نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا لمواطن سوري من
الرقة، تحت اسم مستعار، هو مروان هشام، يقول إنه ترك الرقة في كانون الثاني/ يناير 2016، حيث لم يستطع العيش تحت حكم
تنظيم الدولة، مشيرا إلى أنه يحلم بالعودة إلى الرقة بعد تحريرها، ويبدو أن هذا الحلم أصبح قاب قوسين أو أدنى.
ويستدرك هشام قائلا إنه بدلا من أن يكون سعيدا بذلك فهو قلق؛ لأن مشكلات المدينة أبعد ما تكون عن نهايتها، فهذه الأيام يجلس مع أصدقائه في المنفى، ويسخرون من الخرائط المغلوطة التي ينشرها الإعلام، نقلا عن قوات
سوريا الديمقراطية، التي تقاتل تنظيم الدولة في الرقة، حيث هؤلاء المفروض أنهم مقاتلون محليون يستخدمون الخرائط لإظهار تقدمهم، لكنهم وضعوا بعض مناطق المدينة في المكان الخطأ، وأخطأوا في كتابة أسماء القرى المحيطة، ويلفظون في فيديوهاتهم أسماء المناطق التي يقاتلون فيها بطريقة خاطئة.
ويقول الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إنه "في الوقت الذي يرحب فيه سكان شرق سوريا كلهم بانتهاء حكم تنظيم الدولة، فإن الكثيرين من أهل الرقة لديهم مشاعر مختلطة تجاه محرريهم
الأكراد بشكل كبير، ويخشون انتقاما عشوائيا عنصريا على المدى الطويل، فما هو موقع السوريين السنة، الذين ارتكب تنظيم الدولة الفظائع باسمهم في النظام الجديد؟".
ويذكر هشام أن أصدقاءه يطرحون أسئلة مثل: "هل من الأفضل أن تكون بيوتهم باقية واقفة أم مهدومة حتى لا تعد بيوتا (داعشية) فتتم مصادرتها؟"، فيجيب صديق آخر: "إن قوات سوريا الديمقراطية لا تصادر إلا بيوت تنظيم الدولة"، ويعلق ثالث قائلا: "لكن تنظيم الدولة صادر مئات البيوت على مدى السنوات الأربع الماضية".
ويتساءل الكاتب: "إن كانت قوات سوريا الديمقراطية صادرت بيوتا كان تنظيم الدولة قد صادرها ابتداء.. فهل ستعاد تلك البيوت لأصحابها؟"، ثم يقول إن "السؤال الرئيسي الذي نوجهه لمحررينا: ماذا سيحصل بعد؟".
ويفيد هشام بأن المسؤول في قوات سوريا الديمقراطية طلال سيلو أعلن قبل أسبوعين عن بدء المعركة "لتدمير ما سماه عاصمة تنظيم الدولة.. وتحرير عاصمة الإرهاب والإرهابيين"، مشيرا إلى أنه منذ ذلك الحين استطاعت القوات المهاجمة المدعومة من أمريكا الاستيلاء على منطقة أو منطقتين من جانبي المدينة، وكثفت طائرات التحالف الذي تقوده أمريكا من حملة القصف، وذكرت التقارير أنها استخدمت قنابل تحتوي على الفسفور الأبيض، ما أدى إلى "خسائر فادحة في أرواح المدنيين"، بحسب ما ورد على لسان محقق الأمم المتحدة في جرائم الحرب، بالإضافة إلى تدمير البنى التحتية الضرورية، وقد وثقت مجموعة "الرقة تذبح بصمت" مقتل أكثر من 600 خلال الفترة من آذار/ مارس إلى حزيران/ يونيو.
ويشير الكاتب إلى أنه "لا يزال في الرقة، التي تستضيف نازحين داخليين 200 ألف نسمة و2500 مقاتل من تنظيم الدولة، بحسب آخر التقديرات، وقد تقع مسؤولية حكم هؤلاء السكان على عاتق قوات سوريا الديمقراطية قريبا، لكن الكثير من المدنيين، الذين هربوا مؤخرا من مناطق سيطرة تنظيم الدولة إلى مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، يقولون بأن القوات التي يقودها الأكراد ليست مهتمة برفع المعاناة عن السكان، بقدر ما هي مهتمة بجعل العرب مواطنين من الدرجة الثانية".
ويقول هشام إن صديقا له حاول الانتقال الشهر الماضي من الرقة إلى منبج، في ريف حلب الشرقي، التي تقع تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، مع زوجته وأطفاله الأربعة، اضطرته قوات سوريا الديمقراطية إلى الذهاب إلى مخيم انتقالي، أقامته تلك القوات للبحث في خلفيات الأشخاص؛ خوفا من انتمائهم لتنظيم الدولة، لافتا إلى أن المخيم يقع في ساحة مسيجة لتخزين القطن في قرية عين عيسى، على بعد 30 كيلومترا شمال الرقة، وتم الاستيلاء على القرية في 2015 علي يد وحدات الحماية الشعبية، وهي القوات الكردية التي تشكل العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية.
ويلفت الكاتب إلى أن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تقدر بأن هناك تسعة آلاف شخص في المخيم وحوله، مشيرا إلى قول زميله: "إن قوات سوريا الديمقراطية تقوم بجمع هويات من يغادرون الرقة، ويرسلون بهم إلى المخيمات، حيث تتم إساءة معاملتهم.. يبقون الناس لمدة تصل إلى 15 يوما تحت الشمس، ثم يصورونهم على أنه يتم الاعتناء بهم، ولم يكن لدينا سوى الخبز في الصباح".
ويقول هشام: "بقي صديقي في المخيم ثلاثة أيام، وقال إن أفراد عائلته اضطروا للنوم في سيارتهم، في الوقت الذي كان ينام هو على الأرض، واضطرت المجموعة التي كانت معه بالتظاهر لاسترجاع هوياتهم، فتم ضربهم، وقال صديقه إنه ندم على خروجه من الرقة".
ويضيف الكاتب: "لكنه حصل بعد ذلك على تصريح من قوات سوريا الديمقراطية للسفر إلى منبج، إلا أن العقبات لم تنته عند هذا الأمر، فعندما وصل المدينة طلب حاجز الشرطة الكردية (كفالة)، وهي وثيقة من أحد سكان منبج يقول بأنه شخص يمكن الوثوق به، للسماح له بالدخول إلى المدينة".
ويتابع هشام قائلا إن "منبج هي النموذج الأول لمدينة سنية عربية يحكمها الأكراد، ولو وضعنا المصاعب جانبا فليست أخبار السنة العرب كلها سيئة، وقد تحدثت مع العديد حول الوضع في منبج، وقالوا إن الوضع تحسن منذ تسلمت مجالس قوات سوريا الديمقراطية العسكرية والمدنية من وحدات حماية الشعب، فتم تنظيم الكهرباء مثلا منذ استيلاء قوات سوريا الديمقراطية على السدود الموجودة على نهر الفرات، وعندما انتزعت قوات النظام محطة ضخ المياه من بحيرة
الأسد، التي كان يسيطر عليها تنظيم الدولة، استطاعت قوات سوريا الديمقراطية ترتيب إمداد منبج مرة أخرى بالمياه، وعادت شبكة الهاتف المحمول الرئيسية للعمل".
وينوه الكاتب إلى أن المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية أصبحت مناطق يحظر فيها الطيران مما يحمي المدنيين، لافتا إلى أن العرب في هذه المناطق عاشوا بين الجهات المتحاربة الأربع؛ قوات سوريا الديمقراطية، وتنظيم الدولة، والجيش السوري الحر، ونظام الأسد.
ويورد هشام أن أحمد، وهو رجل في منتصف العمر، وكان يعمل في الصرافة في الرقة قبل الفرار إلى منبج، يفضل قوات سوريا الديمقراطية، حيث يقول: "لم أستطع إبقاء محلي مفتوحا تحت سيطرة الجيش السوري الحر؛ خوفا من النهب لأي سبب، وانتعشت التجارة في ظل تنظيم الدولة؛ لأنه يحمي الممتلكات، فكان بإمكانك القدوم لمحلي وأنت تحمل معك 100 ألف دولار أمريكي دون القلق على أمنك.. والآن تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية هناك الأمان ذاته، عدا أنه ليس علينا دفع الزكاة".
ويقول الكاتب: "أما بالنسبة للنساء فإن التغيير من تنظيم الدولة إلى قوات سوريا الديمقراطية، كان تغييرا جذريا، حيث أن سميرة، وهي صيدلانية متخرجة من جامعة دمشق، كانت واحدة من النساء اللواتي فرض عليهن لبس عباءة سوداء ونقاب من الرأس وحتى أخمص القدمين خلال حكم تنظيم الدولة، وأبقت صيدليتها في وسط منطقة الفردوس عندما سيطر تنظيم الدولة، لكن الأمر لم يكن سهلا، فتقول: (كانت تلك الأوقات صعبة لبيع الأدوية، ووقعت في إشكالية عندما كنت أعطي الأدوية دون تغطية يدي)، علما بأن سميرة تنحدر من عائلة محافظة في الرقة، وتلبس ملابس طويلة، لكنها لم تكن تغطي وجهها من قبل، وهي تنتظر في منبج تحرير مدينتها؛ لتعود إلى حياتها الطبيعية".
ويقول هشام إن "كثيرا من العرب يرون أن حكم قوات سوريا الديمقراطية مساو لعودة حكم النظام، عدا عن أن الأكراد هم المتحكمون بدلا من العلويين، ويقول أحمد إن (الأكراد مثل النظام.. هناك بعض الأشخاص المتنفذين ممن يتمتعون بالنزاهة، لكن أحيانا لا تستطيع تسليك أمورك دون علاقات أو دفع رشاوى، لكن بالطبع هم أفضل بكثير من تنظيم الدولة وغيرهم)".
ويذهب الكاتب إلى القول إن "سنوات الحرب غيرت آراء أهل الرقة حول ما يريدونه في حياتهم، وما يريدونه لمدينتهم، بعضهم أصبح مجرد العيش هو الهدف بعد سنوات من جنون الجهاديين وهدير الطائرات النفاثة، وقد يكون حل شبيه لحل منبج مناسبا على المدى القصير للرقة إن نجت المدينة من الإبادة".
ويختم هشام مقاله بالإشارة إلى قول أبي مرعي، وهو رجل مسن ترك بيته في شارع النور في الرقة: "شاهدنا مقاطع مخيفة للدمار في الرقة، وإن انسحب (تنظيم الدولة) قريبا، فأملنا هو أن نعود إلى بيوتنا، وأن نجدها لا تزال قائمة .. ولا يهمني من سيحكم".