تعيش الأقلية النوبية في
مصر على صفيح ساخن، في ظل توتر علاقاتهم مع نظام عبد الفتاح السيسي، بعد
احتجاجات نظموها مؤخرا للمطالبة بحقهم في العودة إلى أراضيهم، فيما رد النظام باعتقال العشرات من أبنائهم وإساءة معاملتهم في السجن.
وكانت قوات الأمن قد ألقت القبض على 24 من شباب
النوبة في 3 أيلول/ سبتمبر الجاري، خلال مشاركتهم في مسيرة واعتصام دعت له كيانات نوبية تحت شعار "العيد في النوبة أحلى"، بهدف تجديد المطالبة بحق العودة إلى أراضيهم التاريخية وإيقاف أي أنشطة استثمارية على تلك الأراضي، تطبيقا للدستور الذي يلزم الدولة بحق العودة خلال 10 سنوات. كما طالب المحتجون بإلغاء القرار الجمهوري رقم 444 الذي يعصف بحقوقهم في العودة، حيث يعتبر القرار 17 قرية نوبية من بين 44 قرية؛ ضمن الأراضي العسكرية الحدودية التي يسيطر عليها الجيش.
وتنص المادة 236 من الدستور المستفتى عليه في كانون الثاني/ يناير 2014؛ على أن الدولة تعمل "على وضع وتنفيذ مشروعات تعيد سكان النوبة إلى مناطقهم الأصلية وتنميتها خلال عشر سنوات، وذلك على النحو الذي ينظمه القانون".
استنكار وتضامن واسع
وأعلنت قوى سياسية وحقوقية مصرية تضامنها مع أهالي النوبة، حيث أصدرت 15 منظمة حقوقية وحزبا سياسيا بيانا مشتركا يوم السبت الماضي؛ أدانت فيه اعتداء قوات الأمن على مسيرة سلمية واعتقال عشرات المحتجين من أبناء النوبة.
وأكدت تلك المنظمات أن التجمع كان يهدف إلى المطالبة بحقوق النوبيين التاريخية ورفضهم لممارسات الدولة ومماطلتها في تنفيذ مواد الدستور وإصدار قرارات ظالمة بينها القرار الجمهوري 444.
وفي هذا السياق، أكد النائب البرلماني هيثم الحريري أن "الشعب المصري أصبح مقتنعا أن الحكومة لا تفهم إلا لغة القوة"، وهذا حدث في الأسابيع الأخيرة؛ حينما حصل عمال المحلة على حقوقهم بعد إضرابهم عن العمل، كما استجاب النظام لأهالي الوراق بعد تصديهم لقوات الشرطة، وهذا هو ما دفع أهالي النوبة للتعبير عن مظالمهم بهذه الأشكال الاحتجاجية، كما قال.
وأضاف الحريري، في تصريحات لصحيفة التحرير الأحد، أنه لا بد من إصدار تشريع يقر بحقوق أهل النوبة في الرجوع لأراضيهم لتهدئة الأهالي وتفادي غضبهم؛ بسبب الاعتداء على الفتيات والقبض على عدد كبير من الشباب وكبار السن أثناء فض الاعتصام، محذرا من أن هذه التصرفات ستزيد غضب النوبيين وربما تجعلهم يلجأون لاحتجاجات أعنف.
وطالب رئيس حزب الإصلاح والتنمية، محمد أنور السادات، بالإفراج عن شباب النوبة المعتقلين، داعيا النظام، في بيان له السبت الماضي، للاستماع إلى قيادات النوبة ووضع حلول مناسبة لقضاياهم ومشاكلهم، وإعادتهم إلى أراضيهم.
سياسة الصوت الواحد
وتعليقا على هذه التطورات، أكد الباحث السياسي جمال مرعي أن اعتقال الشرطة لعشرات النشطاء النوبيين بسبب مطالبتهم بحقوقهم الدستورية؛ هو استمرار لحالة القمع والتنكيل التي يتعرض لها صاحب أي رأي مخالف، واستمرار لسياسة الصوت الواحد التي يتبعها النظام الحالي مع الشعب، بحسب تعبيره.
وأوضح مرعي، في حديث لـ"
عربي21"، أن الأزمة النوبية لها زوايا متعددة، موضحا أن بعض النوبيين يطالبون بالعودة إلى أراضيهم التي تم تهجيرهم منها في ستينات القرن الماضي بسبب إنشاء السد العالي، وهذه فئة قليلة منهم؛ لأنهم حينما هُجروا وقتها ذهبوا إلى أماكن أخرى بالقرب من النوبة القديمة.
وأشار إلى أن هناك أزمة أخرى اندلعت العام الماضي، حينما اعترض النوبيون على وضع أراضيهم ضمن مشروع المليون ونصف مليون فدان الذي أعلنه السيسي؛ لأن الأراضي التي هجروا منها قديما دخلت في المشروع الجديد وتم عرضها للبيع على مستثمرين و"حيتان أراضي"، على الرغم من أنها حق تاريخي للنوبيين، فقد قاموا بالاعتصام للمطالبة بتعويضهم عن هذه الأراضي أو بالسماح لهم بالعودة إليها مرة أخرى.
عواقب وخيمة
أما أستاذ العلوم السياسية محمد شوقي؛ فأكد أن الاعتقال والقمع لن يحل أي قضية، وحذر من أن ما حدث مع النوبيين من اعتقال سينتج عنه عواقب وخيمة؛ لأن أهاليهم لن يسكتوا وسيعتصمون مرة أخرى، ولن يجد الأمن أمامه في النهاية سوى الإفراج عن المعتقلين لتهدئة الأوضاع.
وأوضح شوقي، لـ"
عربي21"، أن المشكلة النوبية كانت قد أوشكت على الانتهاء، لولا خطأ النظام بطرح أراضيهم للبيع ضمن مشروع المليون ونصف مليون فدان، وعندما وجدوا أن المشروع يستفيد منه أشخاص آخرون سيأخذون مقابلا لهذا البيع اشتعلت الأزمة من جديد، وتظاهر النوبيون للمطالبة بحقوقهم التاريخية.
وشدد على أن ملف النوبة يحتاج إلى معاملة حكيمة؛ لأنه يتعلق بمصير ما يقرب من مليوني مواطن مصري لهم حقوق تاريخية ويعيشون في منطقة حدودية من البلاد، وهو ما يعني أن الأزمة تمثل حساسية وخطورة على الأمن القومي إذا لم تحل بصورة صحيحة، على حد قوله.