اتخذ المجلس
الأعلى لتنظيم الإعلام، الذي قام قائد الانقلاب عبدالفتاح
السيسي بتعيين أعضائه، وعلى رأسهم رئيسه الصحفي مكرم محمد أحمد، عدة قرارات وإجراءات خلال الأسابيع الأخيرة، تصب في خانة قمع التعبير عن الرأي، وتعادي
حرية الصحافة، بحسب مراقبين.
وأكد المراقبون أن مواقف هذا الكيان الإعلامي الوليد، كشفت وقوف أعضائه بالكامل في صف النظام ضد زملائهم الصحفيين والإعلاميين، بدءا برفضه التضامن مع الصحفيين المعتقلين، وتأييده لقرار النظام بحظر عشرات المواقع الإخبارية المصرية والعربية، وأخيرا تقديم المجلس بلاغا في النيابة ضد رئيس تحرير صحيفة "المقال" إبراهيم عيسى؛ بسبب عدة مقالات نشرها حول حوادث استهداف الأقباط في مصر.
وتقدم المجلس الأعلى للإعلام ببلاغ إلى النائب العام؛ يطالب فيه بالتحقيق مع عيسى بتهمة إثارة الفتنة الطائفية، بعد أن أكد في مقالاته أن الدولة عاجزة عن حماية الأقباط من الإرهابيين، وطالب المجلس فى نقابة الصحفيين بالتحقيق مع عيسى في التهمة ذاتها، مؤكدا أن "الظروف التي تمر بها البلاد لا تتحمل مثل هذه المعالجات".
دفاع عن القمع
وخلال حواره مع قناة النهار، الجمعة الماضي، دافع مكرم محمد أحمد عن القرارات القمعية التي اتخذها النظام طوال السنوات الماضية، وقال إن "نقابة الصحفيين تطلق تعميمات مخلة لا سند حقيقيا لها من الواقع؛ عندما تدعي أن هناك صحفيين محبوسين"، مؤكدا أن "جميع المحبوسين هم متهمون في قضايا جنائية".
وعلن مكرم تأييده لقرار حجب المواقع الإخبارية، مضيفا أنه "قرار صائب؛ لأن هذه المواقع تابعة لجماعة الإخوان المسلمين وتهدد الأمن القومي".
ولم يكتف بذلك، وإنما أكد أنه "ينبغى غلق كل المواقع التابعة للإخوان، أو تلك التي تسب القوات المسلحة"، معلنا تشكيل "مرصد قومي" بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام "يقوم برصد المواقع المحرضة على الإرهاب والعنف، واتخاذ قرارات فورية بشأنها".
عودة تأميمات عبدالناصر
من جهته؛ قال المحلل السياسي جمال مرعي، إن مصر تمر الآن بمرحلة مستعصية من مراحل تأميم الإعلام، على غرار تأميمات الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، مضيفا أن "رجال السيسي الذين يتحكمون في الإعلام حاليا؛ يقومون بمهمة نقل الأكاذيب للناس ليل نهار، ويشوهون صورة المعارضة، ويتهمونها بالخيانة والعمالة، حتى ترضى عنهم السلطة، وتزيد مخصصاتهم المالية".
وأضاف لـ"
عربي21" أن السيسي يرفع شعار "لا صوت يعلو فوق صوت النظام"، مشيرا إلى أن "الإعلام الآن أصبح بالكامل بوقا للنظام، حيث يحرص على تمكين رجاله المخلصين من جميع الكيانات الإعلامية الخاصة والعامة، وآخرها الهيئة الوطنية للصحافة والإعلام التي يدين كل أعضائها بالولاء التام للنظام، وهذا من أكبر مصائب الإعلام المصري، وهو ما جعل الناس لا تثق في ما يقدمه".
وأكد مرعي أن "السلطة الحاكمة تكره المعارضة، أو كشف الفساد؛ لأنها تعودت على أن يكون الإعلام في يد الدولة؛ تحركه كيفما تشاء وفي أي وقت"، لافتا إلى أن "قيام مكرم محمد أحمد بتقديم بلاغ ضد إبراهيم عيسى في هذه الأجواء؛ ليس مستغربا؛ لأن ولاء مكرم للسلطة معروف منذ أن كان نقيبا للصحفيين، كما كان أيضا من رجال مبارك وحبيب العادلي المخلصين".
شلة من المنتفعين
من جانبه؛ قال الباحث السياسي عمرو هاشم ربيع، إن هناك "شلة من المنتفعين الذين يدينون بالولاء الكامل للسلطة على رأس الهيئة الوطنية للصحافة والإعلام، وهم من يديرون الآن هذه المعركة نيابة عن النظام، ويهاجمون كل من يعارض السلطة".
وأضاف لـ "
عربي21" أن "السيسي يريد إعلاما كإعلام أحمد سعيد؛ مذيع نكسة حزيران/ يونيو عام 1967، الذي كان يذيع البيانات الكاذبة للناس، ويوهمهم بأننا نحقق انتصارات باهرة على إسرائيل، بينما كان الجيش مهزوما من إسرائيل".
ولفت إلى أن "النظام الحالي يرفع شعار الحرب على الاٍرهاب، وفي سبيل هذه الحرب يريد صوتا واحدا ولا يسمح بأي نوع من المعارضة، ويعد أي كلام أو معلومة تقال من خارج السلطة محض كذب".
وأكد ربيع أن "الهجمة التي تحدث الآن على الصحافة في مصر؛ لم تحدث من قبل"، مضيفا أنه "حتى في عهد مبارك؛ عندما كان النظام يقمع الحريات ويكمم الأفواه، لم يجرؤ مبارك أو وزير إعلامه صفوت الشريف على تقديم بلاغ ضد صحفي، أو حجب موقع إخباري، لكن كل القمع الذي لم يستطع مبارك بكل جبروته أن يفعله؛ يفعله حاليا نظام السيسي بكل بساطة".