على خلفية إضراب الأسرى المفتوح عن الطعام، ينتقل مخيم «شاتيلا» إلى صخرة الروشة في بيروت. الحراك يروم التعبير عن تضامنه مع الأسرى، وإيصال رسالة من مخيمات لبنان، وقوف الخِيام مع الخِيام. خيام اللجوء مع خيام الأسرى، تقديم الوجه الحقيقي لمخيمات لبنان، نسخ صورة تشويه عين الحلوة وفقئها، على يد الجماعات السلفية.
يتحرك الفلسطينيون من كل مكان لمقاربة تضحيات الأسرى. أن تكون فلسطينيا معناه ألا يمكنك الهروب من الهمِّ العام، فكيف في مخيمات تظهر عليها آثار ونتائج أمراض التغيرات الجارية في المنطقة العربية، آثار الهجرة والنزوح في مخيمات تؤطرها الحياة والموت والتمييز.
الأزمات تبدو جليّة على وجوه النسوة حولي، خمسينيات وستينيات أصابهن إعياء مزمن. تتكسر سريعا الحواجز بيننا، فلسطينيات يعشن يوميات اللجوء وفلسطينية تعيش يوميات الاحتلال. لا يشعرن بالرضى، «شاتيليات ويرموكيات»، كأنهن مرغمات على العيش، وحيدات وفاقدات، يغيب عن آفاقهن اليقين السياسي والاجتماعي، في مخيمات تكاد تتقيّأ أمعاءها.
أحاديث متشعبة مستنسخة من حسرة هجرة متشعبة الاتجاهات: شرقا وغربا، شمالا وجنوبا. كل ذنبهن أنهن لم يمتن، ويواصلن الحياة بكثير من الحزن والارتياب. أوضاع إنسانية مزرية؛ متروكات يواجهن مصائرهن وحدهن، وسط لا مبالاة كاملة.
أزمات وحروب تضع الفلسطيني على مفترق طرق جديد، الأوطان تختبئ في حقائب السفر، ترتيبات جديدة غير معتادة، تتراجع ترتيبات الأسرة الممتدة، إعادة هيكلة العائلة الصغيرة، حديث مستفيض عن أعباء التغيير والتحول، أسر تتفتت وتتكسر. «ابني فلان في ألمانيا، والآخر في تركيا، والثالث بقي في اليرموك. القصف لا يتوقف على أقل من خمسة آلاف مواطن».
تستمر الثرثرة، جُمَلٌ أو أشباهُ جُمَل: أسرى في السجون، أسرى في المخيمات، أسرى في الانقسام.. تبتلع النسوة الدموع قبل أن تنهمر. ماء وملح.
أسوأ ما في الحالة، أن أحدا لا يعرف الخروج من المأزق. لم أسألهن من أي حزب يتحدرن.
فاصل خطابي ونواصل ثرثراتنا النسائية، تساؤلات عن جدوى فعاليات التضامن مع الأسرى: هل حقا ينفع الأسرى ما نفعل، هل يقصر مدة إضرابهم! سؤال يُوجه لي مباشرة باعتباري قادمة من مكان أقرب للسجون. سؤال وجيه، أجيب. أستكمل: كلما انتزع الأسرى ورقة من روزنامة صمودهم، علينا انتزاع ورقة من روزنامة الفعاليات الوطنية المتدحرجة، المقاومة والتضامن.
مع دخول الإضراب يومه الواحد والعشرين، يدخل الأسرى إلى بداية الخطر الشديد على حياتهم. في الجانب الآخر، تدخل حكومة الاحتلال في مرحلة جديدة؛ مجابهة الإضراب بوسائل أكثر همجية من أجل كسره، كما يعلن ناطقوها: التغذية القسرية في عيادة سجن الرملة، مكان العزل والتعذيب، استقدام أطباء من الخارج لإنجاز العملية، استنفار وحدة قمع السجون المعروفة باسم: «الماسادا».
كل يوم يمر يحمل معه الجديد، التحاق أفواج جديدة من الأسرى بالإضراب. على هذه القاعدة لا يمكن الاكتفاء بفن التضامن الشعبي رغم أهمية بقائه وتوسيعه، الاكتفاء بخوض المعركة استنادا على أمعاء الأسرى وصبرهم وإرادتهم، والإحجام عن استخدام الأسلحة الأخرى.
في كل يوم جديد ينتهي يوم. علينا وقف دوران الأيام المتشابهة، وجعلها مختلفة. التصدي لشراسة احتلال طويل الأمد، وانحطاطه الأخلاقي، ومحاولاته حسم المعركة بأساليب عنصرية لا أخلاقية. وقف دوران الأيام المتشابهة عبر خطة للدفاع عن الأسرى بالاستناد إلى مبادئ حقوق الإنسان، توظيف توقيعنا على الاتفاقيات الدولية في المعركة. وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال.
أسابيع ثلاثة تمر على بدء الإضراب المفتوح، ينبغي تطوير أشكال التضامن والإسناد، من شعبنا وقواه السياسية والاجتماعية، في داخل الوطن وخارجه، مقاومة الاحتلال الذي يستبيح كل شيء في معركة باتت وجودية.
الأيام الفلسطينية