فجّرت دعوة وجهتها رئاسة الجمهورية بالجزائر، لقيادة حركة مجتمع السلم الإسلامية المعارضة، للانضمام للحكومة المقبلة،انقساما داخليا حادا في الحركة، بين رافض بالمطلق للمشاركة ومن يدفع بإلحاح إلى ذلك.
وتمثل تباين الآراء بين الرئيس الحالي للحركة عبد الرزاق مقري ومؤيديه داخل المكتب الوطني الرافضين للمشاركة بالحكومة، ورئيس الحركة السابق، أبو جرة السلطاني مدعوما بتيار داخلي قوي يدعو للمشاركة في
الحكومة.
اقرأ أيضا: بوتفليقة يدعو أكبر حزب إسلامي للمشاركة في الحكومة المقبلة
وعرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على قيادة حركة مجتمع السلم، حقائب وزارية لم يُكشف عن طبيعتها حتى الآن، وذلك خلال لقاء تم بين الوزير الأول عبد المالك سلال ورئيس الحركة، الخميس، بحسب بيان للحكومة.
ويرفض مقري، بالمطلق، المشاركة بالحكومة، باعتبار أن الشروط التي حددتها الحركة خلال الحملة الانتخابية، للمشاركة لم تتحقق.
شروط لم تتحقق
وحازت حركة مجتمع السلم، المتحالفة مع جبهة التغيير، وهو حزب إسلامي معارض أيضا، يرأسه عبد المجيد مناصرة، على 33 مقعدا نيابيا في
انتخابات 4 أيار/ مايو، من مجموع 462 مقعدا ليحل ثالثا في
البرلمان بعد حزبي السلطة، حزب جبهة التحرير الوطني (164 مقعد) والتجمع الوطني الديمقراطي (100 مقعد).
ولا يرى ناصر حمدادوش، عضو المكتب الوطني بحركة مجتمع السلم، الموالي لرئيسها عبد الرزاق مقري، "أن نتائج الانتخابات المزورة؛ كفيلة بأن تدفع الحركة لقبول عرض السلطة".
ويقول لـ"عربي21": "الشروط التي حددتها الحركة للانضمام للحكومة لم تتحقق"، مذكرا بتلك الشروط، وهي: "نزاهة الانتخابات، وحصول الحركة على أغلبية أو كتلة برلمانية محترمة، والمشاركة ببرنامج في حكومة توافق وطني".
اقرأ أيضا: تزوير الانتخابات البرلمانية في الجزائر.. المعارضة: "بلطجة"
وأوضح حمدادوش أن "المخول قانونيا ورسميا للفصل في مشاركة حركة مجتمع السلم بالحكومة أو عدمها، مجلس الشورى الوطني (للحركة)، وهو ما دفع المكتب التنفيذي الوطني للدعوة إلى انعقاده، احتراما للمؤسسات وللآلية الديمقراطية داخل الحركة"، كما قال.
وينعقد مجلس شورى الحركة الجمعة القادمة. وفي هذا السياق، قال حمدادوش لـ"عربي21": "سأستقيل من المكتب في حال إقرار مجلس الشورى مشاركة حركتنا بالحكومة"، وهو الموقف الذي عبّر عنه مقري في مقابلة مع صحيفة "الخبر"، الأحد.
وقال مقري للصحيفة: "قرار المشاركة مستبعد من طرف مجلس الشورى، لكني سأستقيل من الحركة في حال الإقرار بالمشاركة، وسنذهب إلى مؤتمر استثنائي لتصحيح مسار الحركة، وفي حال تم تبني التصحيحات من طرف مجلس الشورى سأترشح للرئاسة مجددا"، وفق قوله.
صراع حاد
وفي المقابل، يدفع أبو جرة سلطاني إلى خيار المشاركة بعد أن قاد "الإخوان" في
الجزائر لشراكة مع السلطة لمدة تسع سنوات كاملة (2003- 2012)، لكنه انسحب من الحكومة التي كانت حركته ممثلة فيها بأربع حقائب وزارية، بضغط من أعضاء الحركة الغاضبين؛ عقب خسارة الحركة في الانتخابات النيابية عام 2012، في الوقت الذي تبوأ خلاله الإسلاميون بتونس والمغرب ومصر المراتب الأولى بالانتخابات.
لكن سلطاني الذي ندد بما أسماه بـ"تزوير انتخابات البرلمان 2012"، اعتذر للتصريح لـ"عربي21" بشأن موقف مقري الرافض للمشاركة في الحكومة، محيلا إلى ما كتبه على صفحته في فيسبوك.
وكان سلطاني قد كتب السبت، "إن الذين أرادوا عزلها (حركة مجتمع السلم) عن عمقها الشعبي الواسع، وصرفها عن تأدية أدوارها الوطنية الواجبة مع الكبار، وراهنوا على حبسها في فضاء ضيق، اكتشفوا أنها أكبر من أن تحشر في الزوايا الحادة والفكر الأحادي".
وتابع السلطاني، منتقدا موقف مقري: "الفصل في القرار متروك لمجلس الشورى، وما دون ذلك من كلام يبقى آراء فردية محترمة واجتهادات سياسية، وتكهنات تسبق القـرار المرتقب للاستئناس بها، إذا كان فيها ما يستأنس به، وإلا فإن الضرب بها عرض الحائط تحصيل حاصل، فالسيف أصدق أنباء من الكتب".
ويرد سلطان بذلك على مقري الذي تحدث في مقال مطول بموقع الحركة، الجمعة، عن وجود تيار راديكالي يرفض العودة إلى الحكومة ويرفض حتى دخول البرلمان.
ورطة سياسية
ويقول عثمان لحياني، الخبير بشؤون الحركات الإسلامية بالجزائر: "لا أعتقد أن عبد الرزاق مقري يقبل أن يطلق الرصاص على نفسه، ويسلم رأسه إلى جزار سياسي لم ينجز منذ 17 سنة غير التفتيت الاقتصادي والاجتماعي"، في إشارة إلى بوتفليقة.
وأضاف لحياني، في حديث لـ"عربي21": "لا أعتقد أن مقري سيقبل بالمشاركة في حكومة لم تتوفر بشأنها اشتراطات المشاركة التي حددتها حركته قبل الانتخابات، والشراكة في حكومة تكون مهمتها الرئيسية التحضير لتزوير المشهد السياسي للانتخابات الرئاسية بعد أقل من سنتين"، بحسب تعبيره.
وتابع: "مقري أكثر نباهة من أن يسقط في كمين سياسي تحاول من خلاله السلطة الإجهاز عليه كنموذج فتي للكاريزما سياسية، والإجهاز على حركة مجتمع السلم، ثم إن المشاركة في حكومة سقفها الزمني ينتهي بعد أقل من سنتين، في 2019، هو "بيع غر" لكتلة نافذة قد ينتهي أفقها في نيسان/ أبريل 2019"، موعد انتخابات الرئاسة بالجزائر.
ورأى لحياني أن "العرض الرئاسي قد يضع حركة الراحل (محفوظ) نحناح أمام ورطة سياسية ومحنة داخلية، لكني أحسب أن المؤسسة الحزبية هي تلك التي تتجاوز الورطة والمحنة في آن واحد، دون خسارة موقفها"، كما قال.
اقرأ أيضا: حركة مجتمع السلم.. أكبر حزب إسلامي بالجزائر مهدد بالانقسام