أكد خبراء اقتصاد لـ"عربي21" أن القانون الذي أعدته الحكومة
اللبنانية، الجمعة، "غير دستوري، بحسب المادة 81 من الدستور، التي تنص على عدم قانونية إيجاد ميزانية فرعية من خارج الميزانية العامة للحكومة"، محذرين من أن "الإجراء الحكومي الأخير معرض لخطر إبطاله مجددا من قبل المجلس الدستوري".
وكانت الحكومة برئاسة سعد
الحريري أحالت مشروع قانون معجل إلى المجلس النيابي بالمقترحات الضريبية المعدلة التي تضمنها القانون المطعون فيه.
وأشار مصدر حكومي لـ"عربي21" إلى أن "القانون طبخ في اجتماعات سبقت انعقاد الحكومة، وتم عرضها خلال الجلسة، من دون أن تسجل اعتراضات تذكر"، بحسب المصدر.
وكان المجلس الدستوري، المخوّل بسلطته القضائية مراقبة القوانين الصادرة من الحكومة والمجلس النيابي، أبطل قانون زيادة الضرائب وتأمين الزيادة على
الرواتب للقطاع العام؛ بسبب عدم تضمينها الميزانية العامة.
ضرائب غير شرعية
وانتقد الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي، في تصريحات لـ"عربي21"، أداء مجلس النواب؛ لكونه "لم يناقش الموازنة في الوقت الذي أقر فيها الضرائب، وهو ما يخالف القانون، ودفع بالمجلس الدستوري إلى إبطال قانون سلسلة الرواتب"، مستغربا "تحصيل الدولة للضرائب ولمدة 12 سنة بصورة غير قانونية أو شرعية".
وكانت حكومة الحريري أعلنت عن ميزانيتها في آذار/ مارس الماضي، لكنها لم تناقش بعد في المجلس النيابي.
ورأى يشوعي أن "المحاسبة معدومة؛ بسبب انعدام وحدة الهدف على الصعيد السياسي والاجتماعي، في ظل غياب الانتماء إلى الوطن، إضافة إلى استفحال العنصر الطائفي الذي يحمي الفاسدين ويحصنهم"، مضيفا: "الأزمة لم تكن جهلا بالقانون والدستور، بل بفعل الاستهتار الموجود لدى الطبقة السياسية".
وحول حديث الحكومة عن اتجاه الأمور نحو الأفضل اقتصاديا، قال: "يتحدث فريق رئيس الجمهورية عن إنجازات في مسألة الجمارك، ما حقق وفرا للخزينة، عدا التأكيد على تحقيق إنجازات في مجالات اقتصادية متعددة، لكن الأمر يبقى مجرد كلام في حال لم تقدم الإيضاحات بلغة الأرقام".
وكشف يشوعي عن مصدر يكفي لتامين الزيادات على الرواتب، من دون فرض الضرائب على المواطنين، عبر "تحصيل ضريبة الأرباح على الهندسة المالية التي جناها البنك المركزي، بما يبلغ خمسة مليارات ونصف المليار دولار، والتي تكفي بنسبتها البالغة قرابة 750 مليون دولار لتأمين الزيادات على الرواتب، من دون إثقال اللبنانيين تحت أعباء إضافية، وتعريض الاقتصاد اللبناني للخطر في ظل فترة الانكماش التي يمر بها لبنان".
الأزمة تراكمية
وحول طبيعة الأزمة القائمة، قال نائب رئيس مجلس النواب الأسبق، إيلي فرزلي، لـ"عربي21": "إذا أردت أن نتكلم عن مسببات الأزمة، فهي تعود إلى عقدين من الزمن، عندما توقفت الحكومات السابقة عن ربط غلاء المعيشية بزيادة الرواتب، وكان أول من ابتدعها رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، عندما كان وزيرا للمالية".
وتحدث الفرزلي عن الهوة الحاصلة بين المواطن والدولة، فقال: "الثقة غير موجودة لدى اللبنانيين في قدرة الدولة على إيقاف سياسة الهدر المستفحلة في مؤسساتها نتيجة عاملين: الأول الهدر في المال العام، والثاني الإساءة للأمانة الوظيفية"، مؤكدا أن "معالجة تلك النقطتين تكفي لمعالجة أزمة الغلاء والمطالبات المستمرة بالزيادة على رواتب الموظفين".
وأضاف: "الثغرات في المعالجة أدت إلى اجتهاد الحكومة في تأمين سلسلة الرواتب عبر سياسة ضرائب لا تستند إلى مسوغات قانونية، ما أدى إلى الطعن فيها من قبل المجلس الدستوري".
واستغرب الفرزلي "عدم وجود ميزانية للدولة منذ فترة طويلة، في ظل الإنفاق العشوائي والسرقات المتواصلة في ميزانيات الدولة، في الوقت الذي تتراكم فيه الديون وفوائدها على لبنان".
يشار إلى أن العجز العام في الميزانية اللبنانية يبلغ قرابة 150 بالمئة، ما يشكل تهديدا اقتصاديا كبيرا للبنان.
وتوقع فرزلي "نجاح حلول الحكومة في الإبقاء على السلسة، وامتصاص غضب الموظفين"، مشيرا إلى أن أدوات النجاح لدى الحكومة "تكمن في توفير حتمي يستوجب على الميزانية، وتأمين ميزانية الزيادات على الرواتب لفترة شهرين، قبل أن تكرس حلول دائمة لها".
وعن آليات معالجات الهدر، قال الفرزلي: "التحدي صعب جدا، ولا توجد أسس للانطلاق في معالجة ثقوب الهدر والفساد، فالدولة مهملة منذ عقد ويزيد من الزمن".
وميّز الفرزلي بين دورين للحكومة، ففي "الشق السياسي، تقوم الحكومة بواجباتها، وتدير الملفات بعناية. أما على المستوى الخدماتي، فلم تقدم ما يدلل على تقدمها، ولو بالحدود الدنيا".
بخصوص دور رئيس الجمهورية ميشال عون، قال: تلقى رئيس الجمهورية اتهامات منذ الشهر الثاني لتوليه مسؤولياته بأنه غير قادر على محاربة الفساد، علما أنه مؤتمن على صيانة الدستور وحمايته، لكن لا يمكنه تحمل المسؤوليات الملقاة على عاتق الحكومة والمجلس النيابي"، منتقدا "تشابك دور مجلس النواب مع الحكومة".
ولفت إلى أن "الفساد والمفسدين موجودون في كل مفاصل الدولة ومؤسساتها، وهذا ما يتطلب إعادة إحياء القضاء ومؤسسات الرقابة".