يفرض القلق نفسه على الشارع السنيّ في لبنان، بعد أن أرخت استقالة الرئيس
سعد الحريري من رئاسة الحكومة بظلالها على المشهد اللبناني، وسط ترجيحات من أغلب السياسيين
اللبنانيين، صراحة وتلميحا، بتغييب الحريري أو احتجازه بإرادة من وليّ العهد السعودي
محمد بن سلمان، على خلفية اتهام رئيس الحكومة اللبنانية بالتقصير حيال تمدّد حزب الله،
وما يقول القادة السعوديون بأنه "هيمنة حزب الله على الدولة اللبنانية".
ومع سخونة الاتهامات التي وجهت لبنانيا الى السعودية بأنها تغيّب الحريري
أو تحتجزه وقد أجبرته على الاستقالة، بدا المشهد السني مرتبكا للغاية، فالزعيم السني
الذي إن اتفقوا معه أو اختلفوا غائب أو مغيب، والمخاوف حاضرة من أن يكون منصبه -وهو
الأعلى للسنّة في لبنان- قد أهين أو أذلّ من قبل المملكة السعودية، التي شكلت لكثيرين
منهم -ومن بينهم الحريري وتياره- العباءة الراعية لهم ولسياستهم.
ويبدو جليّا اقتضاب المواقف الصادرة من تيار المستقبل، وقد علمت
"عربي21" من مصادر موثوقة في تيار الحريري بأن رئيس الكتلة فؤاد السنيورة
طلب من أعضاء الكتلة عدم التصريح من خارج بيانات الكتلة.
وأشار المصدر الى أن "تيار المستقبل متوحّد على ضرورة عودة الحريري؛
لإيضاح ظروف الاستقالة، ورفض أي محاولة للإساءة إليه".
أما دار الفتوى، فقد شهدت حراكا كبيرا، ووجّه الساسة السنّة على
اختلاف انتماءاتهم السياسية مسارهم الى دار الفتوى، فتوحدت المواقف من على منبر المرجعية
الدينية السنيّة لجهة التمسك بالحريري رئيسا، ورفض أيّ مرشح لخلافته من دون موافقة
مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان.
وتحدّث أحد رواد دار الفتوى، وهو رئيس المكتب السياسي للجماعة الإسلامية،
أسعد هرموش، عن "حالة إحباط تهيمن على الشارع السني، المصاب بالذهول نتيجة تداعيات
استقالة الرئيس الحريري"، مشيرا في تصريحات لـ"عربي21" الى أنّ
"خطوة الاستقالة مفاجأة، كما أنّها كشفت ظهر السنّة في لبنان نتيجة التباين بين
تيار المستقبل ممثلا بالحريري وبين المملكة السعودية".
ولفت الى أن الطائفة السنيّة اعتمدت تاريخيا على العامل الإقليمي،
"بدءا من مصر في زمن عبد الناصر، مرورا بالثورة الفلسطينية في لبنان في السبعينات
وأوائل الثمانينات، ومع خروج منظمة التحرير من لبنان غُيبت الطائفة السنيّة من خلال
الوصاية السورية، قبل أن يبرز الرئيس الراحل رفيق الحريري أوائل التسعينيات منعشا
آمال طائفته، لكنّهم بعد استشهاده افتقدوا جزءا من ثقتهم".
وحول أسباب التحوّل السعودي مع الحريري، قال: "السعودية وقفت إلى
جانب الرئيس سعد الحريري ودعمته، لكن هذا الخيار سقط اليوم، بفعل التباين وأجندات جديدة
سعودية برزت من خلال التعاطي مع المكوّن السني اللبناني"، "مؤكدا أن
"الطائفة السنيّة تشعر باليتم حاليا، وهي تبحث عن بدائل؛ لأنها تفتقد الظهير الإقليمي".
وانتقد دور البلدان العربية في التعاطي مع المسلمين السنّة في لبنان،
قائلا: "دمنا وحضورنا رخيص لديهم، رغم أنّ طائفتنا قدّمت للعرب والمسلمين الكثير،
وهي التي كانت حاضنة لقضيّة فلسطين والقضايا العربية، لا سيما القضيّة السورية".
وعن إمكانيّة استبدال زعامة أخرى بزعامة الحريري على مستوى رئاسة الحكومة وتيار
المستقبل، قال: "الاستقالة في الشكل غير دستورية؛ لأنّها لم تقدم إلى رئيس الجمهورية،
أمّا في المضمون، فهي مرفوضة؛ لأنّها وقعت تحت ضغط فُرض على الحريري، وما مُورس بالإكراه
فهو باطل"، كما قال.
وانتقد هرموش ما قال إنه "أسلوب" فجّ يعامل به حاليا رئيس الحكومة
في السعودية، وقال: "كان عليهم مراعاة أصالة الأخوة العربية والعلاقة التاريخية
بين تيار المستقبل والمملكة السعودية، إضافة إلى كونهم انتهكوا اتفاقية فيينا، التي
تشدّد على حصانة رؤساء الحكومات ووزراء الخارجية"، مضيفا: "التعامل الأمني
السعودي مع الحريري يدلّل على جهل، ويخرج عن الأخلاق والأصول"، وفق قوله.
وعن التشابه بين حالة سعد الحريري مع السعودية حاليا وتلك التي كان عليها
والده رفيق الحريري في ظلّ الضغوطات السورية قبل اغتياله، قال: "الوصاية مرفوضة
من أيّ طرف، والشهيد رفيق الحريري تعرّض لانتهاكات وإهانات من قبل النظام السوري سبقت
اغتياله".
وقال الكاتب والمحلل السياسي محمد سلام، في تصريحات لـ"عربي21":
لم أكن أودّ أن أخوض في هذا الموضوع الحساس قبل أن تنجلي الصورة كاملة، وعلينا أن نستند
على مفردة هامّة، وهي (تبينوا)"، مضيفا: "يجب ألّا نبني على غموض، ويتوجب
على الدولة اللبنانية أن تتحرى، وبإمكانها إرسال مبعوث على مستوى سفير أو وزير، ومن
ثمّ يبنى على الشيء مقتضاه".
وحول الدفاع الذي يظهره حزب الله عن رئاسة الحكومة، علّق سلام باقتضاب:
"هناك توصيف واحد وعنوان محدّد لهذه المشهديّة، وهو (إذا أحبوك قتلوك)".
أغان لبنانية تطالب السعودية بإعادة الحريري (شاهد)
تفاصيل مثيرة لما حدث للحريري في السعودية تكشفها "رويترز"
السبهان يرد على دعوات كشف مصير الحريري.. بماذا وعد؟