أودّ أن أستهل بجملة من النقاط أراها تمثل المرتكزات الأساسية لتلك الرؤية - المقترحة – لمستقبل جماعة
الإخوان المسلمين. ولعل بعضا من تلك النقاط يحتاج إلى مزيد تفصيل وإيضاح أو تسليط الضوء على الضروري منها. كما أجدد ترحيبي بكل تواصل موضوعي وبنّاء من القرّاء ومتابعي المقالات والمهتمين بموضوعها. ولن أدخر وسعا في الاستفادة من كل إضافة في محلّها من أجل الوصول بتلك الأفكار إلى مستوى أعمق وأنضج، ووضعها في صيغة أكثر ملامسة للواقع وأقرب للتطبيق.
هل يبدأ التغيير من المسميات؟
شخصيا لا أرى ذلك أمرا جوهريا، بل أميل إلى بقاء الأسماء التي درج عليها العمل كما هي في كل بلد، إلا إذا رأى أهل بلد ما حاجة لتغيير الاسم. فمرد الأمر في ذلك لأهلها ولا مشاحة في الاصطلاح على كل حال. إنما يعنيني بالأساس وضوح التعريف وجلاء الغاية فهما مدار العمل الحقيقي. فإذا سأل أحد الناس: "من هم الإخوان المسلمون وما غايتهم وأهدافهم؟"، ينبغي أن يكون الجواب واضحا لا لبس فيه كما يلي:
التعريف: هم جماعة من المسلمين ذات رؤية إسلامية إصلاحية شاملة.
الغاية: إرضاء الله والفوز بالجنة والنجاة من النار.
الشعار: قوله تعالى: "ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين".
الهدف: أداء مهمة الرسل من خلال: التعريف برسالة الإسلام وقيمه السامية، وإرشاد المسلمين لكل خير وحثهم عليه، والتعاون معهم على تطبيق تعاليمه.
وينبغي ملاحظة أن هناك أهدافا جزئية متوازية مستمرة وليست متوالية، فهي تشمل:
(1) التعريف بصورة الاسلام الحقيقية.
(2) بناء الشــخصية المســلمة المتــوازنة.
(3) المساهمة في بناء مجتمع متماسك ومتوازن ماديا ومعنويا.
(4) مناصرة المستضعفين على اختلاف أجناسهم في أنحاء العالم.
هل يختلف نمط العمل باختلاف البيئة؟ وإلى أي مدى؟
من الضروري للقيادة المحلية في كل دولة أن تضع خطة زمنية معلومة المراحل لتطبيق هذه الأهداف، وأن تكون قابلة للقياس في حدود إمكاناتها وطموحها فيما تصبو إليه. فإذا أرادت الحركة استهداف نسبة 2 في المئة مثلاً من سكان الدولة سنويا لتوضيح صورة الإسلام الحقيقية لها، فإن هذه النسبة تزيد أو تقل حسب عدد سكان هذا الدولة أو تلك، وعدد أعضاء الحركة بها وإمكانياتهم، والظروف السياسية التي تحكمها، ونسبة من وصلتهم صورة الإسلام الحقيقية في هذا البلد ابتداء. وأعني هنا بصورة الإسلام الحقيقية ما بات معروفا لدى عامة المسلمين من شمولية الإسلام لكل مناحي الحياة، ولم أستخدم لفظ "الإسلام الوسطي" حيث أن كل الجماعات تدّعي أنها تحمل الفكر الوسطي.
أين الإشارة إلى التمكين في الغاية أو الهدف؟
ليس مطلوبا من جماعة الإخوان المسلمين - ولا غيرها من الجماعات - أن تستهدف التمكين بمعني الوصول للسلطة أو قيادة الدولة. فلم يطلب الله من نبي ولا رسول أن يمكّن له، بل إن الله لم يعد رسوله الكريم بالتمكين حين قال: "فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون"، وقوله: "فاصبر إن وعد الله حق فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون". وقد اقتصرت مهمة الأنبياء والمرسلين على البلاغ والتبشير والإنذار، ومفهوم النصر يختلف عن مفهوم التمكين، وانتصار المسلم الحقيقي يتحقق حين يصدق فيه قول الله "واعبد ربك حتى يأتيك اليقين"، ومناه "متى ألقى ربي وهو عني راض".
ما هو الوضع القانوني لتلك الجماعة؟
الأصل أن تسجل الجماعة وفق قانون البلد الذي تعمل فيه، وأن تتكيف مؤسساتها ومراكزها وأنشطتها ضمن الأطر القانونية التي تنظم عمل الجمعيات الأهلية والمدنية. وإن كان ثمة قصور في مساحة الحركة المتاحة في ظل القانون، فتسعى لتشكيل رأي عام مجتمعي يعمل على تغيير وتعديل تلك القوانين المقيدة للحرية ما استطاعت إلى ذلك سبيلا. أما في الدول التي تحظر الجماعة، فقرار استمرار العمل خارج الإطار القانوني أو تجميد العمل لفترة أو العمل من خلال نوافذ أخرى ومنصات متعددة، يعود إلى تقدير الجماعة في تلك الدولة، ويجدر أن يكون نابعا من نقاش مستفيض مع جميع أعضائها، وبعد قياس المفاسد والمصالح في كل خيار قبل الوصول إلى قرار.
جدلية الإخوان والعنف
لا تتبنى جماعة الإخوان المسلمين العنف كوسيلة للوصول إلى أهدافها، ولا تشكل أي أجنحة عسكرية لها في أي دولة، ولا تحمل السلاح في وجه أي مسلم تحت أي ظرف. أما في حال الاحتلال، فهم جزء من الشعب يتعاونون مع غيرهم على طرد هذا المحتل دون أن يشكّل الإخوان قوة عسكرية خاصة بهم. وللأسف، فإن معظم أنماط الاحتلال الحديثة للدول المسلمة هي إما مباشرة أو بالوكالة، من خلال أنظمة ديكتاتورية أو حكام جعلوا ولائهم للمحتل الذي ربطهم بمصالحه، وهذه معضلة تكاد تكون غير مسبوقة في تاريخنا الإسلامي، وبالتالي فهي تحتاج إلى اجتهاد فقهي جديد يعالج الأمر بما يستحق. ويبقى الأصل ألا ينزلق الإخوان إلى أي صراع مسلح حتى في ظل هكذا وضعية.
للتواصل مع الكاتب عبر حسابه على فيسبوك:
www.facebook.com/hany.eldeeb.90