نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني تقريرا حول مأساة
اليمنيين من ضحايا تجارة الأعضاء، الذين تدفعهم ظروف العيش الصعبة والحرب للسفر نحو
مصر من أجل بيع أجسادهم، حيث يتعرضون للاستغلال وسوء الرعاية الصحية مقابل مبلغ زهيد.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمه "
عربي21"، إن المواطن اليمني علي كان يبحث بشكل مستميت عن فرصة عمل، وهو المعيل الوحيد لثمانية أطفال، إلا أن البلد الآن قد دمرته الحرب، ولم يعد يستطيع الحصول على الدخل الذي يحتاجه لتغطية نفقات عائلته. وفي ظل هذه المعاناة، وبالتحديد في بداية سنة 2016، تعرف علي في سوق القات، في حي السنينة الفقير في العاصمة اليمنية صنعاء، على شخص يدعى مغاني.
وبين الموقع أن هذا الشخص المدعو مغاني؛ شرح لعلي كيف يقوم اليمنيون ببيع أعضائهم للمرضى في مصر، مقابل الملايين من الريالات اليمنية، لانتشال أنفسهم من
الفقر. وفي هذا الإطار أفاد علي: "لقد أذهلتني الفكرة، وبسرعة عدت إلى عائلتي وقلت لهم إنني مسافر للسعودية من أجل العمل، وبعد يومين ذهبت إلى صنعاء حيث حصلت على هوية مزورة وجواز سفر وتقرير طبي، وتذكرة سفر نحو مصر".
وذكر علي أنه اتفق مع هذا الوسيط على الالتقاء في القاهرة بشخص يدعى سلامة، من المفترض أنه سيدفع له مبلغ خمسة آلاف دولار بعد الخضوع لعملية نقل
الكلية.
وأشار الموقع إلى أن القانون اليمني لا يمنع تجارة الأعضاء، لذلك أصبح هذا البلد، الذي يصنف ضمن أفقر البلدان في العالم، هدفا مفضلا لشبكات تجارة الأعضاء، خاصة بعد انتشار الفقر واليأس في صفوف الرجال من أمثال علي.
كما أكد الموقع أن هذه الوضعية تفاقمت بسبب الحرب الأهلية التي تركت أكثر من 20 مليون يمني في حاجة ماسة للمساعدة الإنسانية والحماية، حيث يواجه الآن حوالي سبعة ملايين مدني شبح المجاعة. وعلى الرغم من أن العديد من طالبي الأعضاء يأتون من دول الخليج، إلا أن هناك قوانين تمنع اليمنيين من السفر إلى هذه الدول إذا كانت الحجة هي العلاج. لذلك يتوجه اليمنيون نحو مصر، التي تضع شروطا أقل صرامة، ولا تفرض تأشيرة دخول على اليمنيين.
وبالعودة لقصة علي، الذي سافر للقاهرة لبيع كليته، ذكرت الصحيفة أن شخصا يدعى محمود يعمل لدى سلامة، قد استقبله وأخذه إلى شقة يسكن فيها حوالي 15 رجلا، كانوا كلهم من اليمنيين الذين جاؤوا لبيع أعضائهم. وكان يراقبهم خمسة وسطاء مصريون، قاموا بمصادرة جوازات سفرهم حتى يمنعوهم من المغادرة في حال تغير رأيهم.
وفي هذا السياق، أورد علي أنه بقي في الشقة حوالي أسبوع، لا يخرج منها إلا بمرافقة محمد نحو المصحة من أجل الفحوص اليومية. وأضاف علي: "لقد حذرني الطبيب المشرف من أن أكشف عن اعتزامي بيع كليتي، وطلب مني القول إنني سأتبرع بها إلى أختي. ثم أحضر لي امرأة إماراتية في عمر الثمانين وأدخلها إلى الغرفة، وقال لي هذه هي أختك، هذه هي التي ستتبرع لها بكليتك".
ونقل الموقع عن علي قولا أكد فيه أن ابنة هذه المرأة الإماراتية أخبرته بأنها دفعت للمستشفى مبلغ 50 ألف دولار ثمنا للكلية، أي عشرة أضعاف المبلغ الذي تم دفعه لعلي. في الواقع، خضع علي لهذه العملية وبقي في المستشفى لمدة ثلاثة أيام، ثم جاء محمد وأعاده ثانية إلى الشقة. وفي اليوم نفسه دفع له مبلغ خمسة آلاف دولار، وأخذه إلى المطار حتى يعود إلى اليمن.
ونوه الموقع بأنه كما يحصل في جميع أنواع التهريب والتجارة غير الشرعية، يقع هؤلاء ضحايا لتجارة الأعضاء ويصبحون في النهاية هم أنفسهم وسطاء في هذه العملية.
وفي هذا الإطار، قال رئيس المنظمة اليمنية لمحاربة تجارة الأعضاء، نبيل فاضل، إن "أكثر من نصف ضحايا هذه التجارة ينتهي بهم الأمر بأن يصبحوا وسطاء، إذ إن الضحية بعد أن يبيع كليته بخمسة آلاف دولار، يخبره الوسيط المصري بأنه سيدفع له أيضا ألفي دولار على كل ضحية أخرى يحضرها، وهكذا فإن نصف الضحايا يتحولون إلى شركاء مع هذه العصابات".
وأورد الموقع قصة أحد هؤلاء الضحايا، وهو يدعى جمال، البالغ من العمر 35 سنة، يعيش في العاصمة صنعاء. وقد كان هذا الأب يعتمد في عمله على دراجة نارية لإعالة أسرته، وقد سمع أحاديث حول بيع الناس لأعضائهم في مصر، ولكنه لم يتخيل في يوم ما بأنه سيصبح منهم.
وأضاف الموقع أنه في أواخر سنة 2015، قام أحد أصدقاء جمال ببيع كليته وإخباره بالأمر إثر عودته، وقد أغراه بالقول إن العملية كانت سهلة جدا. وفي آذار/ مارس من سنة 2016، تم إقناع جمال وثلاثة رجال آخرين بأن يصبحوا "متبرعين"، واتفق معهم هذا الشخص على الحصول على خمسة آلاف دولار بعد استئصال الكلية.
وأشار الموقع إلى أن جمال مر بالمراحل نفسها التي مر بها علي، ولكن الأمور لم تنته بسلام، إذ لم يتمكن من إنشاء مشروع صغير يقتات منه، بعد أن تم التحايل عليه وأخذ قرابة نصف المبلغ المتفق عليه.
ونقل الموقع عن نبيل فاضل قولا أفاد فيه بأن منظمته وثقت أكثر من ألف حالة تجارة أعضاء منذ سنة 2012، ولكنه يعتقد أن الرقم الحقيقي يبلغ خمسة آلاف. كما بين فاضل أن الحرب تسببت في تفاقم هذه الظاهرة، خاصة أن الظروف الاقتصادية باتت تجبر الكثيرين على القيام بهذه الرحلة الخطرة نحو مصر. ورغم تراجع الأعداد قليلا بعد غلق مطار صنعاء، إلا أن الكثيرين باتوا يعتمدون على طرق أخرى للسفر.
وأشار الموقع إلى أن علي، ضحية هذه التجارة، أخبر عائلته لدى عودته إلى اليمن بما تعرض إليه، وكانت ردة فعلهم تتراوح بين الحزن والانزعاج، ولم يقبلوا بالأمر رغم أنه حاول إقناعهم بأنه فعل ذلك لمصلحتهم من أجل تأمين المال. وفي هذا الصدد، قال علي: "أمي وزوجتي لم تسامحاني لحد الآن، وتكرهانني إلى حد اليوم، فهما تعتقدان أن هذا السلوك يتناقض مع القيم والتقاليد اليمنية".
وذكر الموقع أن علي اشترى بالمبلغ المتبقي عنده ثلاثة دراجات نارية وقام بتأجيرها لبعض أصدقائه حتى يعملوا عليها، ليؤمن بذلك دخلا شهريا. ولكن، لم تدم هذه الدراجات أكثر من ستة أشهر، وفي النهاية خسر كل شيء. وعلى خلفية ذلك، أفاد علي: "لقد خسرت الأموال التي حصلت عليها كثمن لبيع كليتي، وأنا الآن أعيش الفقر والخصاصة مرة أخرى، إضافة إلى ذلك يمكن أن أموت في أي لحظة لأنني أعيش بكلية واحدة".
وفي الختام، حذر الموقع من أن من يخضعون لهذه العملية يحتاجون لمراقبة طبية وعمليات فحص روتينية كل ستة أشهر، بما أن الجسم فقد أحد أعضائه. ولكن، للأسف لا تخبر شبكات تجارة الأعضاء الضحايا بالآثار الجانبية التي سيعانون منها بعد العملية.
الموقع: ميدل إيست آي
الرابط:
https://www.middleeasteye.net/news/yemen-organ-donor-trafficking-egypt-surgery-poverty-792231183