حذر
الاقتصادي البارز
محمد العريان، في مقابلة أجرتها معه صحيفة "الغارديان" البريطانية، من
أزمة اقتصادية عالمية خلال العامين المقبلين، ليست مؤكدة، بل تقدر نسبة حدوثها بـ50%.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن العريان يرى أن العالم المتطور يتقدم نحو مفترق طرق، يتجه طرف فيه إلى زيادة في النمو ورأسمالية يستفيد منها الجميع، أما الطريق الثانية فتقود إلى الركود وعدم الاستقرار والاضطرابات.
وتذكر الصحيفة أن العريان يعد أحد الأسماء الكبيرة في عالم الأسواق المالية، حيث قدم النصح والاستشارة للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، مشيرة إلى أنه ولد في نيويورك لأبوين مصريين، وقضى 14 عاما في شركة "بيمكو"، التي تعد إحدى أهم شركات إدارة السندات في العالم، وقضى ستة أعوام منها مديرا تنفيذيا قبل استقالته، حيث قال إنه يريد أن يبحث عن عمل جديد، ويقضي وقتا مع عائلته، وقال إن ابنته، وعمرها 13 عاما، قدمت له قائمة من 22 مناسبة مهمة في حياتها افتقدته فيها.
ويلفت التقرير إلى أن العريان تلقى تعليمه في الجامعتين البريطانيتين كامبريدج وأوكسفورد، وبدأ حياته العملية في صندوق النقد الدولي، منوها إلى أنه يعمل هذه الأيام مستشارا بارزا للشركة الألمانية "أليانز"، التي تملك "بيمكو"، حيث يعمل رئيس الوزراء السابق غوردون براون مستشارا فيها أيضا.
وتنقل الصحيفة عن العريان، قوله إن إحدى الإشارات على وجود المشكلات في النظام هي البريكسيت، أما الإشارة الثانية فهي أنه تم الاتجار بنسبة 30% من الديون التي على الحكومات العالمية في مرحلة ما من العام الماضي، وبنتائج سلبية، ما يعني أن المستثمرين يدفعون لامتلاك الأرصدة التي يمكن أن تخسر، ومن ثم جاء انتخاب الرئيس دونالد ترامب، والانتخابات الفرنسية، التي هزمت فيها الأحزاب التقليدية في الجولة الأولى، حيث لم يكن أحد يتوقع هذا الأمر قبل عام ونصف.
وتتساءل "الغارديان" عن السبب الذي منع الأسواق من عدم إظهار الغضب على خسارة التأكيدات؟ ويجيب العريان قائلا إنه في حالة البريكسيت كان السياسيون أذكياء لإبطاء العملية، وتمديد المدة الزمنية، وتجنب اتخاذ قرارات، وسمح بدلا من ذلك للمستثمرين بالتفكير في البريكسيت "الصعب" أو "اللين"، والتفكير من ناحية بإبطاء العملية، ويعلق العريان قائلا: "لا نزال في مرحلة الوقوف حتى انتخاباتكم البرلمانية، وعليه فإن الأسواق ستبدأ وببطء، وأوكد هنا ببطء، بإظهار حالات من نفاد الصبر، وستبدأ بالتركيز أكثر من الآن على المفاوضات بين الطرفين".
ويقول العريان للصحيفة إنه "في السياق ذاته مع ترامب، فإن جانب (الحامي) في حملته الانتخابية، الذي قصد منه تخويف الأسواق، يبدو أقل تخويفا اليوم، وفي الحقيقة فإن مذهب حماية الاقتصاد لم يكن في يوم من الأيام (المشكلة رقم واحد)، فقد ورث (صحنا من المعكرونة من اتفاقيات التجارة)، وفي النهاية يحتاج الرئيس لتقديم تنازلات تسمح له بالقول إن التجارة (لا تزال حرة وعادلة)".
ويستدرك التقرير متسائلا: "لكن، ما هي المشكلة رقم واحد اليوم؟"، ويجيب العريان قائلا إنها "إرث سنوات من النمو البطيء، ونمو لم يكن شاملا للجميع، ذلك أن مقدار كسر للنظام كان متراكما، ومن الصعب التنبؤ بالنقاط الحرجة".
وتعلق الصحيفة قائلة إن جوهر تحليل العريان يقوم على أن العالم المتطور يقترب من منعطف طرق، وهو أن عدم المساواة التي ولدها النمو البطيء الحالي يحمل في داخله ثلاثة عناصر: التباين في الثروة، وفي فرص تحقيق الدخل، أما العنصر الثالث فظاهر من خلال معدلات البطالة العالية في دول محور اليورو مثلا، وهو العنصر الأكثر تفجرا.
ويقول العريان: "في اللحظة التي تبدأ فيها بالحديث عن عدم المساواة في الفرص فإنك تقوم بإشعال سياسات الغضب، وهذه السياسات لديها ميل لتوليد نتائج غير محتملة، والخطر الأكبر أننا لا نعرف المستوى الذي أرهقنا فيه النظام، لكن ما نعرفه أننا بدأنا نرى إشارات على الضغوط الكبيرة، التي تعني احتمال ارتكاب خطأ في السياسة، أو ارتفاع في حوادث السوق".
ويجد التقرير أن المشكلة المثيرة للقلق هي أن الأسواق المالية لا تعكس هذه المخاوف، فمظاهر التقلب تقف عند أدنى حالاتها منذ عام 1983، حيث يقول العريان: "لو تحدثت مع المستثمرين فسوف يخبرونك عن قلقهم الشديد المتعلق بالجيوسياسة، ولو سألتهم عن تحضيراتهم، فإنهم سيقولون لك إنهم يحضرون للخطر الأقصى".
وتنوه الصحيفة إلى أن العريان يرى أن هناك تفسيرات عديدة، فالمستثمرون يعتقدون أن المصرف المركزي يمكنه وقف التقلب، ويتعاملون مع النمو البطيء على أنه حالة تنم عن استقرار، ويعتقدون أن أكوام العملات في حسابات الشركة ستأتي من خلال الأرباح وإعادة شراء الأسهم، ويعلق العريان قائلا: "أنت بحاجة إلى هزة كبيرة لتغيير هذه العقلية".
ويستدرك التقرير بأن هناك "دليلا لا لبس فيه" على أن الظروف "الاصطناعية" لا يمكن أن تدوم للأبد، فبعد الأزمة العالمية في الفترة ما بين 2008- 2009، كانت هناك فرصة صغيرة لهندسة نموذج جديد للنمو، تتبعه الحكومات من أجل القيام بإصلاحات في البنية والإنفاق، مشيرا إلى أنه عوضا عن ذلك، فإن الشعور باللحظة الحرجة مضى، وقامت المصارف المركزية بوقف الأزمة، إلا أن بقية الحزمة من المشكلات لم تحل، ويعتقد العريان أننا نشاهد الآن محدودية الاعتماد على المصارف المركزية.
وتورد الصحيفة نقلا عن العريان، قوله: "أصبحت السياسة مثيرة للمشكلات، وأصبح التمويل أكثر إثارة للمشكلات أيضا، وبناء على الطريقة التي تنظر فيها للعملية السياسية، فإننا لن نقوم بالانتقال إلى مرحلة النمو الشاملة، التي يمكن أن تقلل من الاستقطاب وسياسة الغضب، أو يتحول النمو البطيء بشكل بديل، حيث يصبح الركود والاستقرار المالي المصطنع متقلبا بطريقة مقلقة، وتتحول السياسة إلى حالة من الفوضى".
وتتساءل "الغارديان" عن الطريقة التي نتقدم فيها للأعلى وبطريقة رقيقة، ويجيب العريان قائلا إن هناك أربعة خيارات أو جوانب، ويجملها بالنقاط الآتية:
أولا: "علينا العودة للاستثمار في الأمور التي تدعم النمو الاقتصادي والبنية التحتية، ونحتاج نظام نمو يدعم النظام الضريبي للولايات المتحدة، وإعادة تسليح العمالة بأدوات جديدة، ولو كنت في أوروبا فإن مشكلة البطالة لدى الشباب تعد موضوعا خطيرا، وعليك التفكير بها جديا".
ثانيا: على الدول التي تستطيع ذلك (استغلال المجال المالي)، الذي يعني الاقتراض للاستثمار، أو تخفيض الضريبة، ويضع العريان الولايات المتحدة وألمانيا في هذه الفئة، "وإلى حد ما بريطانيا".
ثالثا: يجب معالجة جيوب المديونية المرتفعة، فالدرس الذي تعلمه أثناء العمل في صندوق النقد الدولي في أمريكا اللاتينية في الثمانينيات من القرن الماضي هو أنه "عندما يكون هناك دين فوق رأسك فهو مثل الغمامة السوداء"، و"يقوم بامتصاص الأوكسجين من النظام، ولا يمكنك الخروج منه: سواء كانت اليونان أو قروض الطلاب في الولايات المتحدة، فيجب أن تعالج الديون المتراكمة"، ويعتقد أن عملية إلغاء الديون صعبة؛ لأن بعض الناس تتم مكافأتهم بطريقة غير عادلة، "لكن البدائل هي أسوأ".
رابعا: هناك حاجة لإصلاح أنظمة الحكم العالمية والإقليمية، ويقارن محور اليورو بطاولة صغيرة برجل واحدة ونصف بدلا من أربع أرجل، فالرجل الواحدة تعبر عن الوحدة المؤقتة، ونصف الرجل فتعبر عن الوحدة المصرفية، أما الأرجل المفقودة فهي الاندماج المالي، أي الميزانية المشتركة، والانسجام السياسي، ولهذه الأسباب يعاني محور اليورو من عدم الاستقرار، "فأنت تستطيع العمل بثلاث أرجل، لكن ليس برجل واحدة ونصف".
وبحسب التقرير، فإنه بالعودة إلى مقارنة العريان الوضع بمفترق الطرق، فإن أيا من الخيارات المطروحة تظل غير سهلة، و"تحتاج للانفجار العظيم، فلو أردت أن تأخذ المنعطف الصحيح فيجب أن ترى بعض التقدم على هذه العناصر، ولو لم تأخذ المنعطف الصحيح فإنك تسير نحو الاتجاه الآخر"، ويعتمد هذا كله على "الخيار السياسي".
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى تساؤلها: "أخيرا، ماذا يجب على المستثمر فعله؟"، ويقول العريان إن النهج الخاص، الذي يعتقد أنه من الصعب أن ينسخه الإنسان العادي، مؤطر مثل عمود الأثقال، فمن جهة فإنه استثمر بعمل جديد فيه مخاطر، الذي ليس بحاجة للنجاح، وعلى الجهة المقابلة فهو يستثمر بالمال أو ما يشبهه، وفي الوسط فهو يستثمر في الأسواق العامة وبطريقة تكتيكية، ويضيف أنه "في الحد الأدنى فأنا خال من المخاطر".