"أرى أن القوى الكبرى تعمل على تقسيم
سوريا، وأن الشعب السوري يتعذب ويعاني ووصل للمرحلة نفسها التي وصل إليها البوسنيون". هذا رأي السياسي البوسني، فيما يحدث حاليا في سوريا، الشاب "
سنلد شيبيتش" الذي ينوي ترشيح نفسه للانتخابات العامة البوسنية عام 2018 التي تشمل الرئاسية والبرلمانية.
"شيبيتش" يشغل حاليا منصب نائب في البرلمان العام لدولة
البوسنة والهرسك، وهو سياسي واسع الثقافة، يتحدث الإنجليزية بطلاقة، ملم إلى حد كبير باللغة العربية، تخرج من كلية الفلسفة قسم التاريخ بجامعة سراييفو، وبعدها حصل على الماجستير من كلية الحقوق. وكان عضوا في حزب العمل الديمقراطي-الذي أسسه الرئيس البوسني الراحل علي عزت بيجوفيتش- لمدة 22 عاما.
"سنلد شيبيتش" عدد أوجه التشابه بين الحالة البوسنية والحالة السورية، خلال حوار أجرته مراسلة "
عربي21" معه في دولة البوسنة والهرسك بالعاصمة سراييفو وهي: كثرة أعداد الضحايا من المدنيين، وطول سنوات الحرب مع حدوث جرائم وحصار بعض المناطق، ومجتمع دولي غير متفق على الحل لإنهاء الحرب.
يتنبأ السياسي البوسني بأن توقع المعارضة السورية مستقبلا اتفاقا لإنهاء حالة الحرب يشتمل على أقل المكاسب؛ لأن عددا من القوى الإقليمية تعمل على استنزاف طاقاتهم، خاصة أن الأزمة السورية تعاني من التشرذم بين قوى المعارضة، وأن كل طرف يريد أن يفني الآخر، وهذا سيؤول في نهاية المطاف للتساوي بين كل الأطراف الجاني والمجني عليه، حينما يتم التوقيع على اتفاقية الحل النهائي.
اتفاقية سلام .. أدت لمشكلات
الحديث عن اتفاق وقف الحرب في سوريا يقودنا للحديث عن معاهدة "دايتون"، وهي اتفاقية سلام وقعها قادة
صربيا وكرواتيا والبوسنة والهرسك سنة 1995 لإنهاء الحرب التي استمرت أكثر من 3 سنوات، وقسَّمت البوسنة إلى دولتين: فدرالية البوسنة والهرسك، وتضم المسلمين وكروات البوسنة، وجمهورية صرب البوسنة المعروفة بـ"صربسكا".
النائب البوسني يرى أن معاهدة دايتون كانت هي السقف المسموح به خلال عملية التفاوض نظرا للظروف العالمية وقتها، موضحا أن مشكلة دايتون ليست في توقيتها ولكن في تنفيذ الاتفاقية نفسها والمرحلة التي تلتها.
"الاتفاقية أظهرت مشكلات، ولكن في الوقت نفسه يجب أن نحترم الدستور حتى نقوم بتغييره، ويجب أن يكون هناك اتفاق بين القوى السياسية في البوسنة، لكن في واقع الأمر هناك خلاف كبير بين السياسين لذلك سيكون من الصعب إجراء الإصلاحات المطلوبة"، بحسب سنلد شيبيتش.
خلافه مع حزب عزت بيجوفيتش
النائب البوسني دخل معترك السياسة عام 1995 كعضو في حزب العمل الديمقراطي الذي أسسه الرئيس البوسني الراحل علي عزت بيجوفيتش، إلى أن فصله الحزب في نيسان/ أبريل الماضي.
22 عاما قضاها "شيبيتش" في الحزب قبل أن يتركه؛ نتيجة رفضه لمشروع قانون رفع قيمة ضريبة الوقود في البوسنة؛ لأنه كان سيؤدي لرفع أسعار الوقود في البلاد كافة، وهذا القانون هو أحد شروط البنك الدولي لمنح قرض لدولة البوسنة والهرسك لبناء طرق سريعة تربط بين مختلف المناطق.
إلا أن عضو الحزب خرج في مؤتمر صحفي واعترض على هذا القانون، مؤكدا أن عائدات رفع قيمة سعر الوقود خلال الـ10 سنوات الماضية بلغت قيمتها 10 ملايين مارك بوسنوي بما يعادل (5 ملايين يورو)، وطالب الحكومة بالكشف عن مصير هذا المبلغ وعن كيفية إنفاقه، وهو ما رفضته الحكومة ما أدى لأزمة انتهت بفصله من حزب العمل الديمقراطي.
تدشين الجبهة المستقلة
ومن المقرر أن تفتح اللجنة المركزية للانتخابات في البوسنة والهرسك باب الترشح العام المقبل، و"سنلد شيبيتش" أعلن عن نيته الترشح في الانتخابات العامة.
وفي 10 من أيلول/ سبتمبر، سيُنشئ النائب "سنلد شيبيتش" جبهة سياسية جديدة باسم (الجبهة المستقلة)، وستتكون من سياسيين محنكين غير راضين عن المناخ السياسي في البوسنة، ولا عن طريقة عمل النظام القائم، وستضم هذه الجبهة أيضا سياسيين من أحزاب مختلفة من بينهم شباب حديثي عهد بالعمل السياسي، وسيكون هناك فرصة لمن لم يخض التجربة السياسة بالكلية الانضمام لتلك الجبهة الناشئة.
العلاقات بين البوسنة والدول العربية
يقول "سنلد شيبيتش" إنه في حال وصوله للرئاسة، سيسعى لتطوير علاقات البوسنة مع الدول العربية، خاصة أنه يرى أنها علاقة حيوية ومهمة جدا ويمكن تطويرها أكثر خاصة في المجال الاقتصادي، وهو ما سيعود بالفائدة على البوسنة في مجال الاستثمار؛ خصوصا لأن البوسنة بحاجة لتطوير وتقوية نظامها الاقتصادي.
وحاليا أغلب الاستثمارات تقوم بها السعودية، لكن المرشح المحتمل للانتخابات أعرب أن أمله في ألا تقتصر الاستثمارات في مجال السياحة والعقارات فقط، بل يجب أن تمتد لتشمل أيضا إنشاء المصانع لخلق فرص عمل جديدة للشباب في البوسنة.
وسائل إعلامية موجهة
ومن اللافت أن هناك اهتماما عربيا متزايد بالاستثمار في البلاد، إلا أن هناك بعض وسائل الإعلام البوسنوية تنتقد هذا الوجود، لكن "سنلد شيبيتش " يرى أن الإعلام في البوسنة إعلام موجه وأغلب الانتقادات مصدرها أشخاص لا يريدون استثمارات عربية في البوسنة، ولا يريدون أن تنهض البوسنة اقتصاديا.
النائب البوسني ضرب مثالا على عدم حياد الإعلام في البوسنة بأن هناك استثمارات كبيرة لروسيا في جمهورية صربسكا (ذات الأغلبية الصربية)، إلا أن لا أحد يتحدث عنها، مؤكدا ترحيب الحكومة وهو شخصيا يدعم الاستثمارات سواء من العرب أو الروس أو من غيرهم.
إنكار جرائم الحرب
خلال الشهر الماضي، أحيت دولة البوسنة والهرسك ذكرى ضحايا الإبادة الجماعية، ورغم مرور 22 عاما على وقوع المذبحة إلا أن " سنلد شيبيتش" يرى أن العدالة لم تتحقق أبدا لضحايا سربرنيتسا؛ بسبب تعقيدات السياسة الداخلية في البلاد.
"ليس هذا فحسب، بل إن هناك حتى اليوم سياسيين في البوسنة وصربيا لايزالون لا يعترفون بجرائم الحرب التي حدثت في سربنيتسا، بالرغم من أن المجتمع الدولي قدم دلائل كثيرة، لكنهم لا تزال النخبة مختلفة هل كانت سربنيتسا جريمة تطهير عرقي أم لا؟!"، بحسب سنلد.
" سنلد شيبيتش" قال: أهم شيء والأساس هو الاعتراف بجرائم الحرب والتطهير العرقي، ثاني شيء هو تكريم أسر الضحايا والناجين من التطهير العرقي ولابد من منح حقوق ومزايا لهم، منها حق السكن والدراسة والعلاج، وفرصة الحصول على مناصب قيادية، وهذه القضايا يجب أن تكون من أولويات الحكومة.
الكيل بمكيالين
ورغم بشاعة الجرائم التي حدثت طوال فترة الحرب التي امتدت من عام 1992 حتى 1995 وأشهرها الإبادة الجماعية التي حدثت شرق البوسنة في مدينة سربرنيتسا وتحمل الاسم نفسه، إلا أنها لم تنل تعاطف الدول الأوروبية نفسه، الذي حظي به الهولوكوست.
"للأسف هذا هو الوجه الحقيقي للعصر الذي نعيش فيه، العالم يكيل بمكيالين، نفس الجريمة على نفس البشر، لكنْ هناك اختلاف كبير في التعاطف معهم"، بحسب "سنلد شيبيتش".
النائب في البرلمان البوسني، أكد أن المجتمع الدولي وأوروبا يتحملان المسؤولية عما حدث خلال الحرب، وعليهم أن يعيروا مزيدا من الاهتمام بذكرى سربرنيتسا، كما يجب أن تكون الجرائم تلك دروسا وعبرا يستفيد منها كل الناس، وليس مجرد حدث عابر أو عادٍ .
"كما أن المشكلة ليست في المجتمع الدولي وحسب، بل أيضا في فئة السياسيين على مختلف أطيافهم، فمنهم من لا يعترف بالجرائم التي حدثت خلال سنوات الحرب الثلاث، السياسيون البوشناق يعترفون طبعا بالجرائم، أما السياسيون الآخرون من الكروات والصرب ينفون وقوع جرائم إبادة وتطهير عرقي، وهذه مشكلة أخرى"، على حد قول "سنلد شيبيتش".