نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا لكل من دان دي لوس وبول ماكليري وكولم لينش، استعرضوا فيه تورط أمريكا في حرب
اليمن، والمأساة التي وصلت إليها الأوضاع الإنسانية هناك.
وتقول المجلة إن "برنامج الغذاء العالمي قرر في شهر كانون الثاني/ يناير إرسال رافعات إلى اليمن؛ لتستخدم في ميناء يمني لتفريغ سفن الشحن، ومولت وكالة التنمية الدولية الأمريكية 4 رافعات، وهي جاهزة للشحن ليتم تركيبها مكان رافعات دمرتها المقاتلات
السعودية في آب/ أغسطس 2015، لكن وبعد ثمانية أشهر فشل المسؤولون الأمريكيون في إقناع السعودية بالسماح لتلك الرافعات بأن تنصب لرفع الحاويات من سفن الشحن".
ويشير الكتّاب في مقالهم، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن "هذا الرفض السعودي يأتي وسط أسوأ تفش للكوليرا في العصر الحديث، حيث أصاب أكثر من 600 ألف يمني، في الوقت الذي يعيش فيه ملايين آخرون على حافة المجاعة، وفشلت الحملة التي تستخدم القنابل والمعلومات وطائرات التزويد بالوقود الأمريكية، التي قادتها السعودية على مدى 30 شهرا، في هزيمة الحوثيين، وقتلت وجرحت آلاف المدنيين".
وتجد المجلة أن "مساعدة واشنطن لدول الخليج لشن حرب ضد الحوثيين اعتبرت أنها وسيلة غير مكلفة لتأييد حليف، لكنها تحولت إلى مستنقع، وتركت آلاف المدنيين القتلى والجرحى، وتظهر المقابلات مع المسؤولين الحكوميين الأمريكيين بأن الحرب تزيد من زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، وتؤثر سلبا على التحالف السعودي الأمريكي".
ويلفت الكتّاب إلى أن عدد الضحايا المدنيين والمعاناة الانسانية تسببا بالمزيد من النقد للتحالف الخليجي من الكونغرس، وفي حزيران/ يونيو أعلمت إدارة ترامب الكونغرس أنها ستقوم بإمداد السعودية بذخيرة موجهة دقيقة، ضاربة بعرض الحائط منعا كان قد فرضه الرئيس أوباما عام 2016، كرد فعل على الغارات الجوية السعودية الخاطئة، ورد أعضاء الكونغرس بطرح إجراء يمنع بيع الأسلحة للسعودية دون ضمانات بعدم انتهاك السعودية لحقوق الإنسان، وفشل المقترح بفارق بسيط في الأصوات".
وترى المجلة أن "هذه العلاقة بين أقوى ديمقراطية في العالم وآخر ملكية مطلقة في العالم كانت تنطوي دائما على تناقضات وتجاذبات، لكنها استمرت بناء على مقايضة براغماتية، بحسب بروس ريديل، وهو ضابط سابق في وكالة الاستخبارات المركزية، ومؤلف كتاب (ملوك ورؤساء)، المقايضة هي: ضمانات أمنية أمريكية للرياض، وضمانات سعودية بتوفير النفط بسعر معقول للاقتصاد العالمي، بحسب ما قاله ريديل".
وقال ريديل لـ"فورين بوليسي" إن أمريكا اختارت أن تغض الطرف عن اخطاء السعودية في اليمن، وليس للمرة الأولى: "فلإدارة تلو أخرى، ليست هناك أهمية كبيرة لليمن، وأكثر أهمية بالنسبة لهم أن يكونوا على علاقة جيدة بالسعوديين، ولهذا يتم التضحية باليمنيين".
ويفيد الكتّاب بأنه "كان هناك تدخل أمريكي في اليمن منذ هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، حيث كانت تصطاد مقاتلي تنظيم
القاعدة هناك في مناطق القبائل النائية، لأكثر من عقد من الزمان قبل حرب السعودية على الحوثيين، وأصبحت هذه الحرب أصعب في آذار/ مارس 2015، عندما طارت المقاتلات السعودية فوق اليمن مستهدفة الحوثيين الذين سيطروا على صنعاء في أيلول/ سبتمبر 2014، وقادت تحالفا بهدف إعادة عبد ربه منصور هادي إلى منصبه رئيسا لليمن".
وتقول المجلة إنه "بدعم أمريكا للسعودية فإنها أصبحت تشارك في حربين في اليمن: حرب يقوم بها تحالف تقوده السعودية للقضاء على الحوثيين، والجهود الأمريكية المستمرة للقضاء على تنظيم القاعدة، التي يحاربها
الحوثيون أيضا".
وينوه الكتّاب إلى أن "إدارة أوباما دعمت ابتداء الجهود السعودية، وأنشأت (خلية تخطيط مشترك) للمساعدة في تنسيق الحملة الجوية، الذي تضمن أيضا طائرات من مصر والأردن والكويت والإمارات وقطر والبحرين".
وتنقل المجلة عن السفير الأمريكي السابق لليمن جيرالد فيرستين، قوله: "كان هناك اتفاق أساسي بأن علينا بصفتنا مجتمعا دوليا أن ندعم الحكومة الشرعية.. وأراد السعوديون التدخل، ووافقنا على ذلك، وقبل ذلك طلبنا من السعودية بدعم أقوى لهادي في مواجهة الحوثيين".
ويذهب الصحافيون إلى أنه "بالنسبة لإدارة أوباما، فإن دعم الحرب كان طريقة لتصليح علاقة اعتراها التوتر مع السعوديين، الذين عارضوا الاتفاقية النووية مع إيران في تموز/ يوليو 2015، حيث خشي الحلفاء في الخليج مما رأوه تقاربا بين واشنطن وطهران، ما يخل بموازين القوى في المنطقة لطمأنة الحلفاء بأن التحالفات القديمة بقيت راسخة".
وتستدرك المجلة بأن "الحملة لم تسر كما أراد صناع القرار الأمريكيون، ففي الوقت الذي كان فيه مستشارون أمريكيون في السعودية لتقديم النصح فإن الإصابات بين المدنيين كانت تزيد؛ بسبب تكرار استهداف السعوديين لمناطق سكنية، ومع حلول حزيران/ يونيو 2016 قامت أمريكا بسحب معظم المستشارين الذين كانوا يعملون في غرفة العمليات، فلم يعد هناك أمريكيون ينسقون الغارات الجوية، بحسب ما قاله مسؤول عسكري أمريكي، وبحسبه فإن أمريكا لم تعد تشارك المعلومات مع السعودية، ولا تتعاون معها في تحديد الأهداف، لكن توفر معلومات عن مصادر الصواريخ الحوثية التي تستهدف الأراضي السعودية وتقدم خدمة إعادة التزود بالوقود لطائرات التحالف الذي تقوده السعودية".
ويشير الكتّاب إلى أن عدد الفتلى المدنيين في اليمن وصل إلى 5100 شخص، بالإضافة إلى جرح 8700 آخرين في الغارات الجوية والمعارك البرية، بحسب إحصائيات للأمم المتحدة، حيث قدر تقرير سري للأمم المتحدة، حصلت "فورين بوليسي" على نسخة منه بأن غارات التحالف تسببت بـ638 إصابة بين الأطفال منذ عام 2015، بالإضافة إلى تسبب الحوثيين بقتل أو إصابة 414 طفلا آخر.
وتورد المجلة أن هذه الحوادث تسببت بحوار داخلي في إدارة أوباما، وكانت الغالبية تميل إلى "التقليل من المخاطر إلى أدنى حد"، بحسب ما قاله مسؤول سابق للمجلة، لافتة إلى أن تقليل المخاطر كان يعني أن توفر أمريكا معلومات استخباراتية عن الأهداف، إلا أن إدارة أوباما أصابها الإحباط بسبب الطريقة التي أدار فيها السعوديون المعركة.
وينقل الكتّاب عن نائب مساعد وزير الدفاع لسياسة الشرق الأوسط من 2016 إلى 2016 أندرو إكسام، قوله: "الأمريكان شعب براغماتي، كما كنت أخبر السعوديين، فإن أقنعتمونا بأن ما تفعلونه سيؤدي إلى نتائح إيجابية أو نتيجة سياسية أفضل سنقوم بدعمكم.. لكن في هذه المرة شعرنا بأنهم يتورطون في مستنقع دون أدنى فكرة عن كيفية إيقاف الصراع".
وتذكر المجلة أنه بعد تهديد بريطانيا بمنع بيع المزيد من الأسلحة، أعلنت السعودية في كانون الأول/ ديسمبر بأنها ستتوقف عن استخدام القنابل العنقودية البريطانية، ومنع البيت الأبيض بيع القنابل العنقودية للسعودية في الشهر ذاته، "ومنذ ذلك الحين كانت هناك تقارير بأن السعودية تستخدم قنابل عنقودية برازيلية الصنع".
ويقول الصحافيون: "أما ترامب، الذي كان ينتقد دعم أوباما للسعودية في الماضي، فإنه ورث سياسة الإدارة السابقة بخصوص اليمن، وصادق في كانون الثاني/ يناير، بتنسيب من قيادة البنتاغون، على عملية خاصة في اليمن، كانت كارثية، حيث قتل فرد من قوات النخبة البحرية، وجرح ثلاثة آخرون، وفقدت طائرة ثمنها 75 مليون دولار، وقتل 10 مدنيين يمنيين على الأقل، وحاول ترامب النأي بنفسه عن العملية بالقول إن العملية بدأت قبل وصوله للرئاسة، ولتركيزه على كوريا الشمالية وإيران، فإن البيت الأبيض في عهد ترامب لم يعر الكثير من الاهتمام باليمن، فبقيت الأمور تسير بشكل كبير على سياسة أوباما ذاتها".
وقال ريديل، ضابط وكالة الاستخبارات المركزية السابق وزميل معهد "بروكينغز" حاليا: "الفائز الأكبر في هذه الحرب هم الإيرانيون؛ لأن السعوديين والإماراتيين ينفقون ثروة كبيرة، ولا تنفق إيران 1% من ذلك، فلديهم حرب الاستنزاف هذه، تنهك أعداءهم".
وبحسب المجلة، فإن مجلس الشيوخ يحاول إدخال تعديلين على قانون نفقات الدفاع؛ لمنع المزيد من بيع الأسلحة للسعودية وشركائها، ما لم يثبتوا التزامهم بمعاهدة جنيف في الحرب الجوية، منوهة إلى أن أحد المقترحين مقدم من السيناتور الجمهوري تود ينغ عن إنديانا، ويشترط فيه رفع الرياض المنع عن إرسال الرافعات لميناء الحديدة اليمني.
ويلفت الكتّاب إلى أن وزير الخارجية السعودية عادل الجبير، أرسل رسالة لوزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون في حزيران/ يناير، يؤكد له فيها أن الحكومة السعودية تعمل على التقليل من الإصابات المدنية في اليمن.
وتختم "فورين بوليسي" مقالها بالإشارة إلى قول الباحثة في منظمة "هيومان رايتس ووتش" كريستين بيركلي، بأنه لا يوجد دليل على أن الحكومة السعودية قيدت الحملة الجوية، أو قامت بتحقيقات في الغارات التي أخطأت الهدف، لافتة إلى أن "هيومان رايتس" تعتزم إصدار تقرير يوم الثلاثاء، سيذكر خمس غارات قتلت 39 مدنيا، بينهم 26 طفلا، منذ رسالة الجبير لتيلرسون.