نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا للكاتبين أيكن إرديمير ومروة طاهر أوغلو، يقولان فيه إن انحدار
تركيا نحو الاستبداد تحت رئاسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، صاحبته سياسة خارجية غير منتظمة.
ويشير الكاتبان إلى أنه منذ وصول أردوغان إلى السلطة عام 2002، فإنه مزج بين الخطابات العثمانية الجديدة في تركيا مع طموحات العالم الإسلامي الموحد، ودعم الإخوان المسلمين في العالم، ومؤخرا دعم الجهاديين في
سوريا.
ويستدرك الباحثان في مقالهما، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن "تقلب التحالفات المحلية، وإخفاقات السياسة الخارجية، حدا من إمكانية العمل بالمبادئ الأيديولوجية وحدها، والتوتر الحاصل -بين حماس أردوغان الإسلامي وبراغماتيته الاضطرارية- يساعد في توضيح السياسة الخارجية (المرقعة) في الشرق الأوسط والعالم".
ويقول الكاتبان إن "أردوغان نجا في السنوات الأربع الماضية من محاولتين للإطاحة به؛ الأولى قضية فساد عام 2013، والثانية محاولة انقلاب الصيف الماضي، وأدت جماعة غولن، التي كانت مقربة من أردوغان في الفترة بين عامي 2002 و2013، دورا مهما في المحاولتين، وهو ما أدى به للقيام بعملية تطهير في أجهزة الدولة، حيث استبدل مؤيدي غولن بالقوميين، بالإضافة إلى أن فشل أنقرة في حل الصراع مع المجموعات الكردية عام 2015، ونشوء الجماعات الجهادية في سوريا، أدى إلى عودة الهجمات الإرهابية التي نتج عنها أعداد في الضحايا غير مسبوقة، ما جعل الشعب التركي وزعيمه يتحولان أكثر للقومية".
ويضيف الباحثان: "لا ننسى محيط تركيا الذي تغير، فالإخوان المسلمون، الذين بدوا في صعود خلال ثورات الربيع العربي، تم اليوم إقصاؤهم إلى هامش السياسة في الشرق الأوسط من اللاعبين الكبار إقليميا، مثل السعودية ومصر عبد الفتاح السيسي، وأخيرا أزمة الخليج، التي توجت بالهجوم الدبلوماسي على قطر، التي تدعم الإخوان مع تركيا، وهي تشكل أيضا تراجعا جديدا للإسلام السياسي، أما أنقرة، التي دعمت الإسلاميين منذ بداية الربيع العربي، اكتشفت أن الإسلاميين فشلوا في الإمساك بالسلطة، ووجدت نفسها مع الجانب الخاسر في الدبلوماسية الإقليمية".
ويلفت الكاتبان إلى أنه "منذ عام 2013، أصبحت العلاقات بين تركيا ومصر وتركيا وليبيا علاقات عدائية؛ لأن تركيا وقطر دعمتا فصائل لا تزال تحارب بالوكالة ضد القوات التي تدعهما كل من مصر والإمارات في ليبيا".
ويقول الباحثان إن "موقف أردوغان القوي الداعم لقطر في الأزمة الأخيرة، سيؤدي فقط إلى عزل تركيا في الشرق الأوسط الكبير، وبعيدا عن أزمة الخليج، فما يقلق أنقرة أكثر هو الحرب الأهلية الدائرة في الجارة سوريا، حيث حصل الأكراد السوريون بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، الذي يرتبط بحزب العمال الكردستاني، وهو الحزب الإرهابي الذي خاض حملة إرهابية لمدة 40 عاما ضد الدولة التركية، على حكم ذاتي، كأمر واقع، وشكل أكراد سوريا مليشيات أطلقوا عليها اسم وحدات حماية الشعب، التي امتد نفوذها خارج كردستان للبلدات العربية، وتعد أنقرة هذا التقدم في أوضاع أكراد سوريا بأنه يشكل إلهاما غير مرحب به لأكراد تركيا؛ ولذلك فإنها حرصت ألا يصل الأكراد إلى حدودها لئلا تصبح مناطقهم منصة يطلق حزب العمال الكردستاني حملاته الإرهابية منها".
ويبين الكاتبان أن "المشاعر السلبية تجاه الأكراد في تركيا والشعور بالخطر من قيام حكم كردي ذاتي في سوريا، تزامنا مع المخاطر الوجودية لأردوغان من خلال الانقلاب، وأدى ذلك بالدفع بأردوغان إلى أحضان القوميين المتشددين، الذين رفض التعاون معهم سابقا، وسيشكل هذا التحالف أكبر عقبة في وجه تطبيقه لرؤيته في السياسة الداخلية والخارجية، ومع أن أردوغان كان الزعيم التركي الأول الذي سعى إلى إيجاد حل سياسي شامل للصراع مع الأكراد، إلا أنه اليوم يقوم بحملة شعواء ضد الأكراد في جنوب تركيا".
ويجد الباحثان أن "هذا يعني عمليا أن سياسة تركيا أصبحت مشغولة بمحاربة الأكراد هناك، ولا مانع لديها من بقاء رئيس النظام السوري يشار الأسد في الحكم، بعد أن كانت تدعم المليشيات الجهادية بهدف تغيير سريع للنظام السوري".
ويرى الكاتبان أن "تحول أردوغان تجاه القومية، الذي أملته عليه الحاجة، لم يخفف من النغمة الإسلامية للسياسة الخارجية، لكن ما حصل هو أن ما بدا في 2011 استراتيجية إسلامية شاملة ومتماسكة، تراجع ليصبح سياسة تقوم على رد الفعل والترقيع، ومع ذلك، فإن الفكر الذي غذى الاستراتيجية الكبرى الأصلية لا يزال هو ذاته، وتكبحه فقط الحاجات التكتيكية، وتهديد حكم أردوغان".
وينوه الباحثان إلى أن "استمرار هذه الرؤية الإسلامية الشاملة واضح جدا في سياسة تركيا للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فقبل صعود الإسلاميين للحكم في تركيا كانت أنقرة والقدس تتعاونان عن كثب في مجالات المخابرات والدفاع الشؤون الأمنية، وبالرغم من جهود أردوغان لتقويض ذلك، فإن البيروقراطية الأمنية لا تزال تنظر إلى القدس بصفتها مصدرا مهما، خاصة في ضوء عودة القومية الكردية، وتنامي النفوذ
الإيراني في المنطقة".
ويذهب الكاتبان إلى أنه "لذلك، فإن تركيا اليوم، التي يقلقها الأمن، سعت لتحسين علاقاتها مع إسرائيل، ما دفع بأردوغان إلى المصالحة العام الماضي، حيث وافقت أنقرة على إعادة السفراء، واستسلمت لفتح إسرائيل ممثلية دائمة في مقر الناتو، لكن حتى مع استمرار أردوغان باستيعاب الإسرائيليين، إلا أنه لن يتخلى عن رفاقه في حركة حماس، الذين استمر بدعمهم، وآوى المبعدين منهم في تركيا، فبالإضافة إلى الفكر المشترك مع حركة حماس، فإنه يعد دعم القضية الفلسطينية أمرا لا غنى عنه في حملات الدعاية له في تركيا وفي العالم الإسلامي".
ويورد الباحثان أن "هناك مثالا آخر على سياسة أردوغان الترقيعية، يتمثل في السياسة التركية تجاه إيران، فمع أن تركيا قلقة من طموحات الهيمنة الإيرانية إقليميا، إلا أن أردوغان والإسلاميين الأتراك كانوا تقليديا متعاطفين مع إيران، ومستعدين لمشاركتها تحت الظروف الملائمة للوقوف في وجه الليبرالية الغربية، وأدى هذا الأمر لأن تعارض أنقرة عام 2010 فرض عقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي، بالرغم من التهديد المحتمل الذي سيشكله وجود إيران نووية، أما الأجهزة الأمنية في أنقرة فهي متشككة تجاه إيران، التي تعد أحد أهم الداعمين لحزب العمال الكردستاني، وبالرغم من التنافس الطائفي في العراق وسوريا، ما يقوض طموحات أردوغان في بناء شراكة استراتيجية، إلا أن التعاون بين البلدين سيستمر في مجالات الطاقة والتجارة والتمويل غير المشروع".
ويخلص الكاتبان إلى القول: "تبدو سياسة أنقرة الترقيعية متناقضة، فأردوغان يؤمن بالوحدة الإسلامية، في الوقت الذي يعمل فيه مع منافسيها، وهذا نابع من
البراغماتية التي تفرض نفسها عليه بسبب تحديات كثيرة، مثل الحلفاء الذين يطعنون من الخلف في الوطن، وعودة القومية الكردية، وتراجع حظوظ الإخوان المسلمين عالميا منذ الربيع العربي، لكن أردوغان سياسي حكيم وقادر على البقاء، وسيفعل كل شيء ليبقى في السلطة، لكنه لم يخسر حماسه الإسلامي، والآن سيستمر أردوغان بتقديم التنازلات لحماية حكمه، أملا في نجاح ربيع آخر".