تساءل المعلق نيك باتلر في مقال نشرته صحيفة "فايننشال تايمز"، عن خطط
السعودية بيع حصة من شركة النفط العملاقة "
أرامكو"، وطرح أسهمها في السوق المالية.
ويتساءل باتلر: "هل ستشتري
الصين أرامكو؟ مشيرا إلى أن "الخطط المقررة لبيع 5% من أسهم شركة النفط السعودية لا تزال تراوح مكانها، فلا وضوح حول المكان الذي سيتم فيها طرحها، ولا عن قيمتها، وما هو أكثر أهمية هو كيفية حماية حقوق الأقلية من المساهمين يها، حيث تملك السعودية نسبة 95% من أسهمها".
ويقول الكاتب إن "السياسة المتقلبة في الرياض خلال الأشهر الماضية، التي تركزت حول عملية نقل السلطة من ولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف إلى الأمير البالغ من العمر 31 عاما
محمد بن سلمان، لم تساعد في عملية البيع، وفيما إن تم البيع أم لا هو السؤال القائم الآن".
ويشير باتلر في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن "هناك الكثير على المحك، خاصة أن السعودية تعتمد بشكل مستمر على احتياطاتها، وبحاجة إلى الموارد المالية، في ظل مقاومة من السكان لسياسات التقشف، ولا يمكن تمويل رؤية 2030، التي تطمح إلى تحويل اقتصاد البلاد، دون المضي في طرح أسهم (أرامكو) في السوق المالية".
ويلفت الكاتب إلى أن "ولي العهد الجديد ربط سمعته ليس فقط ببيع جزء من أسهم الشركة، لكن بتقييم الشركة بقيمة 2.6 تريليون دولار أيضا، وهو رقم أعلى من الذي قدمه المحللون الخارجيون، وفي حال فشل الأمير في عملية البيع، فإن ذلك سيكون إهانة له، ويفتح الباب أمام مسألة الخلافة".
ويقول باتلر: "السؤال فيما إن كانت هناك إمكانية لإنقاذ عملية البيع، والجواب نعم، إلا أن الحل الذي تقوم البنوك بالعمل عليه، أي حل مختلف لن يرضي الجميع".
ويرى الكاتب أن "المشتري المناسب للشركة هي الصين للأسباب الآتية: تستورد الصين 8.5 مليون برميل نفط يوميا، بزيادة 2.5 برميل يوميا منذ عام 2014، في وقت تشهد فيه بطئا في النمو الاقتصادي، حيث أن مستوى الاستيراد الصيني زاد مع تراجع الناتج المحلي من الحقول المحلية في داقينغ وشينغلي، وبسبب المصاعب التي تواجهها الصين في تطوير مصادر أخرى للنفط، بما فيها النفط الخفيف من حوض أردوس، ولهذا السبب ستواصل الصين زيادة الاستيراد، فقد تكون الصين أنتجت 160 ألف سيارة كهربائية، إلا أنها وضعت 24 مليون سيارة تعمل على البترول في الشوارع، وهناك زيادة في تجارة الشحن والرحلات الجوية الداخلية".
وينوه باتلر إلى أن "الصين تعد أكبر مستورد للنفط في العالم، ومن المتوقع زيادة استيراده لأكثر من عقد من الزمان، ولن تكون هناك طريقة لتأمين احتياجاتها الأساسية من النفط أفضل من الحصول على حصة في شركة تسيطر على بعض احتياطات النفط العالمية، التي لا تحتاج لكلفة عالية في الإنتاج، بالإضافة إلى أن صفقة قد تذهب أبعد من الحصول على حصة في عملية البيع، فعقود طويلة الأمد لتزويد النفط هي أمر منطقي، وذلك مع زيادة مشاركة (أرامكو) في قطاع مصافي النفط في الصين، استنادا إلى الاستثمار الحالي في فوجيان، والخطة التي أعلن عنها قبل فترة من استثمار مشترك بقيمة 10 مليارات دولار في بانجينغ في الولاية الشمالية لياونينغ، ومع استمرار تنويع الصين لاقتصادها من القطاع الصناعات الثقيلة، فإن الحاجة للنفط ومشتقاته الأخرى تزداد".
ويجد الكاتب أن "شراء النفط إلى جانب حصص جذاب، ولا يأخذ بعين الاعتبار حجم الاحتياطي النفطي السعودي، فحتى بداية الثمانينيات من القرن الماضي كان احتياط النفط هو 170 مليار برميل، إلا أن الرقم ارتفع فجأة إلى 260 مليار برميل، وتم الحفاظ على هذا الرقم رغم إنتاج حوالي 100 مليار برميل".
ويبين باتلر أن "الكثيرين يرون أن زيادة نسبة الاحتياط مرتبطة أكثر بالسياسة لا الجيولوجيا أو الهندسة، إلا أنه في العقود الخاصة، التي لا تتعرض للتدقيق الأمريكي أو لجنة تبادل أو أي شكل آخر من التدقيق، فإن الأرقام ليست مهمة، فالصين ستحصل على النفط الذي تريده، والسعودية على المال، وسيتم الدفع بطريقة سرية، ولن يتم فحص تقدير ولي العهد لقيمة (أرامكو) في العلن".
ويستدرك الكاتب بأن "المشكلة بالنسبة للسعوديين هي أن عقدا كهذا سيجعلهم قريبين من شريك وحيد وقوي، لا يعد نفسه مستثمرا صغيرا، وبالنسبة للصينيين فإن المشكلة مرتبطة باستقرار النظام السعودي، والرغبة بعدم التورط في سياسات الخليج".
ويؤكد باتلر أن "العقود ستكون على مستوى الدولة، وهنا يتوافق الاقتصاد والسياسة معا، حيث ارتبطت نجاة العائلة السعودية الحاكمة لعقود بالولايات المتحدة، التي لم تعد لديها رغبة بأن تواصل مهمة شرطي العالم، ويحتاج السعوديون إلى علاقة فاعلة ومستقرة مع حلفاء يمكنها الاعتماد عليهم، وربما لم تكن للصين قوات في الشرق الأوسط، إلا أن لديها التأثير الاقتصادي المتنامي، وليس لديها الإرث التاريخي من عدم الثقة التي بناها الأمريكيون خلال الستين عاما الماضية، وعليه فإن وجود حلف صيني سعودي قائم على المصالح المشتركة سيكون أمرا طبيعيا، و(أرامكو) هي المكان الجيد لبدايته".
ويختم الكاتب مقاله بالقول: "بالطبع سيكون هناك خاسرون، وقد تزيد البنوك وشركات المحاماة في لندن ونيويورك من العمولات التي تتقاضاها، إلا أن جغرافية الاقتصاد العالمي في تحول، فمعظم التجارة المتبادلة في مجال النفط هي بين دول الشرق الأوسط وأفريقيا من جهة، والاقتصاديات النامية في الجنوب من جهة ثانية، وينبغي ألا يكون مفاجئا أن يتم التبادل على صعيد الشركات الكبرى بناء على هذا المحور، فالعالم لم يعد يتركز حول المحيط الأطلسي".