نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرا تحدثت فيه عن وضع مدينة
إدلب السورية، التي تعيش منذ فترة تحت وطأة القصف السوري والروسي، بينما تشهد في الوقت الراهن عملية عسكرية تركية.
وأشارت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن هدف هذه العملية هو تطبيق اتفاق
خفض التصعيد هذه المنطقة التي تخضع لسيطرة هيئة
تحرير الشام.
وأكدت الصحيفة أن هذه العملية أتت بعد ستة أشهر من انتهاء عملية "درع الفرات"، التي سمحت لأنقرة وحلفائها بمواجهة تنظيم الدولة والسيطرة على العديد من المناطق شمال البلاد، علاوة على منع تقدم المليشيات الكردية في المنطقة.
وأفادت الصحيفة إن العملية التركية الجديدة جاءت بعد محادثات أستانا التي عقدت في 15 أيلول/ سبتمبر، مع العلم أنها حازت على دعم وموافقة روسيا لفرض التهدئة في جيوب المعارضة السورية. وبعد الغوطة الشرقية، من المفترض أن تندرج منطقة درعا (جنوب)، وحمص (وسط) وإدلب وريفها، ضمن أربع مناطق لخفض التصعيد. ووفق وسائل الإعلام التركية، ينص الاتفاق بين أنقرة وموسكو على بناء 14 مركز مراقبة في محافظة إدلب، حيث سيتم نشر 500 جندي تركي.
ويرى العقيد الركن بشار سعد الدين، الضابط في الجيش السوري الحر والذي شارك في عملية "درع الفرات"، أن هذا الحل "هو أقل الحلول ضررا". فالمعارضة السورية تعتقد أن وجود القوات التركية سيحمي محافظة إدلب وسكانها، البالغ عددهم مليوني نسمة، من خطر الهجمات البرية لقوات النظام.
وأوردت الصحيفة أن المعارضة تأمل في أن يساهم ذلك في توقف القصف الروسي على هذه المنطقة، وممارسة المزيد من الضغط على السلطات السورية للتخفيف من الهجمات. ففي الأسابيع الأخيرة، هاجم الطيران السوري مستشفيات في إدلب، مثلما شن غارات في حلب في العام الماضي، بهدف ردع مقاومة أحياء المدن المعارضة.
وأوضحت الصحيفة أن سكان إدلب يعلقون آمالا كبيرة على هذه العملية، ولعل هذا ما تؤكده الصور التي التقطت يوم الجمعة في قرية دارة عزة بريف حلب الغربي (القريب من إدلب) لأطفال يحتفون بالدبابات التركية. وفي هذا الإطار، قال أبو البراء، وهو طبيب في إدلب اتخذ هذا الاسم المستعار وأصر على عدم كشف هويته: "هذه هي فرصتنا الوحيدة للبقاء على قيد الحياة، فنحن لا نطلب الحق في الذهاب إلى المدرسة أو العلاج أو التعبير عن آرائنا بحرية، وإنما نريد أن نبقى على قيد الحياة".
وأكدت الصحيفة أن أولوية الجيش التركي تتمثل في نشر وحداته على طول الحدود الشمالية الشرقية والشمالية الغربية لإدلب، لمنع تقدم وحدات حماية الشعب الكردية في منطقة عفرين المجاورة. فضلا عن ذلك، ينبغي على
تركيا أن تحتوي هذه القوات حتى تحد من توسع حزب العمال الكردستاني. فمنذ بداية الحرب في سرويا، كانت هذه الغاية على رأس أولويات أنقرة، إذ حاولت من خلال عملية "درع الفرات" منع الوحدات الكردية من ضم عفرين وعين العرب (كوباني) شرقا.
بالتوازي مع هذه الخطوة، من المرجح أن تتخذ القوات التركية مواقعها على طول الحدود السورية التركية.ومن خلال هذه العملية، ستحاول تركيا إقامة منطقة عازلة، تمنع تدفق موجة جديدة من اللاجئين في حال قامت قوات النظام السوري وحلفاؤها بشن هجوم آخر على المنطقة.
ونقلت الصحيفة عن الباحث السوري سنان حتاحت؛ قوله إن "هاتين الخطوتين تؤكدان أن عمل القوات التركية يتوقف على موقف روسيا ونظام الأسد وهيئة تحرير الشام".
وفي هذا السياق، أكد أردوغان أن القوات التركية ستسيطر على مدينة إدلب، بينما يسيطر الروس على المناطق الريفية المحيطة بها. ولكن، كما هو الحال دائما في
سوريا، مناطق النزاع هي التي ستحسم المسألة.
وبينت الصحيفة أنه في الوقت الحالي يتجنب كل من الجيش التركي والحركات المتطرفة الدخول في مواجهة. بالإضافة إلى ذلك، لدى أنقرة العديد من أدوات الضغط على المجموعات المسلحة في سوريا، وعلى الأرجح قد تتفاوض معها حول إبرام معاهدة تنص على عدم الاعتداء على القوى الفاعلة في محافظة إدلب. في نفس الوقت، لا تعتبر القوات التركية بمنأى عن هجمات من الجناح الأكثر تطرفا في هيئة تحرير الشام، الذي يعتبر العملية التركية غزوا للأراضي السورية.
وأشارت الصحيفة إلى أن الافتراض الضمني لاتفاق وقف التصعيد؛ يقتضي أن تساهم تركيا بطريقة أو بأخرى في تحييد الحركات المتطرفة. كما من الممكن أن يُعهد بهذه المهمة إلى قوات المعارضة السورية التي شاركت في عملية "درع الفرات"، وإلى الوحدات القليلة التابعة للجيش السوري الحر التي لا تزال موجودة في المنطقة.
ونوهت الصحيفة إلى أنه في حال كانت هذه القوات مترددة في اتخاذ القرار، فإن موسكو ودمشق ستتاح لهما الفرصة لاستئناف أو تكثيف عمليات القصف الجوي. وعلى هذا الأساس، فإن الخطر الأكبر بالنسبة لتركيا يكمن في أن تجد نفسها محاصرة من قبل قوات النظام وقوات هيئة تحرير الشام.