في الوقت الذي صدمت فيه الحكومة
المصرية أكثر من 14 مليون مصري يقيمون في الخارج، وفقا لإحصائيات رسمية، بقرار يجبرهم على تنزيل تطبيق على هاتفهم المحمول، مهمته حساب الضريبة المقررة على كل هاتف يشترونه من الخارج، لدفعها عند دخولهم به البلد العربي الأفريقي الذي يعاني اقتصاده أزمات هيكلية مزمنة.
لكن ناشطين كشفوا عن صدمة ثانية، وهي أن تطبيق "تليفوني" المفروض على المصريين في الخارج تنزيله، تم تصميمه في إسرائيل، وتجري إدارته من "تل أبيب"، على حد قولهم.
وهو الحديث الذي بحثت "عربي21"، في مدى مصداقيته بتجربتها للتطبيق، وعبر الحديث مع خبير مصري في الإعلام الرقمي، ولم تثبت صحته، ولكن تظل هناك الكثير من المخاوف باقية من ذلك التطبيق، بحسب متحدثين، ومراقبين.
ويظل ملف اعتماد الحكومة المصرية على برامج التجسس ومنها الإسرائيلية مقلقا للمعارضين المصريين، خاصة بعدما كشفه تحقيق دولي في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، من أن شركة مراقبة رقمية إسرائيلية باعت للنظام المصري برامج تجسس، لاستخدامها ضد المعارضين.
وقالت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية؛ إن التحقيق كشف عن وثائق تفيد بأن شركة "إنتليكسا" وهي تحالف لشركات أسلحة ومراقبة رقمية مملوكة لإسرائيليين، وعمل بها رئيس وزراء الاحتلال الأسبق إيهود أولمرت كمستشار، باعت برنامج التجسس المعروف باسم "بريداتور" لمصر، لاستخدامه لتقويض حقوق الإنسان وحرية الصحافة والحركات الاجتماعية.
"انتقادات الجباية ومخاوف التجسس"
وانتقد البعض فرض الحكومة المصرية هذا التطبيق على المصريين، لفرض الرسوم الجمركية الجديدة على الهواتف المستوردة بقيمة 38.5 بالمئة، وللسيطرة على سوق الأجهزة المحمولة ومنع المستوردة منها والبالغ حجمها نحو ملياري دولار سنويا، وفق بيان لوزارتي المالية والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، مطلع كانون الثاني/ يناير الجاري.
وقررت الحكومة أن يكون لكل مواطن قادم من الخارج موبايل "مُعفى" للاستخدام الشخصي لفترة انتقالية مدتها 3 أشهر، والسماح للمواطنين بتسجيل هواتفهم المحمولة المستوردة بالمنظومة الإلكترونية الجديدة عبر تطبيق "تليفوني"، ويمكنهم الاستعلام عن قيمة الرسوم المستحقة وسدادها "أون لاين" خلال مهلة تمتد، لأول مرة، 3 أشهر عبر التطبيق.
وفق البيان، يعزز القرار الجديد توطين صناعة المحمول، ويوفر المزيد من فرص العمل ومنع التهرب من الجمارك والضرائب، ويحمي السوق من الممارسات غير القانونية، ويحافظ على حقوق الدولة وحماية المستهلكين من الأجهزة المقلدة.
لكن خبراء اقتصاد مصريين، بينهم الخبير الاقتصادي ممدوح الولي، أكدوا في تصريحات صحفية أن السبب الرئيسي للقرار هو العجز الكبير في ميزانية الدولة الذي بلغ في (2023-2024) 504.5 مليارات جنيه (حوالي 10 مليارات دولار)، ولذا ترغب في تحصيل الرسوم على جميع الهواتف التي تدخل مصر.
وفي المقابل، يتخوف مصريون من أن يكون تطبيق تليفوني وسيلة للتجسس على المقيمين بالخارج، كما يرى البعض أن القرار الذي يأتي بهدف جمع الأموال من المصريين في الأساس، له هدف آخر، هو تقليل نقل التكنولوجيا الحديثة عبر الهواتف المستوردة، حيث يتخوف النظام من تأثير التكنولوجيا على المصريين، ويدفعهم للاكتفاء بالمصنع محليا الأقل جودة والأكثر سعرا.
كما يعتقد البعض أن القرار بجانب فكرة التجسس المحتملة، يخدم مجموعة صافي وهبة، صهر شقيق السيسي، موزع ومنتج حصري لهواتف "شاومي" الصينية، وموزع معتمد لهواتف "آبل" الأمريكية، و"سامسونغ" الكورية الجنوبية.
فمنذ آب/ أغسطس 2018، حين جرى عقد قران محمد صافي وهبة، على مريم أحمد السيسي ابنة المستشار أحمد السيسي شقيق رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، صعد نجم إمبراطورية صافي وهبة، ودخلت العديد من المجالات ونال العديد من المناصب، بشكل مثير للتساؤلات.
وتقوم العديد من الشركات الدولية الكبرى بالعامين الماضيين، بتصنيع منتجاتها في مصر، ومنها شركات "سامسونغ" و"شاومي" و"فيفو" و"إنيفينكس" و"نوكيا" و"مايكروماكس".
"مشروعات ابتزاز المصريين"
وتمثل تحويلات المصريين في الخارج أهمية كبيرة لدى الحكومة المصرية خاصة مع زيادة تحويلاتهم السنوية بشكل مطرد، التي حققت خلال الشهور العشرة الأولى من العام الماضي، نحو 23.7 مليار دولار، بحسب البنك المركزي المصري.
ومن آن إلى آخر، تطلق الحكومة المصرية مبادرة جديدة تستهدف المصريين بالخارج، وتسعى من خلالها زيادة تحويلاتهم، في وقت تعاني مؤسسات الدولة المصرفية من أزمة شح الدولار، وتواجه فيه الحكومة المصرية أزمات سداد فوائد ومتأخرات وأقساط قروض دين خارجي يفوق 155 مليار دولار.
ومنها: مبادرة تسوية الموقف التجنيدي للمصريين بالخارج، في آب/ أغسطس 2023 مقابل 5 آلاف دولار، التي جرى مدها مرتين مقابل 7 آلاف دولار، وذلك إلى جانب مبادرة إعفاء جلب سيارات من الخارج عام 2022، وتخصيص أراض لهم بالدولار في العاصمة الإدارية والمدن الجديدة، ومبادرة "بيتك في مصر"، وإطلاق شهادة "بلادى الدولارية"، وغيرها.
ويصل عدد المصريين العاملين في الخارج نحو 14 مليون مصري معظمهم في دول الخليج العربي، بحسب وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين في الخارج السفيرة سها جندي، فيما يبلغ عدد السكان في الداخل أكثر من 107 ملايين نسمة.
وأجمع "محمد"، و"إسلام"، أحدهما مقيم في إيطاليا، والآخر في السعودية، على أن "كل ما تطلقه الحكومة المصرية من مبادرات في ظاهرها خدمات للمصريين في الخارج، ولكن الجميع يعي أن هدفها هو جمع الأموال منهم بكل الطرق".
وأشارا إلى "ما يتم تحصيله منهم عبر السفارات والقنصليات من أموال بالعملات الصعبة لقاء استخراج شهادات ومحررات رسمية"، مؤكدين أن "عيون الحكومة على أموال المصريين في الخارج، وتطبيق (تليفوني) حلقة من حلقاته".
"ليس إسرائيليا.. والأزمة عدم ثقة"
وفي رؤية فنية حول الحديث المنتشر عن تطبيق (تليفوني)، قال الإعلامي وخبير الإعلام الرقمي ومقدم برنامج "هاي تك" على "قناة الشرق"، عمر الشال: "بداية التطبيق يأخذ بعض الصلاحيات على الهاتف المحمول عند تنزيله، وتبدو أن جميعها صلاحيات منطقية".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أوضح، أن "ذلك الرأي يأتي وسط اعتبار أنه يمكن أخذ صورة أو ترسل له معلومات، فهو يجمع بيانات عن المستخدم، وهذا يبدو من تفاصيل التطبيق على (آب ستور) أو (بلاي ستور)، ويمكن منهما التعرف على البيانات التي يقوم التطبيق بتجميعها عنك".
لكن الشال، يرى أن "المشكلة ليست في هذا الأمر"، مبينا أن "أغلب التطبيقات والبرامج الموجودة على الهواتف المحمولة تأخذ صلاحيات أكثر من هذا، مثل فيسبوك وغيره، ولذا ليست المشكلة في الصلاحيات أو في البيانات التي يحصل عليها التطبيق، ولكن المشكلة في انعدام ثقتنا في من يقوم بجمع هذه المعلومات".
وقال: "بمنتهى البساطة ولانعدام الثقة في الحكومة وفرضها هذا التطبيق على المصريين في الخارج واضطراراهم لاستخدامه، وأنه يجمع معلوماتهم الشخصية، فهذا أمر مقلق جدا في دولة مثل مصر".
ولفت إلى أن "هناك دولا كثيرة في العالم فيها تطبيقات مشابهة وليست بالطريقة نفسها، ويستخدمونها بشكل عادي؛ لأن هناك ثقة، وهناك قوانين تحمي من تسريب البيانات، وتحمي الخصوصية والمعلومات الشخصية، وهذا غير موجود في مصر للأسف الشديد".
ويعتقد أن "التخوف هنا في محله جدا من جمع المعلومات وربط تلك المعلومات بالأشخاص وبالتليفونات، وما قد ينتج عن ذلك، خاصة أن التطبيق يجمع (آي بي) التليفون لمعرفة مكان الشخص المستخدم، وتفاصيل أخرى قد تكون بالفعل تمثل نوعا من القلق أو الضرر".
وأشار خبير الإعلام الرقمي المصري إلى الشق الثاني من الموضوع وما يثار أن هذا التطبيق جرى تصميمه في إسرائيل، قائلا: "أرى أن هذا الكلام غير منطقي ولا يوجد دليل عليه، والصورة المنتشرة ليست لها علاقة بالتطبيق، ولقد قمت بالتحري عن الموضوع، ولو دخل أي شخص على تطبيقات تحميل البرامج لن يجدها".
وكشف عن أن "تلك الصورة تمثل إعلانا ظهر لشخص ما يقول؛ إن الجهة المعلنة في إسرائيل، وهذا يمثل نوعا من الشفافية، حيث إنه لو ظهر لك إعلان فيمكنك معرفة ما هي تلك الشركة وأين مكانها؟ ولكن الصورة لا علاقة لها بتطبيق (تليفوني)".
ويرى أن "من غير المنطقي، والمستبعد تماما، أن يكون التطبيق الذي تطلقه الهيئة القومية لتنظيم الاتصالات (حكومية) في مصر، في أي مرحلة من مراحله، تم تصنيعه في إسرائيل؛ لأن هذا أمر غير منطقي، ويخص الأمن القومي المصري".
وأكد أنه "في مصر كفاءات علمية وتقنية كبيرة جدا، والتطبيق أصلا لا يحتاج كفاءات، وهو بسيط جدا، ولكن بعض نتائجه غير منطقية، حيث يخرج منه قيم ضريبية كبيرة جدا على هواتف قديمة".
وختم بالقول: "ولذا، من وجهة نظري الفنية البحتة أرى أن ربط التطبيق بإسرائيل غير منطقي ولا دليل عليه، ولكن التخوف من أن يساء استخدام هذا التطبيق في جمع بيانات المصريين، وربطها بأمور لها علاقة بالملفات الأمنية واستيفاء وجمع معلومات، فهي هنا مخاوف منطقية".
"جباية وفساد وتجسس"
من جانبه، قال الكاتب الصحفي أحمد حسن بكر ، معلقا على فرض ضريبة الهاتف المحمول على المصريين في الخارج، بأنها "جباية، وفساد وتجسس، في اللادولة"، مضيفا في حديثه لـ"عربي21": "علينا أن نتوقع ما هو أسوأ من تلك الضريبة".
وأكد أنه "في مصر حيث لادولة، باع السيسي كل شيء من أجل لا شيء، ولم يعد أمامه إلا فرض الضرائب الجزافية على وسائل التواصل الإلكترونية، التي أعفتها كل دول العالم تقريبا من الجمارك؛ لأنها أصبحت ضرورة من ضرورات الحياة والعمل".
وأوضح أن "نظام السيسي المترنح فقد عقله السياسي، وسيطر عليه فساد الحاشية والأصهار، لذا نسمع كل يوم عن قرارات لا تخدم الوطن أو المواطن، وإنما تخدم الحاشية والأصهار".
"صهر شقيقه والقرار"
ويعتقد بكر، أن "قرار جمارك وضرائب الهاتف المحمول يصب في المقام الأول بخزائن رجل الأعمال (صافي وهبة) صهر شقيق السيسي، الذي يسيطر على توكيلات بعض أجهزة التليفونات الصينية، وهي التليفونات التي ترفض معظم الدول الأوربية وأمريكا تحميلها على شبكتها؛ خوفا من حملها برامج تجسس صينية".
وبعد وصفه تطبيق (تليفوني) بـ"الخبيث"، قال: "بداية يجب أن نعلم أن مصر اشترت من إسرائيل الكثير من برامج التجسس، للتجسس على معارضي نظام السيسي، وفي الوقت نفسه تستخدمها إسرائيل للتجسس على قطاعات الدولة المصرية كافة، وكما تردد بقوة، فإن تطبيق (تليفوني) خبيث في الأساس، وإن كان الظاهر أنه يختص بتنفيذ قرار الضريبة الجديدة".
وأشار الكاتب المصري المعارض من الولايات المتحدة إلى ملف مرتبط بالقضية، وهو "تهريب الهواتف المحمولة من الموانئ المصرية"، موضحا أنه "عندما تُعلن الصحف المحلية أن تجار المحمول شغلوا أكثر من مليون جهاز تليفون من ماركات (سامسونغ)، و(آبل)، قبيل سريان قرار الجباية، فهذا يكشف أنه يتم تهريبها من الموانئ المصرية، وبأعداد كبيرة عبر تجار ومهربين، وليس من خلال المصريين العاملين في الخارج".
ولفت أيضا إلى أن "هذا القرار الغبي والفاسد، ينطوي على ما يسمى بالازدواج الضريبي؛ لأن المصري حين يشتري هاتفه من الدولة المقيم بها، فإنه يدفع ضريبة مبيعات، ثم يأتي إلى مصر ليعيد دفع أكثر من 38 بالمئة من قيمة الهاتف، وهذا يعني أنه دفع أكثر من ثمن الهاتف".
وخلص للقول؛ إن "السيسي بهذه الطريق يكسب أكثر من شركات (سامسونغ)، و(آبل)"، مبينا أنه "بالضريبة والجمارك التي فرضها على الهواتف المحمولة، يحقق بذلك مكاسبا تفوق مكاسب الشركتين العالميتين بكل هاتف".
وفي نهاية حديثه، توقع أن "يجد شباب المبرمجين المصريين حلولا إلكترونية، قريبا، تفسد ما تحاوله الدولة لإيقاف عمل التليفونات التي لا تدفع الجباية"، لكنه شدد على أن "هذا الأمر لو نجح فيه الشباب، سيكون خطرا كبيرا على الأمن السيبراني لقطاع الاتصالات والمعلومات".