نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تقريرا تحليليا، قالت فيه إن الأزمة ستؤدي لتغيير السياسات والتحالفات في الشرق الأوسط، في ظل إصرار
قطر على البقاء خارج دائرة النفوذ السعودي، وصمودها أمام الحصار الذي فرض عليها الأسبوع الماضي.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الأزمة التي هزت منطقة
الخليج العربي، وورطت الولايات المتحدة، وتهدد الآن بالامتداد نحو
تركيا وإيران، يجب العودة إلى الوراء لفهم جذورها وأسبابها.
وذكرت الصحيفة إن الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني منذ توليه الحكم في سنة 1995، حاول وضع حد للهيمنة
السعودية على الجار القطري، واعتبر أن الدوحة لن تحقق الأمن القومي إلا في حال تغيرت علاقتها بالرياض.
وأكدت الصحيفة أن البعض اعتقدوا أن الاستراتيجية القطرية ستنهار سريعا، بعد أن فرض عليها بعض جيرانها الخليجيين حصارا مطبقا خلال الأسبوع الماضي، ولكن قطر أثبتت أن لديها حلفاءها هي أيضا، ولذلك فإن هذا الصراع سيتواصل، وستنجم عنه تغييرات، وستكون له تبعات أخرى.
وذكرت الصحيفة أن بعض الأحداث السابقة غذت الرغبة القطرية بالخروج من عباءة السعودية، حيث إن الدوحة في سنة 1988 أقامت علاقات دبلوماسية مع الاتحاد السوفييتي، على عكس خيارات الجار السعودي، وهو ما مثّل أولى خطوات قطر نحو الاستقلال بقرارها. وفي سنة 1992، أدى نزاع حدودي بين البلدين إلى سقوط اثنين من الجنود القطريين، ثم بعد سنتين اندلعت الحرب الأهلية في اليمن، وساندت كل من الدوحة والرياض طرفين مختلفين.
ونقلت الصحيفة عن المحلل السياسي مارك لينش، من جامعة جورج واشنطن، قوله: "الشيخ حمد كان يعتقد أنه ليس مطالبا بالبقاء تحت هيمنة السعودية، والاستقلال بالقرار القطري كان ممكنا ومطلوبا".
واعتبرت الصحيفة أن قطر كانت واحدة من دول قليلة في العالم أمكن لها التحول من دولة ضعيفة وتابعة إلى قوة إقليمية خلال بضع سنوات، حيث نوعت الدوحة من علاقاتها، واستضافت أكبر قاعدة جوية أمريكية في المنطقة، وأطلقت قناة الجزيرة الفضائية، التي تمثل قوة إعلامية ناعمة مكنتها من دعم حلفائها وإزعاج العائلة الحاكمة السعودية.
كما مثلت قطر ملاذا للسياسيين الإسلاميين المنفيين، وأصبحت عديد الدول تعتمد عليها للتواصل مع الإخوان المسلمين، وحركة حماس الفلسطينية، والحركات الانفصالية الشيشانية، وحركة طالبان.
وأضافت الصحيفة أن التطورات التكنولوجية في سنوات التسعينات خلقت سوقا عالمية جديدة للغاز الطبيعي المسال الذي يمكن شحنه في البواخر، وبالتالي الاستغناء عن خط الأنابيب الذي يمر عبر السعودية، وهذا مكن قطر من رفع حجم مداخيلها من 8,1 مليار دولار في 1995 إلى رقم خيالي ناهز 210 مليار دولار في 2014.
ونقلت الصحيفة عن دايفيد روبرتس، أستاذ العلوم السياسية في معهد كينغس في لندن، قوله: "إن السعودية استغرقت وقتا طويلا لتهضم فكرة كون قطر أصبحت دولة مستقلة تماما، حيث إنه في سنة 2008 أعادت الرياض سفيرها إلى الدوحة، واكتسبت العلاقة بينهما نوعا من التوازن المؤقت".
وبحسب الصحيفة، فقد جاء الربيع العربي في سنة 2011، ليخلط الأوراق من جديد في المنطقة، حيث إن السعودية وقفت إلى جانب الأنظمة الدكتاتورية، وهو ما أكسب قطر المزيد من القوة والتأثير الخارجي، وفتح أمامها الفرصة للتفوق على الدور السعودي.
وأضافت الصحيفة أن قطر ساندت التحركات الاحتجاجية ضد أنظمة الحكم، سواء كانت هذه التحركات بقيادة الإسلاميين أو العلمانيين، وقد تمثل هذا الدعم خاصة في التغطية الإعلامية في قناة الجزيرة، والدعم الدبلوماسي والمادي وحتى العسكري.
واعتبرت الصحيفة أن السعودية، في المقابل، رأت في التغيرات التي تشهدها المنطقة تهديدا لهيمنتها الإقليمية على الدول العربية، وتهديدا للنظام الحاكم في الرياض، حيث إن الحركات الإسلامية التي تمتعت بالدعم الشعبي لطالما مثلت تحديا حقيقا للأنظمة الحاكمة.
ونقلت الصحيفة عن مارك لينش قوله: "الصراع تحول إلى حرب بالوكالة بالمنطقة، حيث إن البلدين ساندا قوى متضادة، في كل من تونس وليبيا. وفي سوريا تسابقا على كسب ولاء المعارضة عبر التمويل والتسليح. وفي مصر ساندت قطر الإخوان المسلمين الذين فاز مرشحهم في أول انتخابات حقيقية تشهدها البلاد، إلا أن السعودية سرعان ما ساندت الانقلاب العسكري ومولته بحزمة مساعدات بلغت قيمتها 12 مليار دولار".
وأكدت الصحيفة أن التدخلات والخلافات أعادت تشكيل المشهد السياسي في الشرق الأوسط بعد الربيع العربي، وأعادت أيضا توزيع الأوراق في ما يخص التحالفات الجيوسياسية في المنطقة؛ إذ إن تركيا انضمت إلى قطر في دعم الثورات العربية، ليتأسس بذلك أول تحالف قوي لقطر.
وقالت الصحيفة إن السعودية، مدعومة بحلفائها الخليجيين ومصر، انتهزت الفرصة خلال الأسبوع الماضي لإعادة فرض هيمنتها على قطر عبر الحصار. وهذه الخطوة قد تجبر بقية المتفرجين على الوقوف في هذا الصف أو ذاك، في وقت تبدو فيه السعودية أكثر قوة، حيث إنها حظيت منذ البداية بدعم أهم لاعب دولي، وهو الولايات المتحدة.
واعتبرت الصحيفة أن لعبة لي الذراع التي تمارسها السعودية لن تقف عند هذا الحد، بل ستحمل مخاطر جديدة، حيث إن إيران سارعت لعرض المساعدة على قطر، في ظل تمسك الكويت وعمان بالحياد. أما المغرب -الذي أعلن حياده أيضا- فقد أعلنت عن إرسال شحنات من الغذاء إلى الدوحة.
وأكدت الصحيفة أن أهم خطوة قد تأتي من أنقرة، حيث إن تركيا التي أعلنت بوضوح وقوفها إلى جانب قطر، صادق برلمانها على نشر ثلاثة آلاف جندي في قاعدة عسكرية تركية في قطر.
ورجحت الصحيفة أن هذا الخلاف لن يتطور إلى صراع عسكري، لكنه لا يزال غامضا، ويصعب توقع مخرجاته، حيث إنه يمكن أن يمثل نهاية عقدين من الخصومة بين قطر والسعودية، أو أنه قد يفاقم عدم الاستقرار، ويزيد تشعب التحالفات في المنطقة.