نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" تقريرا للكاتبة مارغريتا ستانكاتي، تقول فيه إن
السعودية تحاول، بدعم من الولايات المتحدة، وضع سنوات من الضغينة مع جارتها
العراقية وراءها، مشيرة إلى أنها تقوم بجهود واسعة للفوز ببغداد، وتخفيف النفوذ
الإيراني على حليف أمريكي مهم.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن السلطات السعودية تحاول التقرب من القادة الشيعة، وتوسيع حضور المملكة الدبلوماسي، وتفتح المعابر المغلقة منذ سنوات على الحدود التي تمتد على 600 ميل.
وتنقل الكاتبة عن وزير الدولة لشؤون الخليج تامر السبهان، قوله: "تربطنا صلات تاريخية وثقافية مع العراق"، وأضاف السبهان، الذي كان يتحدث بعد افتتاح معبر عرعر: "لو كان هناك شيء يجب عمله، فإن علينا التحرك بشكل أسرع".
وتعلق الصحيفة قائلة إن التحول في العلاقات يقدم للحكومة العراقية دعما وهي تحاول التخلص من تنظيم الدولة، وتقوم بإعادة المناطق التي دمرتها الحرب.
ويورد التقرير نقلا عن مسؤول أمريكي، قوله إن التحرك يعد بالنسبة لواشنطن جزءا من إعادة بناء تحالفات العراق، و"جعله يميل أكثر باتجاه السعودية وتركيا، وتخفيف التأثير الإيراني"، ويصف المسؤول الصداقة السعودية العراقية بأنها أولوية لإدارة ترامب، قائلا إنه "لم يفت الوقت".
وتلفت ستانكاتي إلى أن الولايات المتحدة تقود تحالفا تشترك فيه السعودية، وقاتل إلى جانب إيران ضد تنظيم الدولة، مستدركة بأن النجاح ضد التنظيم يفتح فرصة للتحالف ليعيد نفوذه في العراق.
وتنقل الصحيفة عن المبعوث الأمريكي للتحالف بيرت ماكغيرك، قوله: "ركزنا خلال السنوات الماضية ليس فقط على هزيمة تنظيم الدولة، لكن على ما سيأتي بعده"، حيث كان ماكغيرك مع السبهان عند الحدود، وخاطب السعوديين والعراقيين، قائلا: "سنعمل ما يمكن لدعم جهودكم".
وينوه التقرير إلى أن معبر عرعر أغلق عام 1990، بعد اجتياح صدام حسين للكويت، حيث أدارت المملكة السعودية ظهرها لجارتها الشمالية، التي عانت من الفوضى وعدم الاستقرار بعد سقوط صدام عام 2003، تاركة الباب مفتوحا على مصراعيه لإيران، التي وسعت من نفوذها داخل الحكومة والمليشيات الشيعية والاقتصاد.
وتعلق الكاتبة قائلة إن الملك سلمان بن عبد العزيز ونجله ولي العهد الأمير محمد بن سلمان كثفا الجهود لمواجهة التأثير الإيراني، بما في ذلك الحرب في اليمن ضد الحوثيين المتحالفين مع إيران، لافتة إلى أن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي رحب بالتأثير الموازي ضد إيران.
وتفيد الصحيفة بأن الجهود السعودية تأتي في وقت يواجه فيه العبادي منافسه السياسي المقرب من إيران، رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، قبل الانتخابات البرلمانية العام المقبل، حيث ستبدأ 140 رحلة جوية تربط بين بغداد والرياض ومدن أخرى، وقرر افتتاح معبر عرعر في وقت مناسب مع بداية موسم الحج، وسفر الحجاج إلى مكة، واتفق الطرفان على فتح معبر ثان العام المقبل.
ويستدرك التقرير بأن جهود السعودية لإعادة بناء علاقاتها مع جارتها العراقية واجهت مصاعب، فبعد تعيين السفير السبهان في سفارة العراق عام 2015، تم طرده بسبب انتقاده للمليشيات الشيعية وعلاقتها مع إيران، لكنه عندما ظهر للجانب السعودي من الحدود اصطف الحجاج العراقيون لالتقاط صور "سيلفي" معه، وقال عبد المالكي، وهو أحد الحجاج الشيعة الذين مروا عبر المعبر: "نعود أخيرا للحضيرة العربية"، لافتا إلى أن لوحة وضعت حديثا للملك سلمان وابنه الأمير محمد استقبلت الحجاج عندما دخلوا الحدود السعودية.
وتقول ستانكاتي إن الولايات المتحدة هي التي رعت التقارب بين البلدين، فبعد توليه منصب وزير الخارجية حاول ريكس
تيلرسون إقناع نظيره السعودي عادل الجبير بضرورة أن يكون للمملكة دور كبير في العراق، وسافر الجبير بعد أيام إلى بغداد في 25 شباط/ فبراير، وكانت أول زيارة يقوم بها وزير سعودي منذ عقود، فكانت الزيارة علامة مهمة في طريق العلاقات، حيث سافر العبادي إلى الرياض في حزيران/ يونيو، ووافق الطرفان على تشكيل مجلس مشترك لتطوير العلاقات الأمنية والتجارية، وتبعت ذلك زيارة الزعيم الشيعي مقتدى الصدر في نهاية تموز/ يوليو إلى السعودية، مشيرة إلى أنه حتى وقت قريب فإن لقاء كهذا لم يكن متخيلا، فالزعيم الشيعي هاجم المملكة، وشجب إعدام الشيخ نمر النمر في بداية العام الماضي.
وتبين الصحيفة أنه في الوقت الذي تعمقت فيه إيران من دعمها للساسة، مثل نوري المالكي، وتمويل الجماعات الشيعية وتدريبها، فإن وكالة الأنباء الطلابية الإيرانية سألت وزير الخارجية محمد جواد ظريف، عما إذا كانت السعودية تحاول إبعاد المسؤولين العراقيين عن إيران، من خلال الزيارات الأخيرة، فإنه رد قائلا إنه لا يستطيع التكهن حول النوايا، لكنه قال إن طهران ليست قلقة، وأضاف: "ما هو مهم هو أننا واثقون من أنفسنا، ودورنا في المنطقة، وطبيعة العلاقات التي نقيمها مع جيراننا، ونحن لسنا قلقين من هذه التحركات".
وبحسب التقرير، فإن السعودية تخطط لتوسيع وجودها الدبلوماسي في العراق، وستبدأ بافتتاح قنصلية في النجف في الشهرين المقبلين، وهناك أخرى في البصرة والموصل، مستدركا بأن التحرك السعودي يواجه مقاومة من العراقيين، حيث أن هناك الكثير منهم يلقون باللائمة على السعودية بسبب صعود التطرف، وبعضهم يساوي بينها وبين تنظيم الدولة.
وتورد الكاتبة نقلا عن علي فازا مهدي (25 عاما)، وهو أحد عناصر المليشيات، قوله: "السعوديون يقاتلوننا لأننا شيعة، ويريدون الآن أن يكونوا في النجف"، وأضاف: "لو فتحوا قنصلية هنا فإننا سنقاتلهم كما قاتلناهم في الجبهة" في الموصل، منوهة إلى أن هناك في النجف من يعارض التقارب مع السعودية، فيما يرى آخرون، مثل المرجعية الشيعية آية الله علي السيستاني، أن التقارب مهم؛ لأنه يخفف من التأثير الإيراني، وينزع فتيل التوتر السني الشيعي في المنطقة، حيث يقول ضياء السعدي، وهو أحد مساعدي الصدر: "من يقولون لا نريد من السعودية شيئا مخطئون"، ويضيف: "لا يمكن للعراق تجاهل محيطه".
وتقول الصحيفة إن الشركات السعودية ترغب بالحصول على استثمارات في القطاع النفطي العراقي، في مجالات الصناعة الدوائية والزراعة، وتفكر شركة الألبان السعودية "المراعي" في إنتاج الأعلاف في محافظة المثنى على الحدود السعودية العراقية، لافتة إلى أن المنطقة ستستفيد بشكل كبير من تطور العلاقات.
ويلفت التقرير إلى أنه قبل إغلاق المعبر الحدودي "الجميمة" منذ 27 عاما، انتعشت التجارة المتبادلة بين البلدين، وصدرت السعودية بضائع، تتراوح من السيارات إلى السجائر للطعام المعلب للعراق، فيما صدر الأخير الإسمنت والتمور للسوق السعودية، مشيرا إلى أن رعاة البقر والمواشي كانوا يتحركون بحرية بين البلدين، حيث يقدر المسؤولون في المثنى كلفة إعادة إعمار المعبر الحدودي بحوالي 50 مليون دولار.
وتختم "وول ستريت جورنال" تقريرها بالإشارة إلى قول ريسان الزايد: "فقدنا ازدهارنا بعد قطع العلاقات مع السعودية"، لافتا إلى أن الناس يعقدون آمالا كبيرة على تحسن العلاقات، وأضاف: "نتطلع لأن تكون لنا علاقة جيدة مع إخواننا السعوديين".