علقت مجلة "إيكونوميست" على الوضع السياسي في سلطنة
عُمان، قائلة إن هناك قلة من الزعماء الذين يمتلكون ذلك الحضور، الذي يحظى به السلطان
قابوس، الذي تبرز صورته التي لا تشيخ في كل مكان.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن "السلطان يظهر كل ستة أشهر، بين رحلات العلاج من مرض السرطان على التلفزيون؛ ليثبت لشعبه أنه لا يزال على قيد الحياة، وبدا قابوس في آخر حضور له في شهر أيار/ مايو وكأنه يتألم، وكان يرتدي الزي الأبيض ذاته الذي كان والده يرتديه قبل أن يتدخل الابن ويطيح به في انقلاب أبيض، ويوقف الفساد، ويرسله ليقضي بقية حياته في المنفى في نيودلهي في الهند".
وتبين المجلة أن "عُمان تحتاج مرة أخرى، بعد 47 عاما، لزعيم قوي ليصحح اقتصادها، فالرعاية الاجتماعية الكريمة واليد الحديدية منعتا السكان حتى الآن من التمرد على السلطة، واستطاع السلطان تهدئة غضب السكان، البالغ عددهم 4 ملايين نسمة، في أثناء ثورة الربيع العربي، من خلال زيادة مستويات الإنفاق العام، إلا أنه بسبب انهيار أسعار النفط في عام 2014، لم يعد السلطان قادرا على الإنفاق، وما يزيد الوضع سوءا هو أن جيران عُمان أوقفوا دعمهم لها، فهم غاضبون من صداقتها مع
إيران، وموقفها المحايد من حرب اليمن، وعلاقتها القريبة الآن مع
قطر".
ويلفت التقرير إلى أن "الميزانية عانت في عام 2015 من عجز نسبته 15% من مجمل الدخل القومي للفرد، وزادت النسبة إلى 21% عام 2016، إلا أن زيادة النفقات مستمرة، رغم معاناة الميزانية، بما في ذلك النفقات المخصصة للسلطان، ووعد بزيادة رواتب موظفي الدولة وغيرهم، بالإضافة إلى أن عُمان تسلمت صفقة جديدة من الطائرات البريطانية الصنع (تايفون)، وفي الوقت الذي تزيد فيه قيمة الديون العُمانية، فإن هناك شكوكا حول قدرة البلد على دفع الديون المستحقة عليها، ففي شهر أيار/ مايو خفضت وكالة تقييم الدين (أس أند بي) الصكوك العمانية، وقد يضطر السلطان للبحث عن دعم، وربما يكون أول زعيم خليجي يستدعي صندوق النقد الدولي لمواجهة أزمة الدين والعجز في الميزانية".
وتفيد المجلة بأن "الإعلام العُماني الملتزم بخط الدولة يقوم بتهدئة القلق، من خلال التكهن بارتفاع أسعار النفط من 50 إلى 80 دولارا للبرميل، وهو ما تحتاجه عُمان لتصحيح ميزانيتها، واعتقلت عُمان في الخريف الماضي محررين وصحفيين؛ لأنهم نشروا تقريرا لوكالة أنباء (رويترز) عن الفساد، إلى جانب قاض معارض، وتلقى المراسل عندما كان في عُمان رسائل من شخصيات تعتذر عن الحديث معه، مبررين ذلك بالقول: (قد أسجن بسبب الحديث معك)".
وينوه التقرير إلى أن "السلطان عندما كان شابا عمل على تحويل بلاده، ونقلها من حكم والده الرجعي، وأعلن عام 1970 ما أسماها (النهضة)، وألغى العبودية، وزاد عدد المدارس بنسبة 300%، بعدما كان عددها ثلاث مدارس فقط، وزاد عدد الطرق المعبدة بحوالي 30 ألف كيلومتر، بعدما كان المتوفر منها 15 كيلومترا فقط".
وتذكر المجلة أن "الهدف من الخطة التنموية، التي كشف عنها عام 1995، تحت شعار عُمان 2020، كان فطم عُمان عن النفط، وتعزيز القطاع الخاص، وبناء قاعدة اقتصادية، لكن السلطان قام العام الماضي بإعادة تسمية الخطة بـ2040، فبحسب الخطة كان يجب أن تكون نسبة النفط في موارد الدولة 40% أقل من 66% عام 1995، إلا أن حصتها زادت إلى 80%".
ويقول التقرير إن "السلطان يدير السياسة والاقتصاد، فبالإضافة لكونه السلطان، فإنه رئيس الوزراء ووزير الخارجية والدفاع والمالية ورئيس المصرف المركزي، وما مجلس الشورى إلا هيئة تجميلية، واشتكى دبلوماسي غربي قائلا: (لا تتحدث إلى السلطان، فالسلطان هو الذي يتحدث إليك)".
وتؤكد المجلة أنه "في الوقت الذي تتراجع فيه ميزانية الدولة، فإنه تم تأخير افتتاح مطار مسقط لعام آخر، فيما يضغط على الشركات الخاصة لتستوعب عشرات الآلاف من الخريجين الذين يدخلون قطاع العمل كل عام، ومن هنا يزداد الهمس الذي اندلع لاحتجاجات ضد رفع أسعار النفط، حيث يقول ناشط: (بعد أن بذرت الثروة في أيام الوفرة، فإن الحكومة تقوم الآن بجعل المواطنين يتحملون الثمن)، ولو لم يتغير الوضع فإن هناك خشية من تفكك الدولة، أو حدوث انقلاب جديد".
ويتساءل التقرير عما إذا كانت أزمة قطر فرصة ذهبية لعُمان، مشيرا إلى أن "زيادة التوتر داخل مجلس التعاون الخليجي وبينه وبين إيران تجعل من موقع عُمان على فم مضيق هرمز مثارا للحسد، حيث قامت قطر تحت الحصار بحرف مسارات الطيران الجوي كلها عبر مسقط، وقامت في هذا الأسبوع بالكشف عن مسار جديد عبر المدينة الصناعية صحار، وتخطط عُمان لمنافسة المسار البحري في منطقة جبل علي في دبي، حيث سمح السلطان للصين بالقيام بتوسيع ميناء دقم على المحيط الهندي، وإقامة استثمارات بقيمة 10 مليارات دولار مخصصة للشركات الصينية".
وتختم "إيكونوميست" تقريرها بالإشارة إلى أن "التوتر مع قطر يجعل العُمانيين يشعرون بالقلق، فبعد محاولات السعوديين والإماراتيين مواجهة التأثير الإيراني في اليمن، يخشى العُمانيون أن يتعرضوا للهجوم التالي، وفي العقود الماضية واجهوا التدخلات السعودية والإماراتية بدعم غربي، إلا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد لا يظهر أي اهتمام لإنقاذهم، ويقال إنه حانق على الدور العُماني في الوساطة لتحقيق الاتفاق الأمريكي الإيراني بشأن النشاطات النووية".