ظل الموقف الرئيس لخليفة
حفتر هو الشك والرفض للمجلس الرئاسي ولرئيسه فايز
السراج.
وحتى عندما تراجع حفتر خطوة عن موقفه المتعنت، فقد كان تراجعا تكتيكيا على ما يبدو، وذلك لأنه كرر موقفه الرافض، وأعلن عدم ثقته بالعهود التي قطعها السراج، في لقاءات أبوظبي وباريس.
موقف حفتر منذ التوقيع على
اتفاق الصخيرات يقوم على اعتبار أن الاتفاق السياسي ضعيف، ويمثل مخططا لأجندات أجنبية يظهر فيها السراج مجرد بيدق، لذا فقد كانت مقاربته هي التعويل على الحسم العسكري، ويتضمن هذا المواجهة العسكرية مع المجلس الرئاسي، وإسقاطه بالقوة.
في المقابل، فإن موقف رئيس المجلس الرئاسي كان تصالحيا، إلى درجة دفعت خصومه في جبهة طرابلس إلى اتهامه بالانبطاح لحفتر، بل والعمل على تمكينه من العاصمة.
لكن ظهر ما يشير إلى تخلي السراج عن توجهه التصالحي، وذلك منذ تحرك القوات الموالية لحفتر وسيطرتها على قواعد عسكرية في وسط البلاد وجنوبها.
إذ أطلق السراج تصريحات تتسم بالحدة وتتضمن اتهامات مباشرة للجيش التابع للبرلمان بتقويض الاستقرار، بعد أن مدحه، وثمّن أعماله العسكرية في بنغازي.
يبدو أن السراج كان يراهن على دمج حفتر في الوفاق سبيلا للاقتراب من الاستقرار وإنهاء حالة الانقسام في البلاد، لكن هناك ما يدلل على أنه يتجه إلى فرض إرادته، وممارسة ضغوط لدفع حفتر للاندماج أو ربما، في حال إصرار الأخير على الرفض، تجريده من الأوراق التي تمكنه من عرقلة مسار الوفاق.
هناك جملة من القرارات التي يمكن أن نفهم منها أن هناك تحولا إلى الهجوم والمحاصرة بدل التودد والمداهنة، منها قرار تقسيم البلاد إلى مناطق عسكرية، وتعيين رئيس للأركان.
وهي سياسات تقوض مقاربة خليفة حفتر لرفض إرادته من خلال التقدم ميدانيا والحسم عسكريا.
وشكل قرار تعيين فرج اقعيم، القائد الميداني في عملية الكرامة، وكيلا لوزارة داخلية الوفاق الوطني التي يترأسها السراج تصعيدا، واتجاها للمواجهة.
فرج اقعيم قاد حملة ضد خليفة حفتر، حيث ظهر في مقاطع مرئية يتحدث عن مؤامرة يتورط فيها جيشه من خلال تنفيذ أعمال عدائية منها سلسلة اغتيالات، قال عنها اقعيم إنها تعدت المئة حالة اغتيال.
وهو من الداعمين للمهدي البرغثي، وزير دفاع
حكومة الوفاق، الذي هو من أكبر المصادمين لحفتر.
تعيين اقعيم في منصب أمني كبير ضمن حدود نفوذ حفتر، يشكل تهديدا مباشرا للأخير، لهذا كانت ردة الفعل مباشرة بتعميم أمر بعدم السماح للمكلفين بأعمال أمنية في برقة من حكومة الوفاق بمباشرة أعمالهم، ولو أدى ذلك إلى استخدام القوة.
مما لاشك فيه أن قلق حفتر يأتي من الاعتقاد بأن المعركة تنقل إلى داخل مناطق نفوذه، بعد أن خطط أن تكون ضمن منطقة نفوذ حكومة الوفاق الوطني في طرابلس وحدودها، بتحريكه قوات موالية له في الجنوب وفي جنوب غرب العاصمة، ما يعني أن حفتر سيكون في وضع دفاعي بعد أن كان مهاجما.
ومما لا شك فيه أيضا، من أن تعيين اقعيم يتضمن ليس فقط تحديا لحفتر ومواجهته ولو بشكل غير معلن، إنما هي خطوة جديدة ومتقدمة تغير من ميزان القوى بين الاثنين، وتنقل السراج خطوات باتجاه نقطة التوازن وإن شئت الندية مع حفتر.
تطور حالة التدافع إلى المستوى الذي أشرنا له يمكن أن يقود إلى أحد اتجاهين هما:
- أن يضع حفتر كل ثقله للدفاع عن مكاسبه بضرب المنظومة الجديدة، ما يضعه في مواجهة مباشرة مع مكون اجتماعي له ثقله العسكري، لكنه قد ينجح ويفرض سيطرة كاملة تمنع أي اختراق.
- التأني والسعي لتفكيك نفوذ حلفاء الوفاق من خلال القوة الناعمة، الأمر الذي قد ينظر له كارتباك وضعف يمكن استغلاله، من خلال مضاعفة الضغوط على حفتر، وإضعاف سلطانه.
كلا الاحتمالين يعتمد على جملة من العوامل منها الشرعية التي تتمتع بها حكومة الوفاق، فالتعدي على وكيل وزارة تابع لها يعني تعديا على السلطة المعترف بها دوليا، الأمر الذي يضع حفتر في حرج.
هناك أيضا موقف قبائل برقة وهو أمر يصعب التكهن به بشكل قطعي، لكن هناك مؤشرات على تخفيف الرهان على حفتر، فقد توافد ممثلون لعدد من قبائل المنطقة الشرقية إلى طرابلس، مؤكدين تأييدهم لشرعية حكومة الوفاق.
وهناك عودة سليمان محمود إلى طبرق، وهو الذي تحدى حفتر وأعلن عن سعيه لتقويض نفوذه، بالتالي، فإن الخلاصة أن هناك صداما لن تكون عواقبه محدودة.