في سابقة هي الأولى من نوعها، أعلنت الحكومة
المصرية، منح أولياء الأمور قروضا بنكية لمساعدتهم في سداد المصروفات المدرسية لأولادهم الطلاب بالمدارس الخاصة والدولية.
وأوضحت مديرة العامة للتعليم الخاص والدولي بوزارة التربية والتعليم، عبير هاني، أن هدف الحكومة من هذه المبادرة هو تخفيف العبء عن كاهل الأسر المصرية، بعد قرار
المدارس زيادة المصروفات المدرسية الناجمة عن ارتفاع نسبة التضخم وارتفاع الأسعار كأحد تبعات قرارات "الإصلاح الاقتصادي"، كما قالت.
وأضافت هاني، في تصريحات لصحيفة "المصري اليوم"، الأحد الماضي، أن الوزارة خاطبت البنك المركزي للموافقة على صرف البنوك قروضا ميسرة لأولياء الأمور بفائدة أقل من
القروض المعتادة بالبنوك، مشيرة إلى أنه من المتوقع أن يتم البدء في صرف القروض خلال أيام لدفع مصروفات العام الدراسي المقبل.
ويعد الاستثمار في قطاع
التعليم الخاص أحد المجالات الاقتصادية التي يستحوذ عليها رجال أعمال مؤيدون للنظام وتربطهم به شبكات مصالح قوية، بحسب مراقبين.
معاناة أولياء الأمور
وارتفعت الرسوم المدارس الخاصة والدولية بنسب وصلت إلى 35 في المئة، بعد أن وافقت الحكومة على زيادة الرسوم، وهو ما زاد من الضغوط والأعباء المادية على كاهل الأسر المصرية التي تكافح في السنوات الأخيرة بسبب القفزات المستمرة والكبيرة في أسعار كافة السلع والخدمات.
وعلى الرغم من أن الوزارة تحدد سنويا قيمة الرسوم الدراسية لكل مدرسة ونسبة الزيادة المسموح بها، إلا أن الغالبية العظمى من تلك المدارس لا تلتزم بقرارات الوزارة، وتفرض على الطلاب رسوما أكبر من المعلن عنه، بحسب أولياء أمور تحدثت إليهم "عربي21".
ومع بداية كل عام دراسي، تصدر وزارة التعليم في مصر قرارات لأصحاب المدارس الخاصة والدولية بالالتزام بالرسوم المدرسية المعلنة من قبل الوزارة، إلا أن هذه القرارات لا يتم تنفيذها، نظرا لعلمهم أن الحكومة عاجزة عن مراقبتهم أو إلزامهم بقرارتها، بحسب أولياء أمور.
وأكد أولياء أمور أنه بدلا من انصياع هذه المدارس لتعليمات الحكومة، فإنها في المقابل تقوم بتهديدهم بطرد أبنائهم من المدرسة إذا لم يدفعوا الرسوم الجديدة، وفي النهاية يضطر أولياء الأمور للانصياع ودفع الرسوم الجديدة خوفا على مستقبل أبنائهم.
مسكن للألم
ويقول الخبير الاقتصادي مصطفى عطوة؛ إن هذه الحالة المزرية التي يعيشها المصريون هي نتيجة للوضع الاقتصادي السيئ، ورضوخ النظام لقرارات صندوق النقد الدولي التي أسفرت عن آثار سلبية، من بينها تدني قيمة العملة المحلية، ورفع الدعم عن السلع الأساسية والوقود، وهو ما أثر بشكل كبير على ارتفاع جميع أنواع أسعار والخدمات.
وأوضح عطوة، في حديث لـ"عربي21"، أن المواطن المصري أصبح عاجزا عن سداد المصروفات الدراسية لأبنائه مع ارتفاع أسعار المتطلبات الأخرى من مأكل ومشرب ومسكن، مؤكدا أن نفقات أي أسرة ارتفعت لثلاثة أضعاف على أقل تقدير في الشهور الأخيرة، وفق تقديره.
وحول منح قروض بنكية لدفع المصروفات الدراسية، أكد عطوة أن الحكومة اخترعت هذا الفكرة كمحاولة لتسكين الألم، محذرا من أن التوسع في منح القروض للمواطنين غير القادرين على توفير نفقاتهم الأساسية بسبب دخولهم المحدودة سيكون له أثر سلبي على الاقتصاد والمجتمع بشكل عام.
الطبقة الوسطى تتآكل
وبسبب الانهيار شبه الكامل وتدني مستوى التعليم في المدارس الحكومية ذات الفصول المكدسة، أصبحت المدارس الخاصة البديل الوحيد المتاح أمام ملايين المصريين الذين ينتمي معظمهم إلى الطبقة الوسطى، فيما يرسل المنتمون إلى الطبقات الأعلى أولادهم إلى المدارس الأجنبية التي تتقاضى مصروفاتها بالعملات الأجنبية.
وتشير البيانات الحكومية إلى أن عدد المدارس الخاصة فى مصر يصل إلى نحو ستة آلاف مدرسة، في بلد يحتل المرتبة قبل الأخيرة في مستوى جودة التعليم، بحسب إحصائيات المؤسسات الدولية المختصة.
من جانبه، رأى الخبير الاقتصادي مجدي مهنا؛ أن الأوضاع الاقتصادية في مصر تسير من سيئ لأسوأ في كل القطاعات، مشيرا إلى أن كل شيء ارتفع سعره إلا شيء واحد فقط، وهو أجور الموظفين سواء في القطاع العام أو الخاص.
وأضاف أن ملايين المصريين يرسلون أولادهم إلى المدارس الخاصة بسبب تدني مستوى التعليم في المدارس الحكومية التي تكون مصروفاتها قليلة، وهذا بالقطع يؤثر على معدل إنفاقهم على باقي مناحي الحياة، لافتا إلى أنه مع موجة الغلاء الشديد أصبح كثير من أبناء الطبقة المتوسطة غير قادرين على دفع مصروفات أبنائهم بسبب التضخم القياسي الذي يضرب البلاد، مع فشل النظام في ضبط الأسعار في الأسواق.
وأكد أن منح المواطنين قروضا بنكية لدفع الرسوم الدراسية لأبنائهم هو أشبه بالدواء المسكن من الآلام لحل مشكلة مؤقتة، لكن الأزمة الأساسية ستظل موجودة، لافتا إلى أن رب الأسرة سيقترض اليوم لسداد مصروفات أبنائه، لكن لا أحد يعلم ماذا سيفعل العام القادم؟