كشف موقع "ميدل إيست أي" البريطاني عن استثمار سعودي عن طريق رجل أعمال غامض في صحف بريطانية ومؤسسات إخبارية، من أبرزها "
الإندبندنت"، لكن بشكل غير معلن، ما يثير انتقادات حقوقية تجاه الصحيفة، التي تتمتع بقيم ليبرالية، ومخاوف من التأثير على استقلال خطها التحريري جراء هذا الاستثمار.
وبحسب التقرير الذي ترجمته "
عربي21"، فإن رجل أعمال يتخذ من
السعودية مقرا له، استثمر الملايين من الدولارات في مؤسسات إخبارية بريطانية تشتهر بالدفاع عن القضايا
الليبرالية، في مقدمتها "الإندبندتت"، في خطوة من شأنها أن تغضب مناصري حقوق الإنسان وحرية الإعلام.
وأوضح الموقع أن المستثمر السعودي سلطان محمد أبو الجدايل، الذي يبلغ من العمر 42 عاما، استحوذ على ما يصل إلى 50 في المئة من موقع "الإندبندنت" البريطاني، وهو الأمر الذي سبب صدمة بالنسبة لجمهور الصحيفة البريطانية التي تعاني منذ الثمانينيات، قبل أن تكافح الصحيفة ماليا، وتتخلى عن الطبعة الورقية عام 2016.
وفقا للسجلات التي تم تحديثها في موقع "companies house" الجمعة، فإن أبو الجدايل يسيطر تقريبا على نحو 50 في المئة من إدارة "Independent Digital News and Media"، الشركة التي تدير العلامة التجارية لصحيفة "الإندبندنت".
ونقل موقع "ميدل إيست أي"، عن مصدر سعودي مطلع، أن أبا الجدايل يأتي من "أسرة تجارية مقرها في المدينة المنورة".
وأبو الجدايل يتمتع بعلاقة ممتازة برجل الأعمال البريطاني يفغيني ليبيديف، مالك صحيفة "الإندبندنت"، الذي هو ابن عالم اقتصادي مصرفي كان عضوا في الحزب الشيوعي السوفييتي.
وقال المصدر إن الصفقة التي عرضها رجل الأعمال السعودي على إدارة "الإندبندنت" قد تصل إلى 130 مليون دولار، للاستثمار في الصحيفة، على الرغم من أن الموقع لم يتمكن من التأكد بشكل مستقل من قيمة المبلغ بالضبط.
ولكنه اعتبر أن مثل هذا الرقم سيكون استثمارا لا يصدق بالنسبة للشركة التي فقدت الملايين من الجنيهات سنويا لعقود، وتم بيعها إلى عائلة ليبيديف في عام 2010 بـ1 يورو فقط.
ونقلت أيضا عن الأمين العام بالنيابة للاتحاد الوطني للصحفيين، سيموس دولي، قوله إنه كانت لديه شكوك كبيرة حول عملية الاستثمار هذه.
وأضاف أن "الاتحاد الوطني للصحفيين في بريطانيا يؤيد الشفافية القصوى من حيث ملكية وسائل الإعلام، ونحن لا نعرف شيئا عن هذا الاستثمار ومن خلفه".
كما أن هناك مخاوف جدية حول السعودية وعلاقتها بمفهوم حرية الإعلام، ومخاوف من سجل أي شخص قادم من السعودية، من حيث حقوق الإنسان، وهو "أمر يثير قلقنا"، وفق قوله.
وكانت الصحيفة دائمة التغطية لليسار الوسط، وضمنت اسما بخط تحريري فوي حتى في الوقت الذي كافحت فيه مع انخفاض المبيعات وخسائرها الفادحة، قبل أن تصل إلى هذا المستوى في نهاية المطاف، في نهاية عدّت ضربة لتعددية وسائل الإعلام البريطانية.
و"الإندبندنت" مملوكة من عائلة ليبيديف منذ عام 2010، وكانت أطلقت عام 1986، وتعدّ أصغر صحيفة بريطانية عمرا.
وارتفعت حظوظ الإندبندنت منذ توقفت المطابع عن طبع النسخة الورقية في العام الماضي، وأعلنت الشركة تحقيق أرباح بلغت 1.7 مليون يورو ( 2.2 مليون دولار)، وقفز عدد القراء عبر الإنترنت بنسبة 20 في المئة، وزادت الإيرادات بنسبة 75 في المئة.
وقال متحدث باسم الصحيفة إن "استقلال الخط التحريري للاندبندنت تم حمايته رسميا"، وعلى الرغم من تصريح كهذا، إلا أن شراء السعودية لجزء "كبير" من الشركة أثار انتقادات وحملة حقوقية.
ونقل الموقع عن الناشط الحقوقي البريطاني بيتر تاتشل، قوله: "لن يبدو متسقا مع سجل الإندبندنت التي تنصر القيم الليبرالية أن يكون للسعوديين حصة كبيرة في ملكية هذه الوسيلة الإعلامية".
وأضاف أن "هناك الكثير من الأسئلة التي يجب طرحها، والإجابة عليها، ليطمئن الجمهور إلى أنه لا يوجد تعارض بين القيم الليبرالية وبين الاستثمار السعودي".
وقال: "تحتاج الأسئلة إلى أن يتم الرد عليها؛ لطمأنة الجمهور من أنه لا يوجد صراع للقيم داخل الصحيفة".
وأفادت الصحيفة بأن الصفقة وقعت منذ شهر، وأن الخطوة السعودية تتبع المصالح السابقة من مجموعة منفصلة من المستثمرين الخليجيين منذ سنوات عدة.
من جانبه، كتب محرر الإندبندنت كريستيان بروتون، تعليقا على الأمر، قائلا: "لم تتغير مبادئنا في الصحيفة".
وقال: "نرفض رفضا مطلق العلاقات السياسية والحزبية، ونلتزم بالصدق التام، ونتعاطف مع الناس من كل عقيدة ولون في جميع أنحاء العالم، واعتقادنا عميق في القيم التقدمية والليبرالية".
السعودية وحرية الصحافة
وتعد علاقة السعودية بوسائل الإعلام وحقوق الإنسان مثيرة للجدل؛ نظرا لاستخدام المملكة لعقوبة الإعدام، ومزاعم وثيقة بالتعذيب، وسوء معاملة السجناء.
ووفقا لمنظمة "فريدوم هاوس"، التي تراقب
حرية الصحافة، فإن المملكة العربية السعودية لديها "واحدة من أكثر البيئات الإعلامية تقييدا في العالم".
وبحسب موقع "ميدل إيست"، يواجه الكتاب الذين ينتقدون الحكومة السعودية "عقابا قاسيا"، كما أن الهجوم العسكري المستمر في اليمن شهد "قضاء على المعارضة الداخلية، وتقييد وصول الصحفيين الأجانب إلى اليمن لتغطية الأحداث والانتهاكات".