اتخذت القوى الدولية من انتشار وسيطرة تنظيم الدولة على مناطق واسعة من سوريا؛ مبررا للتدخل العسكري والتواجد الفعلي في البلاد، سواء بشكل مباشر أو عبر وكلاء، ولكن مع انتهاء أسطورة التنظيم في سوريا والإعلان عن طرده من "البوكمال" آخر معاقله، يتساءل كثيرون عن مصير هذه القوى، خاصة مع انتفاء الأسباب المعلنة لوجودها.
ويرى محللون تحدثت إليهم "عربي21" أن الأطراف الدولية التي لها مصالح في سوريا، لن تخرج من البلاد إلا بعد ضمان حماية مصالحها وبقاء نفوذها هناك، مؤكدين أن "القضاء على تنظيم الدولة" كان شعارا كاذبا تسللت من خلفه هذه القوى، لبسط نفوذها وتقاسم مصالحها في سوريا.
الكاتب والمحلل السياسي جواد الحمد قال: "من حيث المبدأ، فإن تواجد قوات تابعة لبعض الدول لم يكن هدفه الأساس القضاء على تنظيم الدولة، وإنما الهشاشة التي وصلت إليها الدولة السورية، دفعت هذه الدول للبحث عن مصالحها التي كانت قائمة، أو التي يمكن أن تقوم في سوريا من خلال تواجدها على الأراضي السورية، سواء بالتدخل في إعادة بناء النظام القائم في سوريا، أو إقامة نظام جديد".
وأضاف الحمد في حديث لـ"عربي21" أن المهمة التي اضطلعت بها كل من القوات الروسية والإيرانية والمليشيات المتحالفة معهما، أو أمريكا وحلفائها أيضا، وحتى القوات التركية؛ لم تنته بعد، فهذه القوى في مهمة متواصلة، لضمان مصالحها العليا التي أتت من أجلها.
وحول المشهد في سوريا بعد رحيل تنظيم الدولة قال: "ليس هناك رؤية حقيقية إلى الآن ترسم الشكل الذي ستكون عليه سوريا مستقبلا، لأن الأطراف الدولية لا زالت مختلفة فيما بينها".
اقرأ أيضا: مستشار خامنئي يكشف مخاوف إيران من فقدان حصتها بسوريا
وفي هذا الصدد أشار إلى أن التعقيدات التي حصلت بعد الأزمة الخليجية، إضافة إلى التطورات الأخيرة داخل السعودية، سيكون لها انعكاس مباشر على أدوار هذه الدول في داخل سوريا، لافتا إلى أن الأزمة صبت في صالح النظام السوري وحلفائه، على حساب الدور التركي هناك.
ورأى الحمد أن "سوريا ستشهد تقاسما أو تفاهما، على النفوذ بين القوى الدولية، لافتا إلى الأمر ربما يتحول إلى تقاسم جغرافي"، مستدركا: "لكن المشهد ليس ناضجا بعد، ومن المبكر الحكم عليه".
وفي هذا الاتجاه واصل قائلا: "التدخل الروسي لم يكن بمعزل عن التدخل الأمريكي في سوريا، بل كان منسقا معه، وكانت واشنطن شبه راضية عن التدخل الروسي في حدود معينة، وكل الأدلة تشير إلى تواطؤ وتنسيق بينهما وتفاهم أيضا على محاصصة في النفوذ خلال المرحلة الحالية".
من جهته تحدث أستاذ العلاقات الدولية في جامعة أكسراي ضياء عباس، عن تراجع للدور الأمريكي في سوريا لصالح روسيا وحلفائها.
وقال: "إن النزاع العسكري على وشك انعطافة جديدة بعد القضاء على تنظيم الدولة، إذ أن التطورات الميدانية تشير إلى قرب حدوث صراع بين النظام والقوى الكردية".
وأشار عباس في حديث لـ"عربي21" إلى أن النظام أطلق تحذيرات للقوى الكردية بضرورة الانسحاب من الرقة وبعض المناطق المجاورة (التي انتزعتها من تنظيم الدولة) أو أنها سوف تقوم بانتزاعها بالقوة.
وتوقع عباس أن يتراجع نفوذ القوى الكردية (حليف رئيسي للولايات المتحدة الأمريكية) في المناطق التي سيطروا عليها، لافتا إلى وجود سخط شعبي من الإجراءات التي اتخذتها تلك القوات، حيث عم الإضراب العام مدينة منبر قبل أيام احتجاجا على تواجد وإجراءات القوى الكردية في التجنيد الإلزامي، مما دفعها إلى التراجع عن بعض الإجراءات.
وأضاف: "أي عمليات لقوات النظام في هذه المناطق سوف تجد دعما شعبيا، مدفوعة بالصراع القومي بين العرب والأكراد، فمدينة منبج مثلا من المدن التي ينخرط الكثير من أبنائها في جيش النظام".
وتابع: "في قادم الأيام ونتيجة لهذا الصراع؛ ستتقلص معظم المناطق التي تسيطر عليها القوات الكردية، خاصة أن تركيا التي تتواجد في إدلب تسعى لنفس الهدف".
ومتحدثا عن مصير القوى الدولية المختلفة في سوريا قال عباس: "لا شك أن الروس والإيرانيين عززوا من وجودهم في البلاد بحكم علاقاتهم السابقة منذ أيام الرئيس الراحل حافظ الأسد، وقد ألقوا بكل دعمهم لإنهاء الصراع لصالح النظام، وبالتالي فإن روسيا وإيران على وجه التحديد لهما مصالح عديدة في سوريا، وسيحصلون على امتيازات تعزز تواجدهما في سوريا نظير دعهما للنظام".
اقرأ أيضا: لافروف: دمشق كانت ستسقط خلال أسبوعين لو لم نتدخل
وحول مصير التواجد الأمريكي قال: "التواجد الأمريكي في سوريا مجهول في المدى القريب، لكنه يعاني من تراجع وضعف، خاصة مع الاتهامات الموجهة لواشنطن حول دعم التنظيمات الإرهابية كتنظيم الدولة، وهو ما يضع الأمريكان في موقف محرج أحيانا".
وأضاف: "مع رجحان كفة الروس وعودة سيطرة الأسد على معظم الجغرافيا السورية، لن يكون الدور الأمريكي مؤثرا في الغالب".
يذكر أن المستشار العسكري لمرشد الثورة في إيران علي خامنئي اللواء رحيم صفوي عبر مؤخرا عن مخاوفه من التفاهم الروسي الأمريكي بسوريا حول إنهاء النزاع المسلح بين المعارضة والنظام في سوريا".
وأعرب صفوي عن تخوف إيران من صفقة روسية أمريكية حول سوريا، لا تراعي حصة إيران بسوريا، وقال: "لا نقبل بأن تكون الولايات المتحدة الأمريكية هي المستفيد الأكبر من هذه اللعبة السياسية في سوريا، ونرفض أن تكون الحصة الإيرانية أقل من حصة الأمريكان في سوريا".
وحول التعاون الروسي - الإيراني المشترك في سوريا، قال صفوي: "في السياسة لا توجد أشياء باسم الثقة المشتركة، ولا يوجد اعتقاد سياسي مشترك، بل هناك مصالح مشتركة يتم طرحها بين الطرفين".
واعتبر صفوي أن سوريا تمثل العمق الاستراتيجي الدفاعي لإيران، وقال: "علينا أن نبحث عن مصالحنا في سوريا، وخاصة في الحفاظ على الأمن القومي الإيراني من خلال العمق الاستراتيجي الدفاعي".
ضغوط على المعارضة السورية لحضور "سوتشي".. لماذا ترفض؟
استهداف قيادات "قسد" بمنبج السورية.. هل هي "ثورة جديدة"؟
تعرف على خريطة القوى المتصارعة بريف حماة الشرقي بسوريا