للشهر الثالث على التوالي، تواصل السلطة
الفلسطينية إجراءاتها الاقتصادية والمالية على سكان قطاع
غزة، بهدف الضغط على حركة
حماس وإجبارها على تسليم زمام الأمور في غزة لصالح
السلطة الفلسطينية بعد عشر سنوات على بدء الانقسام الفلسطيني في 14 حزيران/ يونيو 2007، والذي نتج عنه سيطرة حركة حماس على مقاليد الحكم في غزة حتى كتابة هذه السطور.
ويستعرض هذا التقرير أبرز الإجراءات الاقتصادية التي قام بها الرئيس محمود عباس بحق قطاع غزة خلال الفترة الماضية، والتي كان لها بالغ الأثر في تردي الأوضاع المعيشية لنحو مليوني إنسان يقطنون في القطاع.
بدأت حلقات الضغط المالي بالظهور بعد أن تفاجأ عشرات الآلاف من موظفي السلطة الفلسطينية في غزة بخصومات على رواتبهم المستحقة عن شهر شباط/ فبراير الماضي بنسبة 30 في المئة، ولا تزال الخصومات سارية المفعول حتى هذه اللحظة. وتلا ذلك مصادقة عباس على قانون التقاعد للموظفين العسكريين في المحافظات الجنوبية (قطاع غزة)، وإجبار نحو 45 ألف موظف عسكري من غزة على التقاعد بداية من الشهر القادم.
وتبع ذلك تعليمات صارمة أصدرها الرئيس عباس للمؤسسات والمالية والإقراضية في القطاع بعدم منح أي قروض مالية لهؤلاء الموظفين، الأمر الذي ضاعف من حدة المشاكل الاجتماعية وارتفاع معدلات الشكاوى القضائية المرفوعة لدى محاكم غزة بسب الضائقة المالية.
ولم تسلم الحالات الاجتماعية من هذه العقوبات، فقد كشف وزارة التنمية الاجتماعية في غزة عن وقف السلطة الفلسطينية مستحقات نحو 700 أسرة في القطاع تتقاضى معونات مالية يسيرة كل ثلاثة أشهر، بقيمة لا تتعدى 300 دولار، إضافة إلى وقف تحويل مستحقات شركة الكهرباء الإسرائيلية والتوقف عن صرف الدواء للمستشفيات التي تعمل في القطاع، مما يهدد حياة المرضى بالموت في حال لم تتراجع السلطة الفلسطينية عن قراراتها الأخيرة.
ولكن اللافت في هذا الشهر هو توسيع دائرة الخصومات لتطال رواتب الأسرى والمحريين، حيث كشف مدير إعلام الأسرى، عبد الرحمن شديد، لـ"
عربي21" أن "السلطة الفلسطينية قطعت رواتب ما يزيد عن 270 أسيرا محررا جلهم من قطاع غزة"، دون أي سابق إنذار، تزامنا مع قطع رواتب 47 نائبا برلمانيا في المجلس التشريعي الفلسطيني عن حركة حماس، وهو ما ينذر بدخول الأمور في مرحلة خطيرة في ظل تصريحات مسؤولي السلطة الفلسطينية باستمرار هذه الإجراءات حتى تسليم حركة حماس مقاليد الحكم في غزة، على حد قولهم.
إجراءات تأديبية
وقال أمين سر المجلس الثوري لحركة
فتح، أمين مقبول، إن "إجراءات السلطة الفلسطينية بحق قطاع غزة ليست انتقاما من سكان القطاع كما تروج لها حركة حماس، بل هي إجراءات تأديبية (ضرورية)؛ كي تقبل حركة حماس بشروط المصالحة وتسليم قطاع غزة لحكومة الوفاق الوطني، كما تم الاتفاق عليه في السابق".
ورأى مقبول في حديث لـ"
عربي21" أن هنالك الكثير من "أدوات الضغط على حركة حماس ما زالت تحتفظ بها قيادة السلطة الفلسطينية، في حال لم ترضخ حماس لشروط المصالحة، ومنها تجميد أموال مؤسسات الحركة الممولة من إيران وقطر، ووقف التعامل معها باعتبارها مؤسسات غير قانونية"، على حد قوله.
وألمح مقبول بتهديده إلى "إمكانية ممارسة السلطة الفلسطينية ضغوطا أكبر على القطاع الخاص، والعمل على وقف نشاطاته الاقتصادية والخدماتية بما تقتضيه المصلحة الوطنية دون تضرر سكان القطاع".
وتابع مقبول أن "هذه الإجراءات الحالية ستستمر حتى تقبل حركة حماس بشروط المصالحة"، وفق تقديره.
احتجاجات مرتقبة
من جانبه، قال رئيس اتحاد الموظفين العموميين في غزة، عارف أبو جراد، أن "الاتحاد حاول خلال الفترة الماضية أن يعطي فرصة للرئيس عباس للعدول عن قراراته الظالمة بحق موظفي وسكان غزة، ولم يقم الاتحاد بعد بأي خطوات احتجاجية ترقى لحجم المؤامرة التي يمارسها الرئيس عباس بحق القطاع"، كما قال.
وأكد أبو جراد في حديث لـ"
عربي21" أن "تزامن هذه الإجراءات مع إضراب الأسرى في السجون الإسرائيلية حال دون تصعيد الأمور، خشية أن تطغى احتجاجات الموظفين على إضراب الأسرى الذي انتصر في النهاية".
تراجع شعبية الرئيس
وألقت إجراءات الرئيس عباس بحق قطاع غزة بظلالها على شعبيته، ومدى نجاحه في تحقيق المصالحة الوطنية من خلال هذه الإجراءات.
وكشف أحدث استطلاعات الرأي نشره مركز رؤى للدراسات والأبحاث في غزة، نشرت نتائجه يوم السبت الماضي أن 60 في المئة من الفلسطينيين غير راضين عن إجراءات رئيس السلطة بحق قطاع غزة، بينما رأى 55 في المئة من المستطلعة آراؤهم أن هذه الإجراءات لن تؤدي إلى إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة.
وكان لافتا تراجع شعبية الرئيس محمود عباس في حال الترشح لأي انتخابات رئاسية قادمة حيث حصل محمود عباس على ما نسبته إلى 9 في المئة من بيانات المصوتين، مقابل 21 في المئة لصالح رئيس الوزراء السابق في حكومة حماس إسماعيل هنية، و14 في المئة لصالح القيادي الفتحاوي مروان البرغوثي.