حذرت صحف غربية من اتساع رقعة الحرب السورية ووصولها إلى مستويات جديدة.
وفي هذا السياق، حذرت صحيفة "الموندو" الإسبانية؛ من تدمير البلاد بالكامل وتقسيمها، وذلك في ظل سعي كل الأطراف المتدخلة في النزاع لتحقيق مكاسب استراتيجية، مع اقتراب موعد سقوط
تنظيم الدولة وانقشاع غبار المعركة.
وذكرت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تخلى عن سياسة "الحياد" التي لطالما انتهجها سلفه باراك أوباما، وهو ما بات ينذر بمخاطر جديدة تهدد
سوريا. فقد وجهت الإدارة الأمريكية ضربات جوية طالت قوات النظام السوري مرتين خلال شهر واحد، في حين أقدمت على إسقاط طائرتين من دون طيار إيرانية، فضلا عن مقاتلة تابعة للنظام السوري. وعلى ضوء هذه التحركات، اعتبر العديد من المراقبين أن ذلك مؤشر على تحول الصراع السوري إلى حرب شاملة، خاصة في المنطقة الشرقية.
وأشارت الصحيفة إلى أن الأطراف المتدخلة في سوريا عمدت إلى خلق نوع من التنسيق فيما بينها، لتجنب الدخول في مواجهات مباشرة، على الرغم من تباين الأهداف والسياسات بينها. ففي الوقت الذي تدعم فيه الولايات المتحدة قوات متعددة العرقيات تسعى لاستعادة مدينة الرقة، تعمل روسيا على تقديم الدعم البري والجوي لقوات نظام الأسد في محافظات حلب وحمص.
واعتبرت الصحيفة أن تطورات الحرب الأخيرة، ونجاح مختلف هذه الأطراف في تحقيق مكاسب على حساب تنظيم الدولة، جعلها تقترب من بعضها البعض جغرافيا، لتصبح المواجهة بينها أمرا محتوما. وفي الأثناء، تتمثل النقطة المحورية في هذا الصراع، بعد السقوط المنتظر لمدينة الرقة، في منطقة دير الزور في الشرق، وخاصة الشريط الحدودي بين منطقة التنف ومدينة البوكمال، الخاضعة حاليا لسيطرة تنظيم الدولة.
وأضافت الصحيفة أن قوات التحالف الدولي قامت بدعم عناصر من الفصائل في هذه المنطقة، وذلك بهدف مواجهة تنظيم الدولة. وفي أيار/ مايو الماضي استهدفت قوات التحالف قوات النظام التي كانت تتقدم في المنطقة الآمنة، في شمال غرب التنف.
وذكرت الصحيفة أن الإدارة الأمريكية في واشنطن منقسمة. ففي الوقت الذي ينادي فيه "الصقور" بتصعيد العمليات في سوريا ضد إيران، تعتبر "الحمائم" في الإدارة الأمريكية أن غزو العراق خطأ فادح أدى إلى فتح أبواب الجحيم في وجه الولايات المتحدة، وجعل المنطقة أرضية ملائمة لظهور تنظيم الدولة، ولذلك يرفضون التدخل قطعيا في سوريا.
وفي هذا الصدد، أورد المحلل العسكري الإسباني، خيسوس بيريز، أن "السؤال المطروح الآن هو ما إذا كانت الولايات المتحدة تريد فعلا التورط في حرب جديدة في سوريا، بينما تتجه قواتها إلى أفغانستان، في حين وضعت مخططات لنشر قوات في الصومال. في هذه الحالة، سوف تخرج الأمور عن السيطرة وتتحول الإستراتيجية العسكرية الأمريكية إلى فوضى عارمة، في ظل انقسام بين عديد من الجبهات، وهو ما يمكن أن يؤدي لنتائج عكسية".
وفي الإطار نفسه، نشرت صحيفة "تسايت" الألمانية تقريرا، أشارت من خلاله إلى أن الصراع بغية تقسيم سوريا قد بدأ للتو. وقد بات هذا السيناريو مصير سوريا الذي لا مفر منه، حيث سيتمكن الأسد من الظفر بحلب وحماة وحمص ودمشق والساحل الغربي، فيما يبقى الغموض يحيط بمصير المنطقة الشرقية.
وذكرت الصحيفة أن العديد من المخاوف تساور واشنطن فيما يتعلق بمخططات طهران، التي تسعى لضمان السيطرة على ممر يمتد من إيران عبر العراق وسوريا نحو البحر الأبيض المتوسط، علما أن واشنطن ترفض حدوث ذلك بأي ثمن.
وتجدر الإشارة إلى أن الخيار العسكري الذي يخشاه نظام الأسد وحلفاؤه في طهران؛ يتمثل في اعتماد الولايات المتحدة على المليشيات الكردية، المنضوية تحت قوات سوريا الديمقراطية. ومن المثير للاهتمام أن هذه القوات تأمل في أن تتقدم نحو الجنوب، في أعقاب طرد مقاتلي تنظيم الدولة من الرقة.
وأوردت الصحيفة أن العديد من المقاتلين العرب من المعارضة يتمركزون في هذه المنطقة، مع العلم أنهم يحظون بدعم من قبل الولايات المتحدة والأردن. وفي الأثناء، يتلقى هؤلاء المقاتلون تدريبات من خبراء أمريكيين وبريطانيين وأردنيين في القاعدة العسكرية في التنف؛ التي تتميز بأهمية استراتيجية كبرى؛ نظرا لأنها تجمع حدود ثلاث دول، ألا وهي العراق وسوريا والأردن.
وأفادت الصحيفة أن الصراع بين مختلف القوى في إطار سعيها لتقسيم سوريا قد بدأ فعليا وبات بينا للعيان. ويتجلى ذلك خاصة في شرق البلاد وعلى امتداد نهر الفرات والمناطق الحدودية. وفي هذا السياق، لا يعتبر شرق سوريا وغرب العراق مناطق حيوية وهامة لتمكين إيران من ضمان ممر نحو البحر الأبيض المتوسط وتزويد حزب الله بالأسلحة فقط، بل تتضمن هذه المنطقة أيضا اثنين من خطوط أنابيب النفط وطريقا دولية.
واعتبرت الصحيفة أن تقسيم سوريا بات أمرا محتوما، في حين تدرك كل الأطراف المتدخلة في الصراع السوري هذا الواقع. فعلى سبيل المثال، تعكس الخطة التي قدمتها روسيا لفرض مناطق آمنة في أيار/ مايو الماضي؛ وعي الكرملين بهذا المصير. أما بالنسبة لتنظيم الدولة، فعلى الأرجح سيخسر مدينة الرقة خلال الأسابيع القادمة، مع العلم أنه كان قد تراجع مسبقا لتعزيز مواقعه في منطقة دير الزور، حيث يتموقع أهم قادته ويحتفظ بذخائره.
ونقلت الصحيفة تصريحات كريستوفر كوزاك، الخبير في الشؤون السورية في معهد دراسات الحرب في الولايات المتحدة، الذي أكد أن "خسارة تنظيم الدولة للرقة سيمثل حدثا رمزيا، ولكنه لن يكون مصيريا، والأمر عينه ينطبق على خسارة الموصل. فقد بات التنظيم يعتمد سياسة الأرض المحروقة في حين يحافظ على قدراته على اعتباره مليشيا مخيفة تتقن حرب الشوارع".