طالبت منظمة حقوقية وسياسيون وإعلاميون في
تونس بالإسراع في فتح تحقيق قضائي؛ للكشف عن ملابسات غرق مركب للهجرة غير الشرعية كان على متنه عشرات التونسيين؛ إثر اصطدامه بخافرة عسكرية تونسية؛ ما أدّى إلى سقوط عديد الضحايا.
وكانت وزارة الدفاع الوطني ذكرت أنّ وحدة بحرية تابعة لجيش البحر رصدت، مساء الأحد، "مركبا مجهول الهوية" على بعد 54 كلم من شاطئ منطقة "العطايا" بجزيرة قرقنة في الجنوب الشرقي للبلاد.
وتابعت الوزارة في بلاغ لها بأنّ "المركب المجهول اصطدم بالوحدة البحرية أثناء الاقتراب منه؛ لمحاولة التعرّف عليه، ما أدى إلى غرقه"، مضيفة أن الوحدة البحرية "بادرت بإنقاذ 38 فردا، كلهم تونسيون، وانتشال 8 جثث، بينما لا تزال عمليات البحث متواصلة".
شهادة أحدة الناجين
وكشف أحد الناجين، ويدعى خالد غناينية، الأربعاء، أنّ عدد الذين كانوا على متن المركب يفوق 90 مهاجرا، ما يعني أنّ عدد الذين ربّما غرقوا يفوق 40 شخصا.
وتابع في تصريح لإذاعة "شمس أف أم" بأن مركب "الحرقة" (
الهجرة غير الشرعية) غادر السواحل التونسية في حدود الساعة السابعة والنصف من مساء الأحد، وبعد حوالي 6 أو 7 ساعات لحقت بهم خافرة تابعة للجيش الوطني".
وأكّد أنّ الخافرة "حاولت صدّهم عن مواصلة طريقهم، رغم أنّنا كنّا غير بعيدين عن المياه الإقليمية.. وتحدّث من كانوا على متنها معنا بواسطة البوق، طالبين منا العودة، وقاموا برشّنا بالماء".
وواصل غناينية قوله: "إن الوحدات العسكرية ابتعدت حوالي كيلومترا، فذهب في ظنّنا أنهم تركونا وشأننا، لكن بعد فترة لحقت بنا الخافرة، وقلبتنا، فبدأ الجميع يصيح ويشهّد ويكبّر".
وقال: "بعد انقلاب المركب، ابتعدت عنّا الخافرة العسكرية، فبدأ المهاجرون بالصراخ والتوسل لإنقاذهم، عندها قفز شاب من الخافرة، وراح يحاول إنقاذ الغرقى، والتحق به زملاؤه، وانطلقت عملية الإنقاذ".
وكشف أنّ مركبا تابعا للسلطات الإيطالية "كان غير بعيد عن مكان الحادث، ولم يتدخل؛ نظرا لوجود خافرة عسكرية تونسية"، وفق تعبيره.
فتح تحقيق فوري
وشدّدت وكالة الدولة العامة لإدارة القضاء العسكري في بلاغ لها، الأربعاء، أنه "لا يمكن في الوقت الراهن تحديد المسؤوليات القانونية لمختلف الأطراف المتدخلة في واقعة غرق القارب، إلا بعد ورود نتائج الأعمال الفنية، واستكمال الأبحاث التحقيقية".
وطالب حزب "حراك تونس الإرادة"، في بيان له، مساء الثلاثاء، بفتح تحقيق فوري وجدّي؛ للكشف عن ملابسات ما وصفها بـ"كارثة قرقنة"، وتحديد المسؤوليات، ومعرفة أسباب التصادم، مشيرا إلى وجود "نية لإخفاء حجمها الحقيقي".
وفي سياق متّصل، طالب الإعلامي والمحلّل السياسي زياد كريشان، في فقرته اليومية على إذاعة موزاييك، الأربعاء، بفتح تحقيق قضائي في المحاكم العدلية؛ لمعرفة الحقيقة، وتحديد المسؤوليات الجزائية، لافتا إلى أنّه "لو وقعت حادثة مماثلة في إيطاليا لقامت الدنيا ولم تقعد"، وفق تعبيره.
كارثة أكبر
من جهته، استغرب المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ما وصفه بـ"البطء في رد الفعل من السلطات التونسية في تقديم المعلومات، وكشف ملابسات الحادث للرأي العام المحلي وكافة العائلات".
وقال المنتدى في بلاغ نشره، الثلاثاء، إنّ التعتيم على الحادث قد يخفي كارثة أكبر، معتبرا الاكتفاء ببلاغ مقتضب يثير الشكّ، و"أننا إزاء كارثة تجتهد السلطات الرسمية في إخفاء معالمها، والتحقيق الجدي في الفاجعة".
وقال المنتدى إنّه نبّه مرارا وتكرارا "من خطورة المواصلة في السياسات الاقتصادية ذاتها، ومن خطورة إحساس فئات واسعة من الشباب بالإحباط، وغياب أفق للكرامة والتشغيل والعدالة الاجتماعية، ما يعمق من الرغبة في الهجرة لدى فئات واسعة من الشباب، ويعرضهم للبحث عن حلول يائسة".
وطالب الحكومة التونسية بمراجعة المقاربة الأمنية في التعامل مع الهجرة غير النظامية، وتفكيك شبكات التهريب، ومحاكمة المشتغلين، ومراجعة مسارات التعاون الجارية مع الاتحاد الأوروبي".
ودعا المنتدى كافة فعاليات المجتمع المدني والسياسي لوقفة تضامنية مع عائلات الضحايا والمفقودين في الفاجعة البحرية، الخميس، أمام المسرح البلدي في العاصمة.
رغبة في الهجرة
وكانت المكلفة بملف الهجرة في المنتدى، ريم بوعروج، كشفت خلال مؤتمر صحفي، الاثنين، أنّ عدد التونسيين الذين تمكّنوا من الوصول إلى السواحل الإيطالية، بحسب الإحصائيات الرسمية، بلغ خلال شهر أيلول/ سبتمبر الماضي 1400، بينما بلغ العدد إجماليا خلال الأشهر التسعة الأولى 2700 شخص.
وتابعت بأنّ 54.6 في المئة من الشباب في تونس يرغبون في الهجرة، منهم 31 في المئة بطريقة غير نظامية، وفق دراسة قام بها المنتدى.
وأضافت أنّ المنتدى يتوقع أن يكون العدد الحقيقي للذين بلغوا السواحل الإيطالية حوالي خمسة آلاف، مقابل 1200 شخص سنة 2016، و880 سنة 2015، لافتة إلى أنّ بنسبة 67 في المئة من المهاجرين تتراوح أعمارهم بين 20 و30 سنة.