك التحالف الذي بناه أخنوش واستخدمه لفرملة أية إمكانية لحلحلة التشكيل الحكومي. لكن الأكيد أن لا شيء سيتم خارج الترتيبات الملكية وإلا فالخيارات الأخرى، كما وردت العبارة في بلاغ الديوان الملكي المعين للعثماني، سيف مسلط على كل محاولة للخروج على المنهجية المؤطرة للعلاقة بين القصر وألوان الطيف الحزبي المشتتة والقانعة بما يحتمله الظرف السياسي من "فتات". لتلك الأسباب كلها تم تكليف سعد الدين العثماني، الرجل الهادئ والباسم والميال لتدبير التوافقات.
دوز على الواد الهرهوري ولا تدوز على الواد السكوتي..
وترجمة المثل الشعبي المغربي: المرور على نهر هادر أسلم من المرور على نهر هادئ.
كانت شخصية عبد الاله بنكيران، ورغم تحوله لظاهرة تواصلية تحقق النجاح الانتخابي، مندفعة بالشكل الذي تسهل معها مهمة اصطياده ودفعه لارتكاب الأخطاء. وربما كانت تلك الطبيعة ما سهل على عدد من خصومه تعظيم سوء التفاهم بينه وبين المحيط الملكي. بالمقابل، يقدم خليفته في رئاسة الحكومة على أنه هادئ الطبع، قليل الاندفاع. لكن تجربته في وزارة الخارجية التي خرج منها، حسب بعض الروايات، احتجاجا على محاولات تقليص صلاحياته، تنم عن شخص صعب المراس.
الأهم من كل هذا، أن الدولة تمكنت من إخماد نشوة النصر الانتخابي في السابع من أكتوبر ومنحت بذلك الحزب فرصة كافية لمراجعة الذات بما تعنيه من ضرورة لجم الرغبة في "احتلال" مواقع الحكم بعد أن فشلت في ما كانت تجيده من تقليص ذاتي للحضور الانتخابي للحزب. كما تمكنت بالمناسبة من إزاحة مهندس التمدد الحزبي ولو إلى حين. شهية الدولة لإعادة وضع اليد على المشهد الحزبي طالت حلفاء الرجل فعوقب نبيل بنعبدالله وحزبه لدرجة أنه صار اليوم في آخر أجندة التحالف الحكومي المنتظر بعد أن كان أول من أعلن بنكيران ضمه لحكومته التي لم يكتب لها التشكل، أما شباط فكل المؤشرات تدل على أن أيامه معدودة على رأس حزب الاستقلال، والبقية في الطريق.
المراهنة على الحزب "الإسلامي" من موقع تدبير الشأن العام أقل الأضرار للسلطة التي لن تغامر بمنحه كرسي المعارضة "الوثير" وهو متمتع بهذا الزخم الانتخابي، في مواجهة خصوم أقرب للجثث منها لأحزاب. لكن الاعتقاد بأن مهمة العثماني ستكون ميسرة أمر مجانب للصواب إلا في حالة واحدة: أن تكون الحكومة قد تشكلت فعلا قبل التعيين وكل ما يجري مجرد مسرحية لذر الرماد في "صناديق الاقتراع".
مشكلة السلطة أن مشهدا حزبيا هادئا ميزته قتل السياسة وإفراغ الساحة من "الرموز"، يجعلها في مواجهة مباشرة مع الشعب دون حائط صد، وهو ما ينذر بتحول في معادلات الصراع بالمغرب بشكل قد لا تحتمله البنية العتيقة لآليات تدبير التدافع على "الحكم".